الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل وفي الضلع بعير ، وفي الترقوتين بعيران ، وفي كل واحد من : الذراع ، والزند ، والعضد ، والفخذ ، والساق بعيران . وما عدا ما ذكرنا من الجروح وكسر العظام ، مثل خرزة الصلب والعصعص ، ففيه حكومة ، والحكومة أن يقوم المجني عليه كأنه عبد لا جناية به ، ثم يقوم وهي به قد برئت ، فما نقص فله مثله من الدية ، فإن كان قيمته وهو صحيح عشرين ، وقيمته وبه الجناية تسعة عشر ، ففيه نصف عشر ديته ، إلا أن تكون الحكومة في شيء فيه مقدر ، فلا يبلغ بها أرش المقدر . وإذا كانت في الشجاج التي دون الموضحة ، لم يبلغ بها أرش الموضحة ، وإن كانت في أصبع لم يبلغ بها دية الأصبع ، وإن كانت في أنملة لم يبلغ بها ديتها ، وإن كانت مما لا تنقص شيئا بعد الاندمال قومت حال جريان الدم ، فإن لم تنقص شيئا بحال أو زادته حسنا ، فلا شيء فيها ، والله أعلم .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          ( وفي الضلع ) قال في المحرر والوجيز والنظم والحاوي والفروع وغيرهم : إن جبر مستقيما ( بعير ) وإلا فحكومة ( وفي الترقوتين ) [ ص: 12 ] واحدهما ترقوة ، وهو العظم المستدير حول العنق من النحر إلى الكتف ( بعيران ) وفي كل واحدة منهما بعير ، نص عليه في رواية أبي طالب ، لما روى سعيد ، عن سفيان ، عن زيد بن أسلم ، عن سالم بن جندب ، عن أسلم مولى عمر ، قال عمر : في الضلع جمل والترقوة جمل . وظاهر الخرقي ، وجزم به في الإرشاد : أن في الواحدة بعيرين ، فيكون فيهما أربعة أبعرة ، وروي عن زيد ، لكن قال القاضي : المراد بقول الخرقي الترقوتان معا ، وإنما اكتفى بلفظ الواحد لإدخال الألف واللام المقتضية للاستغراق ، فيكون في كل ترقوة بعير ( وفي كل واحد من : الذراع ، والزند ، والعضد ، والفخذ ، والساق بعيران ) في رواية نقلها أبو طالب ، لما روى سعيد ، ثنا هشيم ، أنا يحيى بن سعيد ، عن عمرو بن شعيب : أن عمرو بن العاص كتب إلى عمر في أحد الزندين إذا كسر ، فكتب إليه عمر : أن فيه بعيرين ، وإذا كسر الزندان ففيهما أربعة أبعرة ، ولم يظهر له مخالف في الصحابة ، فكان كالإجماع . والثانية ، وقدمها في المحرر وجزم بها في الوجيز ، أن الواجب بعير ، نص عليها في رواية صالح ، ورواه عن عمر وعن أحمد ، في الزند الواحد أربعة أبعرة ، لأنهما عظمان ، وفيما سواه بعيران ، وزاد أبو الخطاب فجعل في عظم القدم بعيرين ، قال في المستوعب : والزند هو الذراع ، ويسمى الساعد أيضا ، قال في الرعاية : وهو بعيد ، قال المؤلف : والصحيح أنه لا تقدير في غير الضلع والترقوتين والزندين ، ومقتضى الدليل وجوب الحكومة في هذه الأعضاء الباطنة كلها ، وإنما خالفناه في هذه العظام لقضاء عمر ، ففيما عداها يبقى على مقتضى الدليل ، وذكر ابن عقيل فيها : [ ص: 13 ] وفي ضلع حكومة ، ونقل حنبل فيمن كسرت يده أو رجله : فيها حكومة وإن انجبرت ( وما عدا ما ذكرنا من الجروح وكسر العظام مثل خرزة الصلب والعصعص ) والعانة ( ففيه حكومة ) لأن الجناية على ذلك لا توقيت فيها ، أشبه الجراح التي لا توقيت فيها ، ولا نعلم فيه خلافا وإن خالف فيه أحد فهو قول شاذ لا يصار إليه .

                                                                                                                          فائدة : خرزة الصلب فقاره ، إن أريد بها كسر الصلب ففيه الدية ، وقال القاضي : فيه حكومة . والعصعص بضم العين عجب الذنب ، وهو العظم الذي في أسفل الصلب ( والحكومة أن يقوم المجني عليه كأنه عبد لا جناية به ، ثم يقوم وهي به قد برئت ، فما نقص ) من القيمة ( فله مثله من الدية ) هذا هو قول الجمهور ، لأن جملته مضمونة بالدية ، فأجزاؤه مضمونة منها ، كما أن المبيع لما كان مضمونا على البائع بالثمن ، كان أرش عيبه مقدرا من الثمن ، ولا يقبل الحكومة إلا من عدلين خبيرين بالقيمة ، ولا تقويم إلا بعد البرء ، لأن أرش الجرح المقدر لا يستقر إلا بعد برئه ( فإن كان قيمته وهو صحيح عشرين ، وقيمته وبه الجناية تسعة عشر ، ففيه نصف عشر ديته ) لأن الناقص بالتقويم درهم من عشرين ، وهو نصف عشرها ، فيكون فيه هنا نصف عشر الدية ضرورة أن الواجب مثل ذلك من الدية ( إلا أن تكون الحكومة في شيء فيه مقدر ، فلا يبلغ بها أرش المقدر ) هذا استثناء مما تقدم ، وحاصله : أن الحكومة إنما تجب فيه على نوعين : أحدهما : أن يكون في شيء مقدر ، وحكمه سبق ، الثاني : أن [ ص: 14 ] يكون في شيء هو بعض المقدر ، فهذا لا بد أن يلحظ فيه عدم مجاوزة أرش المؤقت ، مثل أن يشجه سمحاقا ، وهو دون الموضحة ، فإن بلغ بالتقويم أرشها أكثر من موضحة مثل أن تنقص الجناية أكثر من نصف عشر قيمته ، لم يجب الزائد ، لأنه لو وجب ذلك لكان قد وجب في شيء لا يبلغ موضحة أكثر من أرش الموضحة ، وهو غير جائز ، لأن الموضحة أكثر من ذلك ، والشين بها أعظم ، والمحل واحد ( وإذا كانت في الشجاج التي دون الموضحة ، لم يبلغ بها أرش الموضحة ) وهل يبلغ بها أرش المؤقت ؛ على روايتين : ظاهر المذهب أنه لا يبلغ به أرش المؤقت ، قاله ابن هبيرة ، والنقص على حسب اجتهاد الحاكم ، ولا يزاد بحكومة في مقدر على ديته ، وفي جواز مساواته وجهان ، وعلى المنع ينقص الحاكم ما شاء ، لا يقال : قد وجب في بعض البدن أكثر مما وجب في جميعه ، ووجب في منافع الإنسان أكثر من الواجب فيه لأنه إنما وجب دية النفس دية عن الروح ، وليست الأطراف بعضها بخلاف مسألتنا ، ذكره القاضي ( وإن كانت في أصبع لم يبلغ بها دية الأصبع ) لأنه إذا جرح أصبعا فبلغ أرشه أكثر من عشر الدية لا يجب أكثر من عشرها ( وإن كانت في أنملة لم يبلغ بها ديتها ) أي : إذا كانت الجراح في أنملة فبلغ أرشه أكثر من ثلاثة وثلث من الأول ، لا يجب أكثر من ثلاثة وثلث ، لأنه دية الأنملة ( وإن كانت مما لا تنقص شيئا بعد الاندمال ، قومت حال جريان الدم ) لأنه لا بد من نقص لأجل الجناية ، فإذا كان التقويم بعد الاندمال يبقى ذلك ، وجب أن يقوم في حال اندمال جريان الدم [ ص: 15 ] ليحصل النقص ( فإن لم تنقص شيئا بحال أو زادته حسنا ، فلا شيء فيها ، والله أعلم ) إذا لم يحصل بالجناية نقص في جمال ولا نفع ، كقطع أصبع زائدة ، أو قلع سن زائدة ، ولحية امرأة ، فاندمل الموضع من غير نقص ، أو زاد جمالا أو قيمة فوجهان ، أصحهما : لا يجب فيه شيء ، لأنه لم يحصل بفعله نقص ، فلم يجب شيء ، كما لو لكمه فلم يؤثر ، والثاني : يجب ضمانه ، لأنه جزء من مضمون ، فوجب ضمانه كغيره ، وقال أبو الخطاب : إذا قطع لحية امرأة ، فإنها تقوم كأنها رجل له لحية ، ثم يقوم رجل قد ذهبت ، فما نقص وجب بقسطه ، وفيه نظر ، لأن لحية الرجل زين له وعيب في المرأة ، وتقدير العيب بالزين لا يصح .

                                                                                                                          فرع : إذا جنى عليه جناية لها أرش ثم قتله قبل اندمال الجرح دخل أرشه في دية النفس ، كما لو مات من سراية الجرح ، وإن قتله غيره وجب أرش الجرح كما لو اندمل ، وإن لطمه على وجهه فلم يؤثر فيه فلا ضمان ، كما لو شتمه .




                                                                                                                          الخدمات العلمية