الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        1391 1353 - مالك عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا تلقوا الركبان للبيع ، ولا يبع بعضكم على بيع بعض ، ولا تناجشوا ، ولا يبع حاضر لباد ، ولا تصروا الإبل والغنم ، فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين ، بعد أن يحلبها ، إن رضيها ، أمسكها ، وإن سخطها ، ردها وصاعا من تمر " .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        30459 - قال أبو عمر : أما قوله : لا تلقوا الركبان للبيع " ، فقد روي هذا المعنى بألفاظ مختلفة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث أبي هريرة ، وغيره .

                                                                                                                        [ ص: 70 ] 30460 - فروى الأعرج عن أبي هريرة كما ترى : " لا تلقوا الركبان للبيع " .

                                                                                                                        30461 - وروى ابن سيرين عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : لا تلقوا الجلب " .

                                                                                                                        30462 - وروى أبو صالح وغيره عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى أن تتلقى السلع حتى تدخل الأسواق .

                                                                                                                        30463 - وروى ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لا تستقبلوا السوق ، ولا يتلق بعضكم لبعض " .

                                                                                                                        30464 - والمعنى في كل ذلك واحد .

                                                                                                                        30465 - وجملة قول مالك في ذلك أنه لا يجوز أن يشتري أحد من الجلب ، والسلع الهابطة إلى الأسواق شيئا حتى تصل السلعة إلى سوقها ، هذا إذا كان التلقي في أطراف المصر ، أو قريبا منه .

                                                                                                                        30466 - وقيل لمالك : أرأيت إن كان ذلك على رأس ستة أميال ؟ فقال : لا بأس بذلك ، قال : والحيوان وغيره في ذلك سواء .

                                                                                                                        30467 - وروى ابن وهب عن مالك أنه سئل عن الرجل يخرج في الأضحى إلى مثل الإصطبل ، وهو نحو من ميل يشتري ضحايا ، وهو موضع فيه الغنم ، [ ص: 70 ] والناس ، يخرجون إليهم ، يشترون منهم هناك ؟ .

                                                                                                                        30468 - فقال مالك : لا يعجبني ذلك وقد نهي عن تلقي السلع ، فلا أرى أن يشترى شيء منها حتى يهبط بها إلى الأسواق .

                                                                                                                        30469 - قال مالك : والضحايا أفضل ما احتيط فيه ; لأنها نسك يتقرب به إلى الله ( عز وجل ) ، فلا أرى ذلك .

                                                                                                                        30470 - وسئل عن الذي يتلقى السلعة ، فيشتريها ، وتوجد معه ، أترى أن تؤخذ منه ، فتباع للناس ؟ .

                                                                                                                        30471 - فقال مالك : أرى أن ينهى عن ذلك ، فإن نهي عن ذلك ، ثم وجد قد عاد نكل .

                                                                                                                        30472 - وقد روى ابن وهب ، عن مالك أنه كره تلقي السلع في مسيرة اليوم ، واليومين .

                                                                                                                        30473 - وتحصيل مذهب مالك في ذلك أنه لا يجوز تلقي السلع والركبان ، ومن تلقاهم فاشترى منهم سلعة شركه فيها أهل سوقها إن شاءوا وكان فيها واحدا منهم ، وسواء كانت السلعة طعاما ، أو بزا .

                                                                                                                        30474 - وروى عيسى ، وسحنون ، وأصبغ ، عن ابن القاسم أن السلعة إذا [ ص: 72 ] تلقاها متلق ، واشتراها قبل أن يهبط بها إلى سوقها ، فإنها تعرض على الذين يتجرون في السوق بها ، فيشتركون فيها بذلك الثمن لا زيادة إن شاءوا ، فإن لم يكن لتلك السلعة سوق ، عرضت على الناس في المصر ، فيشتركون فيها إن أحبوا ، فإن نقصت عن ذلك الثمن لزمت المشتري المتلقي لها .

                                                                                                                        30475 - قال سحنون : وقال لي غير ابن القاسم : يفسخ البيع .

                                                                                                                        30476 - وقال عيسى عن ابن القاسم : يؤدب متلقي السلع إذا كان معتادا لذلك .

                                                                                                                        30477 - وروى سحنون عنه أيضا أنه يؤدب إلا أن يعذر بالجهالة .

                                                                                                                        30478 - وقال عيسى عن ابن القاسم : إن فاتت السلعة ، فلا شيء عليه .

                                                                                                                        30479 - وقد ذكرنا في " التمهيد " ، وفي كتاب " اختلاف أقوال مالك ، وأصحابه " ما اختلفوا فيه من هذا الباب ، وهذا المعنى .

                                                                                                                        30480 - وقال الليث بن سعد : أكره تلقي السلع ، وشراءها في الطريق ، ولو على بابك حتى تقف السلعة في سوقها التي تباع فيها ، فإن تلقى أحد سلعة ، فاشتراها ، ثم علم به ، فإن كان بائعها ، لم يذهب ردت إليه حتى تباع في السوق ، وإن كان قد ذهب أخذت من مشتريها ، وبيعت في السوق ، ودفع إليه ثمنها .

                                                                                                                        [ ص: 73 ] 30481 - قال : فإن كان على بابه ، أو في طريقه ، فمرت به سلعة يريد صاحبها سوق تلك السلعة ، فلا بأس أن يشتريها إذا لم يقصد التلقي ; لأنه ليس بمتلق ، وإنما التلقي أن يعمد إلى ذلك .

                                                                                                                        30482 - قال أبو عمر : يتفق معنى قول مالك ، والليث في أن النهي أريد به نفع أهل الأسواق ، لا رب السلع .

                                                                                                                        30483 - وقال الشافعي : يكره تلقي السلعة من أهل البادية ، فمن تلقاها ، فقد أساء ، وصاحب السلعة بالخيار إذا قدم إلى السوق ، في إنفاذ البيع ، أو رده ، وذلك أنهم يتلقونهم فيخبرونهم بانكسار سلعهم ، وكساد سوقهم ، وهم أهل غرة ، فيبيعونهم على ذلك ، وهذا ضرب من الخديعة .

                                                                                                                        30484 - حكى ذلك عن الشافعي الزعفراني ، والربيع ، والمزني .

                                                                                                                        30485 - وتفسير قول الشافعي عند أصحابه أن يخرج أهل السوق ، فيخدعون أهل القافلة ، ويشترون منهم شراء رخيصا ، فلهم الخيار ; لأنهم غروهم .

                                                                                                                        30486 - قال أبو عمر : فمذهب الشافعي في نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن تلقي السلع إنما أريد به نفع رب السلعة ، لا نفع أهل سوقها في الحاضرة .

                                                                                                                        [ ص: 74 ] 30487 - وقال أبو حنيفة ، وأصحابه : إذا كان التلقي في أرض لا يضر بأهلها ، فلا بأس به ، وإن كان يضر بأهلها فهو مكروه .

                                                                                                                        30488 - وقال الأوزاعي : إذا كان الناس من ذلك شباعا ، فلا بأس به ، وإن كانوا محتاجين ، فلا يقربوا السلع حتى يهبط بها إلى الأسواق .

                                                                                                                        30489 - ولم يجعل الأوزاعي القاعد على بابه تمر به السلع ، لم يقصد إليها ، فيشتريها متلقيا ، والمتلقي عنده التاجر القاصد إلى ذلك الخارج إليه .

                                                                                                                        30490 - وقال الحسن بن حي : لا يجوز تلقي السلع ، ولا شراؤها في الطريق حتى يهبط بها إلى الأسواق .

                                                                                                                        30491 - وقالت طائفة من المتأخرين من أهل الفقه والحديث : لا بأس بتلقي السلع في أول السوق ، ولا يجوز ذلك خارج السوق على ظاهر الحديث .

                                                                                                                        30492 - وقال ابن خواز بنداد : البيع في تلقي السلع صحيح عند الجميع ، وإنما الخلاف في أن المشتري لا يفوز بالسلعة ، ويشركه فيها أهل السوق ، ولا خيار للبائع ، أو أن البائع بالخيار إذا هبط بها إلى السوق .

                                                                                                                        30493 - قال أبو عمر : قد ذكرنا عن بعض أصحاب مالك أن البيع فاسد ، [ ص: 75 ] يفسخ ، وما أظن أن ابن خواز بنداد ، وافق على ذلك من قوله ولم يره خلافا لمخالفة الجمهور .

                                                                                                                        30494 - وفي هذا الباب حديث مسند صحيح حجة لمن ذهب إليه ، وبالله التوفيق .

                                                                                                                        30495 - وحدثني سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثني عبد الله بن روح ، قال : حدثني يزيد بن هارون ، قال : حدثني هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " لا تلقوا الجلب ، فمن تلقى منه شيئا ، فاشتراه ، فصاحبه بالخيار إذا أتى السوق .

                                                                                                                        30496 - وحدثني سعيد ، وعبد الوارث ، قالا : حدثني قاسم ، قال : حدثني محمد بن وضاح ، قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثني أبو أسامة ، عن هشام بن حسان ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله .

                                                                                                                        30497 - وأخبرنا عبد الله بن محمد ، قال حدثني محمد بن بكر ، قال : حدثني أبو داود ، قال : حدثني أبو توبة ; الربيع بن نافع ، قال : حدثني عبيد الله [ ص: 76 ] ابن عمرو الرقي ، عن أيوب ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن تلقي الجلب ، فإن تلقاه متلق ، فاشتراه ، فصاحب السلعة بالخيار إذا وردت السوق .

                                                                                                                        30498 - وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : " ولا تناجشوا " في حديث مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة على ما ذكرنا في هذا الباب ، ف :




                                                                                                                        الخدمات العلمية