الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ينبغي للعالم أن يعتني بهذا الفن ] ( وهو ) ; أي : هذا النوع على كل حال ، ( قمن ) بكسر الميم على إحدى اللغتين ; أي : حقيق ، ( أن يعتنى به ) ; لأنه علم جليل ذو غور وغموض ، دارت فيه الرءوس ، وتاهت في الكشف عن مكمونه النفوس ، بحيث يستعظمه الزهري أحد من انتهى إليه علم الصحابة ، ومن كان عليه مدار حديث الحجاز ، وإليه المرجع فيه ، وعليه المعول في الفتيا .

وقال : إنه أعيا الفقهاء وأعجزهم أن يعرفوا ناسخ حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من منسوخه . ( وكان ) إمامنا ( الشافعي ) - رحمه الله - ( ذا ) ; أي : صاحب ، ( علمه ) ، له فيه اليد الطولى والسابقة الأولى ، فخاض تياره وكشف أسراره ، واستنبط معينه واستخرج دفينه ، واستفتح [ ص: 51 ] بابه ورتب أبوابه ; ولذا نسب الإمام أحمد ابن وارة ; حيث قدم مصر ولم يكتب كتبه ، إلى التفريط ، وقال : ما عرفنا المجمل من المفسر ، ولا ناسخ حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من منسوخه ; حتى جالسناه ، ومع ذلك فلم نر له فيه تصنيفا مستقلا ، إنما يوجد في غضون الأبواب من كتبه مفرقا ، وكذا في الرسالة له منه أحاديث ، وتكلم فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم كان متداولا بين الصحابة والتابعين متفرقا في كتب شروح السنة ، إلى أن جرد له غير واحد من الأئمة مصنفات ; كأبي داود ( صاحب السنن ) ، وأبي حفص بن شاهين ، وكابن الجوزي في مصنفين : أحدهما : في الرد على جماعة من العلماء دعوى النسخ في كثير من الأحاديث . ثانيهما : في تجريد الأحاديث المنسوخة ، وهو مختصر جدا .

وكالحازمي في مصنف حافل ، وقد قرأته مع ثاني تصنيفي ابن الجوزي بعلو . وكالبرهان الجعبري .

وهو فرض كفاية ; لتوقف بعض الأحكام عليه . وقد مر علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فيما رواه أبو عبد الرحمن السلمي عنه ، بقاص فقال : أتعرف الناسخ من المنسوخ ؟ قال : لا ، قال : هلكت وأهلكت . ونحوه عن عمر وابن عباس .

وقال الزهري : من لم يعلم ذلك خلط . وقد توهم بعض من لم يحظ من [ ص: 52 ] معرفة الآثار إلا بآثار ، ولم يحصل من طريق الأخبار إلا بالإخبار أن الخطب فيه جلل يسير ، والمحصول منه قليل غير كثير ، فعاناه مع عدم تقدمه في صناعته وضبطه ، فأدخل فيه ما ليس منه ; لخفاء معنى المنسوخ وشرطه .

التالي السابق


الخدمات العلمية