بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الزكاة
979 وحدثني حدثنا عمرو بن محمد بن بكير الناقد قال سألت سفيان بن عيينة عمرو بن يحيى بن عمارة فأخبرني عن أبيه عن أبي سعيد الخدري ولا فيما دون خمس أواق صدقة ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ولا فيما دون خمس ذود صدقة وحدثنا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أخبرنا محمد بن رمح بن المهاجر ح وحدثني الليث حدثنا عمرو الناقد كلاهما عن عبد الله بن إدريس عن يحيى بن سعيد عمرو بن يحيى بهذا الإسناد مثله وحدثنا حدثنا محمد بن رافع أخبرنا عبد الرزاق أخبرني ابن جريج عمرو بن يحيى بن عمارة عن أبيه يحيى بن عمارة قال سمعت يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وأشار النبي صلى الله عليه وسلم بكفه بخمس أصابعه ثم ذكر بمثل حديث أبا سعيد الخدري ابن عيينة
كتاب الزكاة
- باب ما فيه العشر أو نصف العشر
- باب لا زكاة على المسلم في عبده وفرسه
- باب في تقديم الزكاة ومنعها
- باب زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير
- باب الأمر بإخراج زكاة الفطر قبل الصلاة
- باب إثم مانع الزكاة
- باب إرضاء السعاة
- باب تغليظ عقوبة من لا يؤدي الزكاة
- باب الترغيب في الصدقة
- باب في الكنازين للأموال والتغليظ عليهم
- باب الحث على النفقة وتبشير المنفق بالخلف
- باب فضل النفقة على العيال والمملوك وإثم من ضيعهم أو حبس نفقتهم عنهم
- باب الابتداء في النفقة بالنفس ثم أهله ثم القرابة
- باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد والوالدين ولو كانوا مشركين
- باب وصول ثواب الصدقة عن الميت إليه
- باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف
- باب في المنفق والممسك
- باب الترغيب في الصدقة قبل أن لا يوجد من يقبلها
- باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها
- باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة أو كلمة طيبة وأنها حجاب من النار
- باب الحمل بأجرة يتصدق بها والنهي الشديد عن تنقيص المتصدق بقليل
- باب فضل المنيحة
- باب مثل المنفق والبخيل
- باب ثبوت أجر المتصدق وإن وقعت الصدقة في يد غير أهلها
- باب أجر الخازن الأمين والمرأة إذا تصدقت من بيت زوجها غير مفسدة بإذنه الصريح أو العرفي
- باب ما أنفق العبد من مال مولاه
- باب من جمع الصدقة وأعمال البر
- باب الحث على الإنفاق وكراهة الإحصاء
- باب الحث على الصدقة ولو بالقليل ولا تمتنع من القليل لاحتقاره
- باب فضل إخفاء الصدقة
- باب بيان أن أفضل الصدقة صدقة الصحيح الشحيح
- باب بيان أن اليد العليا خير من اليد السفلى وأن اليد العليا هي المنفقة وأن السفلى هي الآخذة
- باب النهي عن المسألة
- باب المسكين الذي لا يجد غنى ولا يفطن له فيتصدق عليه
- باب كراهة المسألة للناس
- باب من تحل له المسألة
- باب إباحة الأخذ لمن أعطي من غير مسألة ولا إشراف
- باب كراهة الحرص على الدنيا
- باب لو أن لابن آدم واديين لابتغى ثالثا
- باب ليس الغنى عن كثرة العرض
- باب تخوف ما يخرج من زهرة الدنيا
- باب فضل التعفف والصبر
- باب في الكفاف والقناعة
- باب إعطاء من سأل بفحش وغلظة
- باب إعطاء من يخاف على إيمانه
- باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي إيمانه
- باب ذكر الخوارج وصفاتهم
- باب التحريض على قتل الخوارج
- باب الخوارج شر الخلق والخليقة
- باب تحريم الزكاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وهم بنو هاشم وبنو المطلب دون غيرهم
- باب ترك استعمال آل النبي على الصدقة
- باب إباحة الهدية للنبي صلى الله عليه وسلم ولبني هاشم وبني المطلب
- باب قبول النبي الهدية ورده الصدقة
- باب الدعاء لمن أتى بصدقة
- باب إرضاء الساعي ما لم يطلب حراما
التالي
السابق
[ ص: 42 ] كتاب الزكاة .
هي فالمال ينمى بها من حيث لا يرى ، وهي مطهرة لمؤديها من الذنوب ، وقيل : ينمى أجرها عند الله تعالى . وسميت في الشرع زكاة لوجود المعنى اللغوي فيها ، وقيل : لأنها تزكي صاحبها وتشهد بصحة إيمانه ، كما سبق في قوله صلى الله عليه وسلم : " في اللغة : النماء والتطهير ، " . قالوا : وسميت صدقة ؛ لأنها دليل لتصديق صاحبها وصحة إيمانه بظاهره وباطنه ، قال والصدقة برهان القاضي عياض : قال المازري - رحمه الله - : قد أفهم الشرع أن الزكاة وجبت للمواساة ، وأن المواساة لا تكون إلا في مال له بال وهو النصاب ، ثم جعلها في الأموال الثابتة ؛ وهي العين والزرع والماشية ، وأجمعوا على وجوب في هذه الأنواع ، واختلفوا فيما سواها كالعروض ، فالجمهور يوجبون الزكاة زكاة العروض ، وداود يمنعها تعلقا بقوله صلى الله عليه وسلم : " " وحمله الجمهور على ما كان للقنية ، وحدد الشرع نصاب كل جنس بما يحتمل المواساة ؛ ليس على الرجل في عبده ولا فرسه صدقة وهي مائتا درهم ، بنص الحديث والإجماع . وأما الذهب : فعشرون مثقالا . والمعول فيه على الإجماع قال : وقد حكي فيه خلاف شاذ ، وورد فيه أيضا حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم . فنصاب الفضة : خمس أواق ،
وأما الزروع والثمار والماشية فنصبها معلومة ، ورتب الشرع مقدار الواجب بحسب المؤنة والتعب في المال ، فأعلاها وأقلها تعبا وفيه الخمس لعدم التعب فيه ، ويليه الركاز فإن سقي بماء السماء ونحوه ففيه العشر ، وإلا فنصفه ، ويليه الزرع والثمر ، وفيها ربع العشر ، لأنه يحتاج إلى العمل فيه جميع السنة ، ويليه الماشية فإنه يدخلها الأوقاص بخلاف الأنواع السابقة . والله أعلم . الذهب والفضة والتجارة
قوله صلى الله عليه وسلم : ( ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ) الأوسق جمع وسق ، فيه لغتان : فتح الواو وهو [ ص: 43 ] المشهور ، وكسرها . وأصله في اللغة الحمل ، ستون صاعا كل صاع خمسة أرطال وثلث بالبغدادي . وفي رطل والمراد بالوسق بغداد أقوال أظهرها : أنه مائة درهم وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم ، وقيل : مائة وثمانية وعشرون بلا أسباع ، وقيل : مائة وثلاثون ، فالأوسق الخمسة ألف وستمائة رطل بالبغدادي .
وهل هذا التقدير بالأرطال تقريب أم تحديد ؟ فيه وجهان لأصحابنا : أصحهما : تقريب ، فإذا نقص عن ذلك يسير أوجبت الزكاة ، والثاني : تحديد ، فمتى نقص شيئا وإن قل لم تجب الزكاة .
وفي هذا الحديث فائدتان : إحداهما : وجوب الزكاة في هذه المحدودات ، الثانية : أنه لا زكاة فيما دون ذلك ، ولا خلاف بين المسلمين في هاتين إلا ما قال أبو حنيفة وبعض السلف : إنه تجب وهذا مذهب باطل منابذ لصريح الأحاديث الصحيحة ، وكذلك أجمعوا على أن في عشرين مثقالا من الذهب زكاة إلا ما روي عن الزكاة في قليل الحب وكثيره ، الحسن البصري أنهما قالا : لا تجب في أقل من أربعين مثقالا ، والأشهر عنهما الوجوب في عشرين كما قاله الجمهور . قال والزهري القاضي عياض : وعن بعض السلف وجوب إذا بلغت قيمته مائتي درهم وإن كان دون عشرين مثقالا ، قال هذا القائل : ولا زكاة في العشرين حتى تكون قيمتها مائتي درهم . الزكاة في الذهب
وكذلك أجمعوا فيما زاد في أنه يجب فيما زاد على خمسة أوسق بحسابه ، وأنه لا أوقاص فيها ، واختلفوا في الحب والتمر فقال الذهب والفضة مالك والليث والثوري والشافعي وابن أبي ليلى وأبو يوسف ومحمد وأكثر أصحاب أبي حنيفة وجماعة أهل الحديث : إن فيما زاد من الذهب والفضة ربع العشر في قليله وكثيره ولا وقص ، وروي ذلك عن علي وقال وابن عمر ، أبو حنيفة وبعض السلف : لا شيء فيما زاد على مائتي درهم حتى يبلغ أربعين درهما ولا فيما زاد على عشرين دينارا حتى يبلغ أربعة دنانير ، فإذا زادت ففي كل أربعين درهما درهم ؛ وفي كل أربعة دنانير درهم فجعل لها وقصا كالماشية ، واحتج الجمهور بقوله صلى الله عليه وسلم في صحيح : البخاري ، والرقة الفضة ، وهذا عام في النصاب وما فوقه بالقياس على الحبوب . في الرقة ربع العشر في المسألة حديث ضعيف لا يصح الاحتجاج به ، قال القاضي : ثم إن ولأبي حنيفة والجمهور يقولون بضم الذهب والفضة بعضهما إلى بعض في إكمال النصاب ، ثم إن مالكا يراعي الوزن ويضم على الأجزاء لا على القيم ، ويجعل كل دينار كعشرة دراهم على الصرف الأول ، وقال مالكا الأوزاعي والثوري : يضم على القيم في وقت الزكاة ، وقال وأبو حنيفة الشافعي وأحمد وأبو ثور وداود : لا يضم مطلقا .
قوله صلى الله عليه وسلم : ( ) . الرواية المشهورة : ( خمس ذود ) بإضافة ذود إلى خمس ، وروي بتنوين خمس ويكون ذود بدلا منه ، حكاه ولا فيما دون خمس ذود صدقة والقاضي وغيرهما ، والمعروف الأول ، ونقله ابن عبد البر والقاضي عن الجمهور ، قال أهل اللغة : الذود من الثلاثة إلى العشرة لا واحد له من لفظه ، وإنما يقال في الواحد بعير ، وكذلك النفر والرهط والقوم والنساء وأشباه هذه الألفاظ لا واحد لها من لفظها ، قالوا : وقوله : ( خمس ذود ) كقوله : خمسة أبعرة ، وخمسة جمال ، وخمس نوق ، وخمس نسوة . ابن عبد البر
[ ص: 44 ] قال : تقول ثلاث ذود ؛ لأن الذود مؤنث وليس باسم كسر عليه مذكره ، ثم الجمهور على أن الذود من ثلاثة إلى العشرة ، وقال سيبويه أبو عبيد : ما بين ثلاث إلى تسع ، وهو مختص بالإناث ، وقال الحربي : قال الأصمعي : الذود : ما بين الثلاث إلى العشرة ، والصبة : خمس أو ست ، والصرمة : ما بين العشرة إلى العشرين ، والعكرة : ما بين العشرين إلى الثلاثين ، والهجمة : ما بين الستين إلى السبعين ، والهنية : مائة ، والحظر نحو مائتين ، والعرج : من خمسمائة إلى ألف .
وقال أبو عبيدة وغيره : الصرمة : ما بين العشر إلى الأربعين . وأنكر أن يقال : خمس ذود ، كما لا يقال : خمس ثوب ، وغلطه العلماء ، بل هذا اللفظ شائع في الحديث الصحيح ، ومسموع من العرب معروف في كتب اللغة ، وليس هو جمعا للفرد بخلاف الأثواب ، قال ابن قتيبة : تركوا القياس في الجمع ؛ فقالوا : خمس ذود لخمس من الإبل ، وثلاث ذود لثلاث من الإبل ، وأربع ذود وعشر ذود على غير قياس كما قالوا : ثلاثمائة وأربعمائة ، والقياس مئين ومئات ، ولا يكادون يقولونه ، وقد ضبطه الجمهور خمس ذود ، ورواه بعضهم خمسة ذود ، وكلاهما لرواة كتاب أبو حاتم السجستاني مسلم ، والأول أشهر ، وكلاهما صحيح في اللغة ، فإثبات الهاء لانطلاقه على المذكر والمؤنث ، ومن حذفها قال الداودي : أراد أن الواحدة منه فريضة .
قوله صلى الله عليه وسلم : ( ) هكذا وقع في الرواية الأولى : ( أواقي ) بالياء ، وفي باقي الروايات بعدها ( أواق ) بحذف الياء ، وكلاهما صحيح . قال أهل اللغة : الأوقية بضم الهمزة وتشديد الياء وجمعها أواقي بتشديد الياء وتخفيفها ، وأواق بحذفها ، قال وليس فيما دون خمس أواقي صدقة ابن السكيت في الإصلاح : كل ما كان من هذا النوع واحده مشددا جاز في جمعه التشديد والتخفيف ، فالأوقية والأواقي والسرية والسراري والختية والعلية والأثفية ونظائرها ، وأنكر جمهورهم أن يقال في الواحدة : ( وقية ) بحذف الهمزة ، وحكى [ ص: 45 ] اللحياني جوازها بحذف الواو وتشديد الياء وجمعها ( وقايا ) ، وأجمع أهل الحديث والفقه وأئمة أهل اللغة على أن الأوقية الشرعية أربعون درهما ، وهي أوقية الحجاز : قال القاضي عياض : ولا يصح أن تكون الأوقية والدراهم مجهولة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو يوجب الزكاة في أعداد منها ، ويقع بها البياعات والأنكحة كما ثبت في الأحاديث الصحيحة ، قال : وهذا يبين أن قول من زعم أن الدراهم لم تكن معلومة إلى زمان وأنه جمعها برأي العلماء وجعل كل عشرة وزن سبعة مثاقيل ، ووزن الدرهم ستة دوانيق قول باطل ، وإنما معنى ما نقل من ذلك أنه لم يكن منها شيء من ضرب الإسلام وعلى صفة لا تختلف ، بل كانت مجموعات من ضرب فارس والروم وصغارا وكبارا ، وقطع فضة غير مضروبة ولا منقوشة ، ويمنية ومغربية ، فرأوا صرفها إلى ضرب الإسلام ونقشه وتصييرها وزنا واحدا لا يختلف ، وأعيانا ليستغنى فيها عن الموازين ، فجمعوا أكبرها وأصغرها وضربوه على وزنهم ، قال القاضي : ولا شك أن الدراهم كانت حينئذ معلومة ، وإلا فكيف كانت تعلق بها حقوق الله تعالى في الزكاة وغيرها وحقوق العباد ؟ ولهذا كانت الأوقية معلومة ، هذا كلام القاضي . وقال أصحابنا : أجمع أهل العصر الأول على التقدير بهذا الوزن المعروف ، وهو أن الدرهم ستة دوانيق وكل عشرة دراهم سبعة مثاقيل ، ولم يتغير المثقال في الجاهلية ولا الإسلام . عبد الملك بن مروان ،
هي فالمال ينمى بها من حيث لا يرى ، وهي مطهرة لمؤديها من الذنوب ، وقيل : ينمى أجرها عند الله تعالى . وسميت في الشرع زكاة لوجود المعنى اللغوي فيها ، وقيل : لأنها تزكي صاحبها وتشهد بصحة إيمانه ، كما سبق في قوله صلى الله عليه وسلم : " في اللغة : النماء والتطهير ، " . قالوا : وسميت صدقة ؛ لأنها دليل لتصديق صاحبها وصحة إيمانه بظاهره وباطنه ، قال والصدقة برهان القاضي عياض : قال المازري - رحمه الله - : قد أفهم الشرع أن الزكاة وجبت للمواساة ، وأن المواساة لا تكون إلا في مال له بال وهو النصاب ، ثم جعلها في الأموال الثابتة ؛ وهي العين والزرع والماشية ، وأجمعوا على وجوب في هذه الأنواع ، واختلفوا فيما سواها كالعروض ، فالجمهور يوجبون الزكاة زكاة العروض ، وداود يمنعها تعلقا بقوله صلى الله عليه وسلم : " " وحمله الجمهور على ما كان للقنية ، وحدد الشرع نصاب كل جنس بما يحتمل المواساة ؛ ليس على الرجل في عبده ولا فرسه صدقة وهي مائتا درهم ، بنص الحديث والإجماع . وأما الذهب : فعشرون مثقالا . والمعول فيه على الإجماع قال : وقد حكي فيه خلاف شاذ ، وورد فيه أيضا حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم . فنصاب الفضة : خمس أواق ،
وأما الزروع والثمار والماشية فنصبها معلومة ، ورتب الشرع مقدار الواجب بحسب المؤنة والتعب في المال ، فأعلاها وأقلها تعبا وفيه الخمس لعدم التعب فيه ، ويليه الركاز فإن سقي بماء السماء ونحوه ففيه العشر ، وإلا فنصفه ، ويليه الزرع والثمر ، وفيها ربع العشر ، لأنه يحتاج إلى العمل فيه جميع السنة ، ويليه الماشية فإنه يدخلها الأوقاص بخلاف الأنواع السابقة . والله أعلم . الذهب والفضة والتجارة
قوله صلى الله عليه وسلم : ( ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ) الأوسق جمع وسق ، فيه لغتان : فتح الواو وهو [ ص: 43 ] المشهور ، وكسرها . وأصله في اللغة الحمل ، ستون صاعا كل صاع خمسة أرطال وثلث بالبغدادي . وفي رطل والمراد بالوسق بغداد أقوال أظهرها : أنه مائة درهم وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم ، وقيل : مائة وثمانية وعشرون بلا أسباع ، وقيل : مائة وثلاثون ، فالأوسق الخمسة ألف وستمائة رطل بالبغدادي .
وهل هذا التقدير بالأرطال تقريب أم تحديد ؟ فيه وجهان لأصحابنا : أصحهما : تقريب ، فإذا نقص عن ذلك يسير أوجبت الزكاة ، والثاني : تحديد ، فمتى نقص شيئا وإن قل لم تجب الزكاة .
وفي هذا الحديث فائدتان : إحداهما : وجوب الزكاة في هذه المحدودات ، الثانية : أنه لا زكاة فيما دون ذلك ، ولا خلاف بين المسلمين في هاتين إلا ما قال أبو حنيفة وبعض السلف : إنه تجب وهذا مذهب باطل منابذ لصريح الأحاديث الصحيحة ، وكذلك أجمعوا على أن في عشرين مثقالا من الذهب زكاة إلا ما روي عن الزكاة في قليل الحب وكثيره ، الحسن البصري أنهما قالا : لا تجب في أقل من أربعين مثقالا ، والأشهر عنهما الوجوب في عشرين كما قاله الجمهور . قال والزهري القاضي عياض : وعن بعض السلف وجوب إذا بلغت قيمته مائتي درهم وإن كان دون عشرين مثقالا ، قال هذا القائل : ولا زكاة في العشرين حتى تكون قيمتها مائتي درهم . الزكاة في الذهب
وكذلك أجمعوا فيما زاد في أنه يجب فيما زاد على خمسة أوسق بحسابه ، وأنه لا أوقاص فيها ، واختلفوا في الحب والتمر فقال الذهب والفضة مالك والليث والثوري والشافعي وابن أبي ليلى وأبو يوسف ومحمد وأكثر أصحاب أبي حنيفة وجماعة أهل الحديث : إن فيما زاد من الذهب والفضة ربع العشر في قليله وكثيره ولا وقص ، وروي ذلك عن علي وقال وابن عمر ، أبو حنيفة وبعض السلف : لا شيء فيما زاد على مائتي درهم حتى يبلغ أربعين درهما ولا فيما زاد على عشرين دينارا حتى يبلغ أربعة دنانير ، فإذا زادت ففي كل أربعين درهما درهم ؛ وفي كل أربعة دنانير درهم فجعل لها وقصا كالماشية ، واحتج الجمهور بقوله صلى الله عليه وسلم في صحيح : البخاري ، والرقة الفضة ، وهذا عام في النصاب وما فوقه بالقياس على الحبوب . في الرقة ربع العشر في المسألة حديث ضعيف لا يصح الاحتجاج به ، قال القاضي : ثم إن ولأبي حنيفة والجمهور يقولون بضم الذهب والفضة بعضهما إلى بعض في إكمال النصاب ، ثم إن مالكا يراعي الوزن ويضم على الأجزاء لا على القيم ، ويجعل كل دينار كعشرة دراهم على الصرف الأول ، وقال مالكا الأوزاعي والثوري : يضم على القيم في وقت الزكاة ، وقال وأبو حنيفة الشافعي وأحمد وأبو ثور وداود : لا يضم مطلقا .
قوله صلى الله عليه وسلم : ( ) . الرواية المشهورة : ( خمس ذود ) بإضافة ذود إلى خمس ، وروي بتنوين خمس ويكون ذود بدلا منه ، حكاه ولا فيما دون خمس ذود صدقة والقاضي وغيرهما ، والمعروف الأول ، ونقله ابن عبد البر والقاضي عن الجمهور ، قال أهل اللغة : الذود من الثلاثة إلى العشرة لا واحد له من لفظه ، وإنما يقال في الواحد بعير ، وكذلك النفر والرهط والقوم والنساء وأشباه هذه الألفاظ لا واحد لها من لفظها ، قالوا : وقوله : ( خمس ذود ) كقوله : خمسة أبعرة ، وخمسة جمال ، وخمس نوق ، وخمس نسوة . ابن عبد البر
[ ص: 44 ] قال : تقول ثلاث ذود ؛ لأن الذود مؤنث وليس باسم كسر عليه مذكره ، ثم الجمهور على أن الذود من ثلاثة إلى العشرة ، وقال سيبويه أبو عبيد : ما بين ثلاث إلى تسع ، وهو مختص بالإناث ، وقال الحربي : قال الأصمعي : الذود : ما بين الثلاث إلى العشرة ، والصبة : خمس أو ست ، والصرمة : ما بين العشرة إلى العشرين ، والعكرة : ما بين العشرين إلى الثلاثين ، والهجمة : ما بين الستين إلى السبعين ، والهنية : مائة ، والحظر نحو مائتين ، والعرج : من خمسمائة إلى ألف .
وقال أبو عبيدة وغيره : الصرمة : ما بين العشر إلى الأربعين . وأنكر أن يقال : خمس ذود ، كما لا يقال : خمس ثوب ، وغلطه العلماء ، بل هذا اللفظ شائع في الحديث الصحيح ، ومسموع من العرب معروف في كتب اللغة ، وليس هو جمعا للفرد بخلاف الأثواب ، قال ابن قتيبة : تركوا القياس في الجمع ؛ فقالوا : خمس ذود لخمس من الإبل ، وثلاث ذود لثلاث من الإبل ، وأربع ذود وعشر ذود على غير قياس كما قالوا : ثلاثمائة وأربعمائة ، والقياس مئين ومئات ، ولا يكادون يقولونه ، وقد ضبطه الجمهور خمس ذود ، ورواه بعضهم خمسة ذود ، وكلاهما لرواة كتاب أبو حاتم السجستاني مسلم ، والأول أشهر ، وكلاهما صحيح في اللغة ، فإثبات الهاء لانطلاقه على المذكر والمؤنث ، ومن حذفها قال الداودي : أراد أن الواحدة منه فريضة .
قوله صلى الله عليه وسلم : ( ) هكذا وقع في الرواية الأولى : ( أواقي ) بالياء ، وفي باقي الروايات بعدها ( أواق ) بحذف الياء ، وكلاهما صحيح . قال أهل اللغة : الأوقية بضم الهمزة وتشديد الياء وجمعها أواقي بتشديد الياء وتخفيفها ، وأواق بحذفها ، قال وليس فيما دون خمس أواقي صدقة ابن السكيت في الإصلاح : كل ما كان من هذا النوع واحده مشددا جاز في جمعه التشديد والتخفيف ، فالأوقية والأواقي والسرية والسراري والختية والعلية والأثفية ونظائرها ، وأنكر جمهورهم أن يقال في الواحدة : ( وقية ) بحذف الهمزة ، وحكى [ ص: 45 ] اللحياني جوازها بحذف الواو وتشديد الياء وجمعها ( وقايا ) ، وأجمع أهل الحديث والفقه وأئمة أهل اللغة على أن الأوقية الشرعية أربعون درهما ، وهي أوقية الحجاز : قال القاضي عياض : ولا يصح أن تكون الأوقية والدراهم مجهولة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو يوجب الزكاة في أعداد منها ، ويقع بها البياعات والأنكحة كما ثبت في الأحاديث الصحيحة ، قال : وهذا يبين أن قول من زعم أن الدراهم لم تكن معلومة إلى زمان وأنه جمعها برأي العلماء وجعل كل عشرة وزن سبعة مثاقيل ، ووزن الدرهم ستة دوانيق قول باطل ، وإنما معنى ما نقل من ذلك أنه لم يكن منها شيء من ضرب الإسلام وعلى صفة لا تختلف ، بل كانت مجموعات من ضرب فارس والروم وصغارا وكبارا ، وقطع فضة غير مضروبة ولا منقوشة ، ويمنية ومغربية ، فرأوا صرفها إلى ضرب الإسلام ونقشه وتصييرها وزنا واحدا لا يختلف ، وأعيانا ليستغنى فيها عن الموازين ، فجمعوا أكبرها وأصغرها وضربوه على وزنهم ، قال القاضي : ولا شك أن الدراهم كانت حينئذ معلومة ، وإلا فكيف كانت تعلق بها حقوق الله تعالى في الزكاة وغيرها وحقوق العباد ؟ ولهذا كانت الأوقية معلومة ، هذا كلام القاضي . وقال أصحابنا : أجمع أهل العصر الأول على التقدير بهذا الوزن المعروف ، وهو أن الدرهم ستة دوانيق وكل عشرة دراهم سبعة مثاقيل ، ولم يتغير المثقال في الجاهلية ولا الإسلام . عبد الملك بن مروان ،