الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          أو يلقى إليه كنـز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا ؛ تدرجوا في الادعاء من أعلى إلى أدنى؛ فاشترطوا لاتباعه أن يكون منضما إليه ملك ليكون معه نذيرا؛ فيكون الملك شاهدا بصدق الرسالة؛ ومن قبل طلبوا أن يكون معه قرطاس؛ أو أن يكون الرسول ملكا؛ وقد رد الله (تعالى) كلامهم؛ وأنهم لا يؤمنون؛ ويقولون: هذا سحر مبين؛ ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون

                                                          وقد نزلوا عن اشتراط أن يكون معه ملك؛ إلى أمر آخر يمنع أن يمشي في الأسواق بأن يغنيه عن ذلك شأن الكبراء؛ بأن يلقى إليه؛ أي: يعطى كنزا يغنيه؛ وعبر عن إعطاء الكنز بكلمة يلقى إليه ؛ للإشارة إلى أن هذا العطاء لا يكلف من أرسله شيئا; لأنه إلقاء من خزائن الله (تعالى)؛ وقد كانوا يعرفون الله؛ ولا يعبدونه؛ فيعرفون أن معه خزائن السماوات والأرض؛ ويكون بهذا الكنز كملوك أهل الأرض؛ فلا ينزل إلى الأسواق كما ينزل دهماء الناس والفقراء.

                                                          وتنزلوا من مرتبة الملوك إلى مرتبة أتباعها وحواشيهم؛ الذين يمنحهم الملك الحدائق والمزارع؛ فقالوا: أو تكون له جنة يأكل منها ؛ أي: بستان يغنيه بثماره وغلاته؛ فيأكل منها؛ بدل أن ينزل الأسواق.

                                                          وإن هذا بلا ريب نظرات ناس ماديين؛ لا يؤمنون بالروح؛ ولا بالمعاني الإنسانية العالية؛ إنما يؤمنون بالمادة وحدها؛ والعلو عندهم بالسيطرة الممكنة من لذائذ هذه الحياة؛ إما بملك قاهر؛ أو بمتع يلقيها إليهم ملوك قاهرون.

                                                          ولكنهم يرون في محمد - صلى الله عليه وسلم - ما ليس عند الملوك وحواشيهم؛ يرون القرآن [ ص: 5253 ] الذي عجزوا عن أن يأتوا بمثله؛ ورأوا أتباع محمد ينمون ولا ينقصون؛ ورأوا ميل بعض كفارهم إلى سماع القرآن وما يدعو إليه محمد - صلى الله عليه وسلم -.

                                                          رأوا ذلك؛ ولم يستطيعوا دفعه؛ ولكن بدل أن يذعنوا للحق إذ تبين لهم؛ ادعوا أن ما يجيء به هو السحر؛ فظلموا ظلما كبيرا.

                                                          وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا ؛ هنا إظهار في موضع إضمار؛ وذلك لوصفهم بالظلم - أولا -؛ ولبيان ظلمهم وعدم إرادتهم الحق؛ هو الذي دفعهم إلى رمي النبي - صلى الله عليه وسلم - بالسحر؛ وهو يتكلم عن الله (تعالى): إن تتبعون ؛ " إن " ؛ هنا؛ نافية؛ أي: لا تتبعون إلا رجلا مسحورا؛ أي: ينطق على لسانه الحق؛ وهذا يومئ إلى أنهم رأوا عجائب؛ فبدل أن يقولوا: إنها من عند الله؛ قالوا: إنه مسحور ينطق على لسانه الجن والشياطين.

                                                          وفي الآية الكريمة إشارة إلى أنه كان من أهل مكة من يريدون اتباع محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ وقد اتبعه من اتبعه.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية