الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم [ ص: 38 ] من بعد وصية توصون بها أو دين وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار وصية من الله والله عليم حليم

                                                                                                                                                                                                فإن كان لهن ولد : منكم أو من غيركم . جعلت المرأة على النصف من الرجل بحق الزواج ، كما جعلت كذلك بحق النسب ، والواحدة والجماعة سواء في الربع والثمن ، وإن كان رجل : يعني الميت ، و يورث : من ورث ، أي : يورث منه وهو صفة لـ “رجل" ، و كلالة : خبر كان ، أي : وإن كان رجل موروث منه كلالة ، أو يجعل "يورث" خبر كان ، و “ كلالة" حالا من الضمير في يورث ، وقرئ "يورث" و "يورث" بالتخفيف والتشديد على البناء للفاعل ، وكلالة حال أو مفعول به . فإن قلت : ما الكلالة؟ قلت : ينطلق على ثلاثة : على من لم يخلف ولدا ولا والدا ، وعلى من ليس بولد ولا والد من المخلفين ، وعلى القرابة من غير جهة الولد والوالد ، ومنه قولهم : ما ورث المجد عن كلالة ، كما تقول : ما صمت عن عي ، وما كف عن جبن ، والكلالة في الأصل : مصدر بمعنى الكلال ، وهو ذهاب القوة من الإعياء . قال الأعشى [من الطويل] :


                                                                                                                                                                                                فآليت لا أرثي لها من كلالة



                                                                                                                                                                                                فاستعيرت للقرابة من غير جهة الولد والوالد ، لأنها بالإضافة إلى قرابتها كالة ضعيفة ، وإذا جعل صفة للموروث أو الوارث فبمعنى ذي كلالة . كما تقول : فلان من قرابتي ، تريد من ذوي قرابتي ، ويجوز أن تكون صفة كالهجاجة والفقاقة للأحمق . فإن قلت : فإن جعلتها اسما للقرابة في الآية فعلام تنصبها؟ قلت : على أنها مفعول له أي : يورث لأجل الكلالة أو يورث غيره لأجلها ، فإن قلت : فإن جعلت "يورث" على البناء للمفعول من [ ص: 39 ] أورث ، فما وجهه؟ قلت : الرجل حينئذ هو الوارث لا الموروث . فإن قلت : فالضمير في قوله : فلكل واحد منهما : إلى من يرجع حينئذ؟ قلت : إلى الرجل وإلى أخيه أو أخته ، وعلى الأول إليهما . فإن قلت : إذا رجع الضمير إليهما أفاد استواءهما في حيازة السدس من غير مفاضلة الذكر الأنثى ، فهل تبقى هذه الفائدة قائمة في هذا الوجه؟ قلت : نعم ، لأنك إذا قلت : السدس له أو لواحد من الأخ أو الأخت على التخيير فقد سويت بين الذكر والأنثى ، وعن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - ، أنه سئل عن الكلالة فقال : أقول فيه برأيي ، فإن كان صوابا فمن الله ، وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان والله منه بريء . الكلالة : ما خلا الولد والوالد ، وعن عطاء والضحاك : أن الكلالة هو الموروث ، وعن سعيد بن جبير : هو الوارث ، وقد أجمعوا على أن المراد أولاد الأم ، وتدل عليه قراءة أبي : "وله أخ أو أخت من الأم" ، وقراءة سعد بن أبي وقاص : "وله أخ أو أخت من أم" ، وقيل : إنما استدل على أن الكلالة هاهنا الإخوة للأم خاصة بما ذكر في آخر السورة من أن للأختين الثلثين وأن للإخوة كل المال ، فعلم هاهنا - لما جعل للواحد السدس ، وللاثنين الثلث ، ولم يزادوا على الثلث شيئا - أنه يعني بهم الإخوة للأم ، وإلا فالكلالة عامة لمن عدا الولد والوالد من سائر الإخوة الأخياف والأعيان وأولاد العلات وغيرهم غير مضار : حال ، أي : يوصي بها وهو غير مضار لورثته وذلك أن يوصي بزيادة على الثلث ، أو يوصي بالثلث فما دونه ، ونيته مضارة ورثته ومغاضبتهم لا وجه الله تعالى ، وعن قتادة : كره الله الضرار في الحياة وعند الممات ونهى عنه ، وعن الحسن : المضارة في الدين أن يوصي بدين ليس عليه ومعناه الإقرار وصية من الله : مصدر مؤكد ، أي : يوصيكم بذلك وصية ، كقوله : فريضة من الله [النساء : 11] ويجوز أن تكون منصوبة [ ص: 40 ] بـ “ غير مضار" ، أي : لا يضار وصية من الله وهو الثلث فما دونه بزيادته على الثلث أو وصية من الله بالأولاد وألا يدعهم عالة بإسرافه في الوصية ، وينصر هذا الوجه قراءة الحسن : "غير مضار وصية من الله" بالإضافة والله عليم : بمن جار أو عدل في وصيته حليم : عن الجائر لا يعالجه ، وهذا وعيد . فإن قلت : في يوصي : ضمير الرجل إذا جعلته الموروث ، فكيف تعمل إذا جعلته الوارث؟ قلت : كما علمت في قوله تعالى : فلهن ثلثا ما ترك [النساء : 11] لأنه علم أن التارك والموصي هو الميت . فإن قلت : فأين ذو الحال فيمن قرأ "يوصى بها" على ما لم يسم فاعله؟ يضمر "يوصى" فينتصب عن فاعله لأنه لما قيل يوصي بها : علم أن ثم موصيا ، كما قال : يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال [النور : 36] على ما لم يسم فاعله ، فعلم أن ثم مسبحا ، فأضمر يسبح فكما كان "رجال" فاعلا يدل عليه "يسبح" ، كان "غير مضار" حالا عما يدل عليه "يوصى بها" .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية