الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير .

                                                                                                                                                                                                                                      الخشية : شدة الخوف ، كما قال تعالى : الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون [ 21 \ 49 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وبين تعالى محل تلك الخشية في قوله : إنما يخشى الله من عباده العلماء [ 35 \ 28 ] ; لأنهم يعرفون حق الله تعالى ويراقبونه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد بين تعالى حقيقة خشية الله : وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله [ 2 \ 74 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله [ 59 \ 21 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      فالذين يخشون ربهم بالغيب هم الذين يعرفون حق الله عليهم ومراقبته إياهم في السر والعلن ، ويعلمون أنه مطلع عليهم مهما تخسفوا وتستروا وهم دائما منيبون إلى الله ، كما في قوله : هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب [ 50 \ 32 - 33 ] ، وهذه أعلى درجات السلوك مع الله تعالى ، كما بين أنها منزلة العلماء .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد عاب تعالى أولئك الذين يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله ، ويخشون [ ص: 236 ] الناس ، ولا يخشون الله : فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين [ 9 \ 13 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وإفراد الله بالخشية منزلة الأنبياء ، كما في قوله : الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا [ 33 \ 39 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه : والعرب تمدح من يكون في خلوته كمشهده مع الناس .

                                                                                                                                                                                                                                      ومنه قول مسلم بن الوليد :

                                                                                                                                                                                                                                      يتجنب الهفوات في خلواته عف السريرة غيبه كالمشهد

                                                                                                                                                                                                                                      والواقع أن هذه الصفة ، وهي خشية الله بالغيب والإيمان بالغيب أساس عمل المسلم كله ، ومعاملاته ; لأنه بإيمانه بالغيب سيعمل كل خير طمعا في ثواب الله ، كما في مستهل المصحف : الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب الآية [ 2 \ 1 - 3 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وبمخافة الله بالغيب سيتجنب كل سوء ، فيسلم ويتحصل له ما قال الله تعالى عنهم : مغفرة وأجر عظيم [ 5 \ 9 ] ، ( مغفرة ) من ذنوبه : وأجر عظيم على أعماله . رزقنا الله خشيته في السر والعلن .

                                                                                                                                                                                                                                      وليعلم أن المراد بالغيب مما هو من جانب العبد لا سيده ، كما في الحديث في الإحسان : " أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " ، وهذا الإحساس هو أقوى عامل على اكتساب خشية الله سبحانه .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية