الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          باب العاقلة وما تحمله .

                                                                                                                          عاقلة الإنسان عصباته كلهم قريبهم وبعيدهم من النسب والولاء ، إلا عمودي نسبه ، آباؤه وأبناؤه . وعنه : أنهم من العاقلة أيضا ، وليس على فقير ، ولا صبي ، ولا زائل العقل ، ولا امرأة ، ولا خنثى مشكل ، ولا رقيق ، ولا مخالف لدين الجاني - حمل شيء ، وعنه : أن الفقير يحمل من العقل ، ويحمل الغائب كما يحمل الحاضر .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          باب العاقلة وما تحمله

                                                                                                                          العاقلة جمع عاقل ، وهو المؤدي للدية ، يقال : عقلت فلانا إذا أعطيته ديته ، وعقلت عن فلان إذا عزمت عنه ديته ، وأصله من عقل الإبل بالعقل ، وهي : الحبال التي تثنى بها أيديها إلى ركبها ، وقيل : اشتقاقه من العقل ، وهو المنع ، لأنهم يمنعون عن القاتل ، والعقل المنع ، ويسمى بعض العلوم عقلا ، لأنه يمنع من الإقدام على المضار ، وقيل : لأنهم يتحملون العقل ، وهو الدية ، [ ص: 16 ] سميت بذلك ، لأنها تعقل لسان ولي المقتول ، وهي : من غرم ثلث الدية فأكثر بسبب جناية غيره ، وما تحمله ، أي : ما تحمله العاقلة ، هل يجب عليها ابتداء ؛ أو على القاتل ثم تحملها عنه ؛ فيه قولان ، كما قيل في فطرة الزوجة والولد ونحوهما مما يخرج عنه غيره ، هل يجب عليه ابتداء ، أو على المخرج ؛

                                                                                                                          ومن لا عاقلة له هل تجب في ذمته الدية أو لا ؛ على قولين .

                                                                                                                          ( عاقلة الإنسان عصابته كلهم قريبهم وبعيدهم من النسب والولاء ) وهم : الأحرار ، العاقلون ، البلغ ، الأغنياء على المشهور ، لما روى عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، قال : قضى النبي صلى الله عليه وسلم أن عقل المرأة على عصبتها من كانوا لا يرثون منها شيئا إلا ما فضل عن ورثتها ، وإن قتلت فعقلها بين ورثتها . رواه أبو داود . ولأنهم عصبة أشبهوا سائر العصبات ، يحققه أن العقل موضوع على التناصر ، وهم من أهله ، ولأن العصبة في تحمل العقل كـ ( هم ) في الميراث في تقديم الأقرب فالأقرب ، وكون البعيد عصبة لأنه يرث المال إذا لم يكن وارث أقرب منه ، فهو كالقريب ، وكون عصبات الإنسان في الولاء من العاقلة لعموم قوله عليه السلام : الولاء لحمة كلحمة النسب ) ( إلا عمودي نسبه ، آباؤه وأبناؤه ) اختاره الخرقي وجزم به في الوجيز ، قال ابن المنجا : وهو المذهب ، لما روى جابر : أن امرأتين من هذيل قتلت إحداهما الأخرى ، ولكل واحدة منهما زوج وولد ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم دية المقتولة على عاقلة القاتلة ، وبرأ زوجها وولدها ، فقال : عاقلة المقتولة ميراثها لنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا ، ميراثها لزوجها وولدها . رواه أبو داود . وهذا يقتضي أن الأولاد ليسوا من العاقلة وكذا الآباء قياسا لإحدى [ ص: 17 ] العمودين على الآخر ، ولأن مال ولده ووالده كماله ، وخرج منه الإخوة بدليل ، لأن الخرقي خص العاقلة بالعمومة وأولادهم ( وعنه : أنهم من العاقلة أيضا ) قدمه في الكافي والرعاية ، واختاره أبو بكر والشريف ، بل والأكثر ، لأنهم أحق من العصبات بميراثه فكانوا أولى بتحمل عقله ، وعنه : هم عصبته إلا أبناءه إذا كان امرأة ، قال في المحرر : وهو الأصح ، نقل حرب : الابن لا يعقل عن أمه ، لأنه من قوم آخرين ، وفي المستوعب : إلا أن يكون الابن من عصبة أمه فيكون من عاقلتها ، وكذا في البلغة ، وعلم منه أن العصبات من الإخوة من الأم وذوي الأرحام والنساء ، ليسوا من العاقلة بغير خلاف ، لأنهم ليسوا من أهل النصرة ، وعمدة العقل النصرة ، وليسوا منها كأهل المحلة والديوان ( وليس على فقير ) على المذهب ، لأن حمل العاقلة مواساة ، فلا يلزم الفقير كالزكاة ، ولأنه وجب على العاقلة تخفيفا عن القاتل ، فلا يجوز التثقيل عليه ، لأنه كلفة ومشقة ( ولا صبي ولا زائل العقل ) حمل شيء منها ، لأن الحمل للتناصر ، وهما ليسا من أهلها ، وقيل : يحمل المميز ، لأنه قارب البلوغ ( ولا امرأة ) لما ذكرنا ( ولا خنثى مشكل ) لاحتمال كونه امرأة ، فيحمل جناية عتيقهما من تحمل جنايتهما ، وعنه : تعقل امرأة وخنثى بولاء ( ولا رقيق ) لأنه أسوأ حالا من الفقير ( ولا مخالف لدين الجاني - حمل شيء ) لأن حملها للنصرة ، ولا نصرة لمخالف له في دينه ( وعنه أن الفقير المعتمل ) أي : المحترف ( يحمل من العقل ) حكاها أبو الخطاب ، وهي قول أكثر العلماء ، لأنه من أهل النصرة فكان من العاقلة كالغني ، وظاهره أن المريض والشيخ يحملان وصرح به في [ ص: 18 ] الرعاية ، وفي : هرم ، وزمن ، وأعمى وجهان ، فلو عرف نسب قاتل من قتيله ، ولم يعلم من أي بطونها لم يعقلوا عنه ، ذكره في المذهب ( ويحمل الغائب كما يحمل الحاضر ) للخبر ، ولأنهم استووا في التعصيب والإرث ، فاستووا في تحمل العقل كالحاضرين .




                                                                                                                          الخدمات العلمية