الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب السلفة في الطعام

                                                                                                          حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه قال لا بأس بأن يسلف الرجل الرجل في الطعام الموصوف بسعر معلوم إلى أجل مسمى ما لم يكن في زرع لم يبد صلاحه أو تمر لم يبد صلاحه قال مالك الأمر عندنا فيمن سلف في طعام بسعر معلوم إلى أجل مسمى فحل الأجل فلم يجد المبتاع عند البائع وفاء مما ابتاع منه فأقاله فإنه لا ينبغي له أن يأخذ منه إلا ورقه أو ذهبه أو الثمن الذي دفع إليه بعينه وإنه لا يشتري منه بذلك الثمن شيئا حتى يقبضه منه وذلك أنه إذا أخذ غير الثمن الذي دفع إليه أو صرفه في سلعة غير الطعام الذي ابتاع منه فهو بيع الطعام قبل أن يستوفى قال مالك وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام قبل أن يستوفى قال مالك فإن ندم المشتري فقال للبائع أقلني وأنظرك بالثمن الذي دفعت إليك فإن ذلك لا يصلح وأهل العلم ينهون عنه وذلك أنه لما حل الطعام للمشتري على البائع أخر عنه حقه على أن يقيله فكان ذلك بيع الطعام إلى أجل قبل أن يستوفى قال مالك وتفسير ذلك أن المشتري حين حل الأجل وكره الطعام أخذ به دينارا إلى أجل وليس ذلك بالإقالة وإنما الإقالة ما لم يزدد فيه البائع ولا المشتري فإذا وقعت فيه الزيادة بنسيئة إلى أجل أو بشيء يزداده أحدهما على صاحبه أو بشيء ينتفع به أحدهما فإن ذلك ليس بالإقالة وإنما تصير الإقالة إذا فعلا ذلك بيعا وإنما أرخص في الإقالة والشرك والتولية ما لم يدخل شيئا من ذلك زيادة أو نقصان أو نظرة فإن دخل ذلك زيادة أو نقصان أو نظرة صار بيعا يحله ما يحل البيع ويحرمه ما يحرم البيع قال مالك من سلف في حنطة شامية فلا بأس أن يأخذ محمولة بعد محل الأجل قال مالك وكذلك من سلف في صنف من الأصناف فلا بأس أن يأخذ خيرا مما سلف فيه أو أدنى بعد محل الأجل وتفسير ذلك أن يسلف الرجل في حنطة محمولة فلا بأس أن يأخذ شعيرا أو شامية وإن سلف في تمر عجوة فلا بأس أن يأخذ صيحانيا أو جمعا وإن سلف في زبيب أحمر فلا بأس أن يأخذ أسود إذا كان ذلك كله بعد محل الأجل إذا كانت مكيلة ذلك سواء بمثل كيل ما سلف فيه

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          21 - باب السلفة في الطعام

                                                                                                          1344 1331 - ( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه قال : لا بأس بأن يسلف الرجل الرجل ) فاعل ومفعول ( في الطعام الموصوف بسعر معلوم إلى أجل مسمى ما لم يكن في زرع لم يبد ) أي يظهر ( صلاحه أو تمر لم يبد صلاحه ) أي يظهر وأصله قوله صلى الله عليه وسلم : " من أسلف في شيء ففي كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم " رواه الشيخان وغيرهما .

                                                                                                          [ ص: 438 ] ( قال مالك : الأمر عندنا فيمن سلف في طعام بسعر معلوم إلى أجل مسمى فحل الأجل فلم يجد المبتاع عند البائع وفاء ) بالمد ( مما ابتاع منه فأقاله فإنه لا ينبغي ) لا يجوز ( له أن يأخذ منه إلا ورقه ) فضته أو ذهبه أو الثمن الذي دفع إليه بعينه وإنه لا يشتري منه بذلك الثمن شيئا حتى يقبضه منه ، وذلك أنه إذا أخذ غير الثمن الذي دفع إليه أو صرفه في سلعة غير الطعام الذي ابتاع منه فهو بيع الطعام قبل أن يستوفى يقبض ( وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام قبل أن يستوفى ) فيدخل فيه ذلك ( فإن ندم المشتري فقال للبائع أقلني وأنظرك ) بضم الهمزة وسكون النون وكسر المعجمة أؤخرك ( بالثمن الذي دفعت إليك فإن ذلك لا يصلح وأهل العلم ينهون عنه ، وذلك أنه لما حل الطعام للمشتري على البائع أخر عنه حقه على أن يقيله فكأن ذلك بيع الطعام قبل أن يستوفى ) وهو منهي عنه ( وتفسير ذلك أن المشتري حين حل الأجل وكره الطعام أخذ به دينارا إلى أجل وليس ذلك بالإقالة وإنما الإقالة ما لم يزدد فيه البائع ولا المشتري ، فإذا وقعت فيه الزيادة بنسيئة ) تأخير ( إلى أجل أو بشيء يزداده أحدهما على صاحبه أو بشيء ينتفع به أحدهما فإن ذلك ليس بالإقالة ، [ ص: 439 ] وإنما تصير الإقالة إذا فعلا ذلك بيعا ، وإنما أرخص في الإقالة والشركة والتولية ) في قوله صلى الله عليه وسلم : " من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه إلا أن يشرك فيه أو يوليه أو يقيله " رواه أبو داود وغيره ( ما لم يدخل شيئا من ذلك زيادة أو نقصان أو نظرة ) أي تأخير ( فإن دخل ذلك زيادة أو نقصان أو نظرة صار بيعا يحله ما يحل البيع ويحرمه ما يحرم البيع ) فيشترط له شروطه وانتفاء موانعه ، والإقالة في الطعام بشرطه جائزة باتفاق مالك وأبي حنيفة والشافعي ، واختلف في سبب الجواز فأكثر أهل المذهب أنها بيع لا حله فيحتاجون إلى مخصص يخرجها من بيع الطعام قبل قبضه ، والمخصص استثناؤها في الحديث الذي ذكرته وإليه أشار الإمام كما ترى ، وقال جماعة : إنها حل بيع فلا حاجة للاعتذار وليس الجواز عندها ولا رخصة ، ومشهور قول مالك جواز التولية والشركة ومنعهما الشافعي وأبو حنيفة ولمالك قول بمنع الشركة ، واتفق المذهب على جواز التولية لأنها معروف كالإقالة وللحديث .

                                                                                                          ( قال مالك : من سلف في حنطة شامية فلا بأس أن يأخذ محمولة بعد محل ) بفتح فكسر أي حلول ( الأجل ) لا قبله ( وكذلك من سلف في صنف من الأصناف فلا بأس أن يأخذ خيرا مما سلف ) لأنه حسن قضاء ( فيه أو أدنى ) لأنه حسن اقتضاء ( بعد الأجل ) لا قبله ( وتفسير ذلك أن يسلف الرجل في حنطة محمولة فلا بأس أن يأخذ شعيرا أو شامية وإن سلف في تمر عجوة فلا بأس أن يأخذ ) بدله ( صيحانيا أو ) تمرا ( جمعا ) بفتح فسكون رديئا ( وإن سلف في زبيب أحمر فلا بأس أن يأخذ أسود ) لأن ذلك كله حسن اقتضاء ( إذا كان ذلك كله بعد محل الأجل إذا كانت مكيلة ذلك سواء بمثل كيل ما سلف فيه ) فحاصله أن الجواز مقيد بقيدين بعد الحلول وقدر الكيل فلا يضر اختلاف الصفة .




                                                                                                          الخدمات العلمية