الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        89 - الحديث الثامن : عن { البراء بن عازب رضي الله عنهما قال : رمقت الصلاة مع محمد صلى الله عليه وسلم فوجدت قيامه ، فركعته فاعتداله بعد ركوعه ، فسجدته ، فجلسته بين السجدتين ، فسجدته فجلسته ما بين التسليم والانصراف : قريبا من السواء . } وفي رواية البخاري { ما خلا القيام والقعود قريبا من السواء } .

                                        التالي السابق


                                        قوله " قريبا من السواء " قد يقتضي : إما تطويل ما العادة فيه التخفيف ، أو تخفيف ما العادة فيه التطويل ، إذا كان ثم عادة متقدمة . وقد ورد ما يقتضي التطويل في القيام ، كقراءة ما بين الستين إلى المائة . وكما ورد في التطويل في قراءة الظهر بحيث يذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته ، ثم يتوضأ ثم يأتي ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى مما يطولها . وقد تكلم الفقهاء في الأركان الطويلة والقصيرة . واختلفوا في الرفع من الركوع : هل هو ركن طويل أو قصير ؟ ورجح أصحاب الشافعي : أنه ركن قصير . وفائدة الخلاف فيه : أن تطويله يقطع الموالاة الواجبة في الصلاة . ومن هذا قال بعض أصحاب الشافعي : إنه إذا طوله بطلت الصلاة ، وقال بعضهم : لا تبطل حتى ينقل إليه ركنا ، كقراءة الفاتحة أو التشهد .

                                        وهذا الحديث يدل على أن الرفع من الركوع ركن طويل ; لأنه لا يتأتى أن [ ص: 247 ] تكون القراءة في الصلاة - فرضها ونفلها - بمقدار ما إذا فعل في الرفع من الركوع كان قصيرا . وهذا الذي ذكر في الحديث - من استواء الصلاة - ذهب بعضهم إلى أنه الفعل المتأخر بعد ذلك التطويل . وقد ورد في بعض الأحاديث { وكانت صلاته بعد تخفيفا } .

                                        والذي ذكره المصنف عن رواية البخاري ، وهو قوله " ما خلا القيام والقعود - إلى آخره " وذهب بعضهم إلى تصحيح هذه الرواية ، دون الرواية التي ذكر فيها القيام . ونسب رواية ذكر القيام إلى الوهم . وهذا بعيد عندنا ; لأن توهيم الراوي الثقة على خلاف الأصل - لا سيما إذا لم يدل دليل قوي - لا يمكن الجمع بينه وبين الزيادة ، على كونها وهما وليس هذا من باب العموم والخصوص ، حتى يحمل العام على الخاص فيما عدا القيام . فإنه قد صرح في حديث البراء في تلك الرواية بذكر القيام .

                                        ويمكن الجمع بينهما بأن يكون فعل النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك كان مختلفا . فتارة يستوي الجميع . وتارة يستوي ما عدا القيام والقعود وليس في هذا إلا أحد أمرين : إما الخروج عما تقضيه لفظة " كان " - إن كانت وردت - من المداومة ، أو الأكثرية . وإما أن يقال : الحديث واحد ، اختلفت رواته عن واحد . فيقتضي ذلك التعارض . ولعل هذا هو السبب الذي دعا من ذكرنا عنه أنه نسب تلك الرواية إلى الوهم ممن قاله .

                                        وهذا الوجه الثاني : أعني اتحاد الرواية - أقوى من الأولى في وقوع التعارض . وإن احتمل غير ذلك على الطريقة الفقهية .

                                        ولا يقال : إذا وقع التعارض فالذي أثبت التطويل في القيام لا يعارضه من نفاه . فإن المثبت مقدم على النافي .

                                        لأنا نقول ، الرواية الأخرى تقتضي بنصها عدم التطويل في القيام ، وخروج تلك الحالة - أعني حالة القيام والقعود - عن بقية حالات أركان الصلاة . فيكون النفي والإثبات محصورين في محل واحد . والنفي والإثبات إذا انحصرا في محل واحد تعارضا ، إلا أن يقال باختلاف هذه الأحوال بالنسبة إلى صلاة النبي صلى الله عليه وسلم . فلا [ ص: 248 ] يبقى فيها انحصار في محل واحد بالنسبة إلى الصلاة . ولا يعترض على هذا إلا بما قدمناه من مقتضى لفظة " كان " إن وجدت في حديث أو كون الحديث واحدا عن مخرج واحد اختلف فيه فلينظر ذلك في الروايات ويحقق الاتحاد أو الاختلاف في مخرج الحديث ، والله أعلم .




                                        الخدمات العلمية