الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          وإن قطع بعض اللسان فذهب بعض الكلام اعتبر أكثرهما ، فلو ذهب ربع اللسان ونصف الكلام ، أو ربع الكلام ونصف اللسان وجب نصف الدية ، فإن قطع ربع اللسان فذهب نصف الكلام ، ثم قطع آخر بقيته ، فعلى الأول نصف الدية وعلى الثاني نصفها ويحتمل أن يجب عليه نصف الدية ، وحكومة لربع اللسان . وإن قطع لسانه فذهب نطقه وذوقه لم تجب إلا دية ، وإن ذهبا مع بقاء اللسان ففيه ديتان . وإن كسر صلبه فذهب مشيه ونكاحه ففيه ديتان ، ويحتمل أن تجب دية واحدة .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( وإن قطع [ ص: 384 ] بعض اللسان فذهب بعض الكلام اعتبر أكثرهما ) أي : تجب دية الأكثر ، فإن استويا مثل أن يقطع ربع لسانه فيذهب ربع كلامه وجب ربع الدية بقدر الذاهب منهما كما لو قلع إحدى عينيه فذهب بصرها ( فلو ذهب ربع اللسان ونصف الكلام ، أو ربع الكلام ونصف اللسان وجب نصف الدية ) لأن كل واحد منهما مضمون بالدية منفردا ، فإذا انفرد نصفه بالذهاب وجب النصف ; لأنه لو ذهب نصف اللسان فقط وجب نصف الدية ، وكذا عكسه ( فإن قطع ربع اللسان فذهب نصف الكلام ، ثم قطع آخر بقيته ، فعلى الأول نصف الدية ) لأنه أذهب بجنايته نصف الكلام ( وعلى الثاني نصفها ) وهو قول القاضي ، وقدمه في " الفروع " ; لأن السالم نصف اللسان ، وباقيه أشل بدليل ذهاب نصف الكلام ( ويحتمل أن يجب عليه ) أي : على الثاني ( نصف الدية ، وحكومة لربع اللسان ) هذا وجه ، وجزم به في " الكافي " ، و " المستوعب " ، وقدمه في " الرعاية " ، قال في " الفروع " : وهو الأشهر ; لأنه لو كان جميعه أشل كان فيه حكومة ، فكذا في بعضه ، وقيل : عليه ثلاثة أرباع الدية كما لو قطعه أولا ، وجزم به في " الوجيز " ، ولا يصح القول بأن بعضه أشل ; لأن العضو شيء كان فيه منفعة ، فلم يكن بعضه أشل كضعف بصر العين وبطش اليد ، فلو قطع نصف لسانه فذهب ربع كلامه فعليه نصف الدية ، فإن قطع آخر بقيته فعليه ثلاثة أرباع الدية ، اقتصر عليه في " الكافي " ، و " الشرح " ; لأنه ذهب بثلاثة أرباع الكلام ، فلو ذهب ثلاثة أرباع كلام من غير قطع وجب ثلاثة أرباع الدية ، [ ص: 385 ] فمع قطع نصفه أولى ، وقيل : النصف فقط .

                                                                                                                          فرع : إذا جنى على لسانه فاقتص منه مثل جنايته فذهب من كلام الجاني مثل جنايته وذهب من كلام الجاني كذلك ، أو أكثر لم يجب شيء ; لأنه استوفى حقه ، وسراية القود غير مضمونة ، وإن ذهب أقل فللمقتص دية ما بقي ; لأنه لم يستوف بدله ، ولو كان اللسان ذا طرفين فقطع أحدهما ، ولم يذهب من الكلام شيء ، وكانا متساويين في الخلقة فهما كلسان مشقوق فيهما الدية ، وفي أحدهما نصفها ، وإن كان أحدهما تام الخلقة ، والآخر ناقص ، فالتام فيه الدية ، والناقص زائد ، فيه حكومة ( وإن قطع لسانه فذهب نطقه وذوقه ) أو كان أخرس ، قاله في " الوجيز " ، و " الفروع " وسبقهما إلى ذلك " المحرر " ( لم تجب إلا دية ) واحدة ; لأنهما ذهبا تبعا فوجب ديته دون ديتهما كما لو قتل إنسانا ، فلو عاد أو أحدهما لم تجب ; لأنه لم يذهب ، ولو ذهب لم يعد ، وإن كان قبضها ردها ، وإن قطع لسانه ، ثم عاد ، فلا شيء عليه ، قاله أبو بكر ، وقيل : حكومة ، وفي " المستوعب " يجب أرش القطع ، فإن قطعه قاطع فالقصاص أو الدية ، بخلاف ما لو أوضحه ، فاندملت ، ثم أوضحه آخر ، فلا قصاص ولا دية ، بل تجب حكومة ; لأن الجلد لا يعود ، بخلاف اللسان ، فإن نقص صورة أو معنى وجب أرشه ( وإن ذهبا مع بقاء اللسان ففيه ديتان ) على الأصح كما لو ذهبت منافع الإنسان مع بقائه ، فعلى هذا في كل منفعة دية ، وعنه : تجب دية واحدة .

                                                                                                                          فرع : إذا قطع نصف لسانه فذهب كلامه ، ثم قطع آخر بقيته فعاد كلامه لم يجب رد الدية ; لأن الكلام الذي كان باللسان قد ذهب ، ولم يعد إلى [ ص: 386 ] اللسان ، وإنما عاد إلى محل آخر ( وإن كسر صلبه فذهب مشيه ونكاحه ففيه ديتان ) على المذهب ; لأن في كل منهما دية منفردا ، فكذا إذا اجتمعا وكذهاب شم ، أو سمع بقطع أنفه ، أو أذنه ( ويحتمل أن تجب دية واحدة ) هذا رواية ; لأنهما منفعة عضو كبقية الأعضاء الذاهبة بنفعها ، فلو ضعف المشي والجماع ، أو نقص فحكومة .

                                                                                                                          فرع : إذا كسر صلبه فجبر وعاد إلى حاله فحكومة للكسر ، وإن احدودب فحكومة لهما ، وإن ذهب ماؤه ، أو إحباله ، فالدية ، ذكره في " الرعاية " ، وكذا في " الروضة " إن ذهب نسله فالدية ، وفي " المغني " في ذهاب مائه احتمالان .



                                                                                                                          الخدمات العلمية