الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير )

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى :( إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير )

                                                                                                                                                                                                                                            وفي الآية مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : اعلم أنه تعالى لما رغبهم في الآية الأولى في الجهاد بناء على الترغيب في ثواب الآخرة ، رغبهم في هذه الآية في الجهاد بناء على أنواع أخر من الأمور المقوية للدواعي ، وهي ثلاثة أنواع :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : قوله تعالى :( يعذبكم عذابا أليما ) .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أنه يحتمل أن يكون المراد منه عذاب الدنيا ، وأن يكون المراد منه عذاب الآخرة ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : استنفر رسول الله صلى الله عليه وسلم القوم فتثاقلوا ، فأمسك الله عنهم المطر ، وقال الحسن : الله أعلم بالعذاب الذي كان ينزل عليهم ، وقيل : المراد منه عذاب الآخرة ، إذ الأليم لا يليق إلا به ، وقيل : إنه تهديد بكل الأقسام ، وهي عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، وقطع منافع الدنيا ومنافع الآخرة .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : قوله :( ويستبدل قوما غيركم ) والمراد تنبيههم على أنه تعالى متكفل بنصره على أعدائه ، فإن سارعوا معه إلى الخروج حصلت النصرة بهم ، وإن تخلفوا وقعت النصرة بغيرهم ، وحصل العتبى لهم ؛ لئلا يتوهموا أن غلبة أعداء الدين وعز الإسلام لا يحصل إلا بهم ، وليس في النص دلالة على أن ذلك المعنى منهم ، ونظيره قوله تعالى : [ ص: 50 ] ( ياأيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه ) [المائدة : 54] .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم اختلف المفسرون ، فقال ابن عباس : هم التابعون ، وقال سعيد بن جبير : هم أبناء فارس ، وقال أبو روق : هم أهل اليمن ، وهذه الوجوه ليست تفسيرا للآية ؛ لأن الآية ليس فيها إشعار بها ، بل حمل ذلك الكلام المطلق على صورة معينة شاهدوها ، قال الأصم : معناه أن يخرجه من بين أظهركم ، وهي المدينة ، قال القاضي : هذا ضعيف ؛ لأن اللفظ لا دلالة فيه على أنه عليه السلام ينقل من المدينة إلى غيرها ، فلا يمتنع أن يظهر الله في المدينة أقواما يعينونه على الغزو ، ولا يمتنع أن يعينه بأقوام من الملائكة أيضا حال كونه هناك .

                                                                                                                                                                                                                                            والثالث : قوله :( ولا تضروه شيئا ) والكناية في قول الحسن : راجعة إلى الله تعالى ، أي : لا تضروا الله ؛ لأنه غني عن العالمين ، وفي قول الباقين يعود إلى الرسول ، أي : لا تضروا الرسول ؛ لأن الله عصمه من الناس ، ولأنه تعالى لا يخذله إن تثاقلتم عنه .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال :( والله على كل شيء قدير ) وهو تنبيه على شدة الزجر من حيث إنه تعالى قادر لا يجوز عليه العجز ، فإذا توعد بالعقاب فعل .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية