الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة والله خبير بما تعملون )

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 6 ] قوله تعالى :( أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة والله خبير بما تعملون ) اعلم أن الآيات المتقدمة كانت مرغبة في الجهاد ، والمقصود من هذه الآية مزيد بيان في الترغيب ، وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : قال الفراء : قوله :( أم ) من الاستفهام الذي يتوسط الكلام ، ولو أريد به الابتداء لكان بالألف أو بها .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : قال أبو عبيدة : كل شيء أدخلته في شيء ليس منه فهو وليجة ، وأصله من الولوج ، فالداخل الذي يكون في القوم وليس منهم وليجة ، فالوليجة فعيلة من "ولج" كالدخيلة من دخل ، قال الواحدي : يقال : هو وليجتي وهم وليجتي للواحد والجمع .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : المقصود من الآية بيان أن المكلف في هذه الواقعة لا يتخلص عن العقاب إلا عند حصول أمرين :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أن يعلم الله الذين جاهدوا منكم ، وذكر العلم ، والمراد منه المعلوم ، والمراد أن يصدر الجهاد عنهم ، إلا أنه إنما كان وجود الشيء يلزمه معلوم الوجود عند الله ، لا جرم جعل علم الله بوجوده كناية عن وجوده ، واحتج هشام بن الحكم بهذه الآية على أنه تعالى لا يعلم الشيء إلا حال وجوده .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أن ظاهر الآية وإن كان يوهم ما ذكره إلا أن المقصود ما بيناه .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : قوله :( ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة ) والمقصود من ذكر هذا الشرط أن المجاهد قد يجاهد ، ولا يكون مخلصا بل يكون منافقا ، باطنه خلاف ظاهره ، وهو الذي يتخذ الوليجة من دون الله ورسوله والمؤمنين ، فبين تعالى أنه لا يتركهم إلا إذا أتوا بالجهاد مع الإخلاص خاليا عن النفاق والرياء ، والتودد إلى الكفار ، وإبطال ما يخالف طريقة الدين ، والمقصود بيان أنه ليس الغرض من إيجاب القتال نفس القتال فقط ، بل الغرض أن يؤتى به انقيادا لأمر الله عز وجل ، ولحكمه وتكليفه ، ليظهر به بذل النفس والمال في طلب رضوان الله تعالى ، فحينئذ يحصل به الانتفاع ، وأما الإقدام على القتال لسائر الأغراض فذاك مما لا يفيد أصلا .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال :( والله خبير بما تعملون ) أي : عالم بنياتهم وأغراضهم ، مطلع عليها ، لا يخفى عليه منها شيء ، فيجب على الإنسان أن يبالغ في أمر النية ورعاية القلب ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : إن الله لا يرضى أن يكون الباطن خلاف الظاهر ، وإنما يريد الله من خلقه الاستقامة كما قال :( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ) [فصلت : 30] قال : ولما فرض القتال تبين المنافق من غيره ، وتميز من يوالي المؤمنين ممن يعاديهم .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية