وقوله : ( ، لا تفنيان أبدا ولا تبيدان ، فإن الله تعالى خلق الجنة والنار قبل الخلق ، وخلق لهما أهلا ، فمن شاء منهم إلى الجنة فضلا منه ، ومن شاء منهم إلى النار عدلا منه ، وكل يعمل لما [ قد ] فرغ له ، وصائر إلى ما خلق له ، والخير والشر مقدران على العباد ) . والجنة والنار مخلوقتان
ش : أما قوله : إن الجنة والنار مخلوقتان ، فاتفق أهل السنة على أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان الآن ، ولم يزل على ذلك أهل السنة ، [ ص: 615 ] حتى نبغت نابغة من المعتزلة والقدرية ، فأنكرت ذلك ، وقالت : بل ينشئهما الله يوم القيامة ! ! وحملهم على ذلك أصلهم الفاسد الذي وضعوا به شريعة لما يفعله الله ، وأنه ينبغي أن يفعل كذا ، ولا ينبغي له أن يفعل كذا ! ! وقاسوه على خلقه في أفعالهم ، فهم مشبهة في الأفعال ، ودخل التجهم فيهم ، فصاروا مع ذلك معطلة ! وقالوا : خلق الجنة قبل الجزاء عبث ؛ لأنها تصير معطلة مددا متطاولة ! ! فردوا من النصوص ما خالف هذه الشريعة الباطلة التي وضعوها للرب تعالى ، وحرفوا النصوص عن مواضعها ، وضللوا وبدعوا من خالف شريعتهم .
فمن نصوص الكتاب : قوله تعالى عن الجنة : أعدت للمتقين [ آل عمران : 133 ] . أعدت للذين آمنوا بالله ورسله [ الحديد : 21 ] . وعن النار : أعدت للكافرين [ آل عمران : 131 ] . إن جهنم كانت مرصادا للطاغين مآبا [ النبأ : 21 - 22 ] . وقال تعالى : ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى [ النجم : 13 - 15 ] . وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم سدرة المنتهى ، ورأى عندها جنة المأوى . كما في الصحيحين ، من حديث أنس رضي الله عنه ، في قصة الإسراء ، وفي آخره : جبرائيل ، حتى أتى سدرة المنتهى ، فغشيها ألوان لا أدري ما هي ، قال : ثم دخلت الجنة ، فإذا هي جنابذ اللؤلؤ ، وإذا ترابها المسك ثم انطلق بي
وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : . إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة [ ص: 616 ] والعشي ، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة ، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار ، يقال : هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة
وتقدم حديث وفيه : البراء بن عازب ، . . . . ينادي مناد من السماء : أن صدق عبدي ، فافرشوه من الجنة ، وافتحوا له بابا إلى الجنة ، قال : فيأتيه من روحها وطيبها
وتقدم حديث أنس بمعنى حديث البراء .
وفي صحيح مسلم ، عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : . خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكرت الحديث ، وفيه : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : رأيت في مقامي هذا كل شيء وعدتم به ، حتى لقد رأيتني آخذ قطفا من الجنة حين رأيتموني أقدم ولقد رأيت جهنم يحطم بعضها بعضا حين رأيتموني تأخرت
وفي الصحيحين ، واللفظ عن للبخاري ، قال : عبد الله ابن عباس ، انخسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر الحديث ، وفيه : [ ص: 617 ] فقالوا : يا رسول الله رأيناك تناولت شيئا في مقامك ، ثم رأيناك تكعكعت ؟ فقال : إني رأيت الجنة ، وتناولت عنقودا ، ولو أصبته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا ، ورأيت النار ، فلم أر منظرا كاليوم قط أفظع ، ورأيت أكثر أهلها النساء ، قالوا : بم يا رسول الله ؟ قال : بكفرهن ، قيل : أيكفرن بالله ؟ قال : يكفرن العشير ، ويكفرن الإحسان ، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ، ثم رأت منك شيئا ، قالت : ما رأيت خيرا قط ! !
وفي صحيح مسلم من حديث أنس : . وايم الذي نفسي بيده ، لو رأيتم ما رأيت ، لضحكتم قليلا وبكيتم كثيرا . قالوا : وما رأيت يا رسول الله ؟ قال : رأيت الجنة والنار
وفي الموطأ والسنن ، من حديث قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كعب ابن مالك ، . إنما نسمة المؤمن طير يعلق في شجر الجنة ، حتى يرجعها الله إلى جسده يوم القيامة
[ ص: 618 ] وهذا صريح في . دخول الروح الجنة قبل يوم القيامة
وفي صحيح مسلم والسنن والمسند . من حديث رضي الله عنهما ، أبي هريرة جبريل إلى الجنة ، فقال : اذهب فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها ، فذهب فنظر إليها وإلى ما أعد الله لأهلها فيها ، فرجع فقال : وعزتك ، لا يسمع بها أحد إلا دخلها ، فأمر بالجنة ، فحفت بالمكاره ، فقال : ارجع فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها ، قال : فنظر إليها ، ثم رجع فقال : وعزتك ، لقد خشيت أن لا يدخلها أحد ، قال : ثم أرسله إلى النار ، قال : اذهب فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها ، قال : فنظر إليها ، فإذا هي يركب بعضها بعضا ، ثم رجع فقال : وعزتك ، لا يدخلها أحد سمع بها ، فأمر بها فحفت بالشهوات ، ثم قال : اذهب فانظر إلى ما أعددت لأهلها فيها ، فذهب فنظر إليها ، فرجع فقال : وعزتك ، لقد خشيت أن لا ينجو منها أحد إلا دخلها . ونظائر ذلك في السنة كثيرة . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لما خلق الله الجنة والنار ، أرسل
وأما على قول من قال : إن هي الجنة التي كان فيها الجنة الموعود بها آدم ثم أخرج منها ، فالقول بوجودها الآن ظاهر ، والخلاف في ذلك معروف .
وأما شبهة من قال : إنها لم تخلق بعد ، وهي : أنها لو كانت [ ص: 619 ] مخلوقة الآن لوجب اضطرارا أن تفنى يوم القيامة وأن يهلك كل من فيها ويموت ، لقوله تعالى : كل شيء هالك إلا وجهه [ القصص : 88 ] . و كل نفس ذائقة الموت [ آل عمران : 185 ] .
وقد روى الترمذي في جامعه ، من حديث رضي الله عنهما ، قال : ابن مسعود إبراهيم ليلة أسري بي ، فقال : يا محمد ، أقرئ أمتك مني السلام ، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة ، عذبة الماء ، وأنها قيعان ، وأن غراسها سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، قال : هذا حديث حسن غريب . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقيت
وفيه أيضا من حديث أبي الزبير ، عن جابر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : ، قال : هذا حديث حسن صحيح ، قالوا : فلو كانت مخلوقة مفروغا منها لم تكن قيعانا ، ولم يكن لهذا الغراس معنى . من قال سبحان الله وبحمده ، غرست له نخلة في الجنة
قالوا : وكذا قوله تعالى عن امرأة فرعون أنها قالت : رب ابن لي عندك بيتا في الجنة [ التحريم : 11 ] .
[ ص: 620 ] فالجواب : إنكم إن أردتم بقولكم إنها الآن معدومة بمنزلة النفخ في الصور وقيام الناس من القبور ، فهذا باطل ، يرده ما تقدم من الأدلة وأمثالها مما لم يذكر ، وإن أردتم أنها لم يكمل خلق جميع ما أعد الله فيها لأهلها ، وأنها لا يزال الله يحدث فيها شيئا بعد شيء ، وإذا دخلها المؤمنون أحدث الله فيها عند دخولهم أمورا أخر - فهذا حق لا يمكن رده ، وأدلتكم هذه إنما تدل على هذا القدر .
وأما احتجاجكم بقوله تعالى : كل شيء هالك إلا وجهه [ القصص : 88 ] فأتيتم من سوء فهمكم معنى الآية ، واحتجاجكم بها على عدم وجود الجنة والنار الآن - نظير احتجاج إخوانكم على فنائهما وخرابهما وموت أهلهما ! ! فلم توفقوا أنتم ولا إخوانكم لفهم معنى الآية ، وإنما وفق لذلك أئمة الإسلام . فمن كلامهم : أن المراد كل شيء مما كتب الله عليه الفناء والهلاك هالك ، والجنة والنار خلقتا للبقاء لا للفناء ، وكذلك العرش ، فإنه سقف الجنة . وقيل : المراد إلا ملكه . وقيل : إلا ما أريد به وجهه . وقيل : إن الله تعالى أنزل : " كل من عليها فان [ الرحمن : 26 ] ، فقالت الملائكة : هلك أهل الأرض ، وطمعوا في البقاء ، فأخبر تعالى عن أهل السماء والأرض أنهم يموتون ، فقال : كل شيء هالك إلا وجهه [ القصص : 88 ] ، لأنه حي لا يموت ، فأيقنت الملائكة عند ذلك بالموت . وإنما قالوا ذلك توفيقا بينها وبين النصوص المحكمة ، الدالة على بقاء الجنة ، وعلى بقاء النار أيضا ، على ما يذكر عن قريب ، إن شاء الله تعالى .
وقوله : " " - هذا قول جمهور الأئمة من السلف والخلف . لا تفنيان أبدا ولا تبيدان
[ ص: 621 ] وقال ببقاء الجنة وبفناء النار جماعة من السلف والخلف ، والقولان مذكوران في كثير من كتب التفسير وغيرها .
وقال بفناء الجنة والنار إمام المعطلة ، وليس له سلف قط ، لا من الصحابة ولا من التابعين لهم بإحسان ، ولا من أئمة المسلمين ، ولا من الجهم بن صفوان أهل السنة . وأنكره عليه عامة أهل السنة ، وكفروه به ، وصاحوا به وبأتباعه من أقطار الأرض . وهذا قاله لأصله الفاسد الذي اعتقده ، وهو امتناع وجود ما لا يتناهى من الحوادث ! وهو عمدة أهل الكلام المذموم ، التي استدلوا بها على حدوث الأجسام ، وحدوث ما لم يخل من الحوادث ، وجعلوا ذلك عمدتهم في حدوث العالم . فرأى الجهم أن ما يمنع من حوادث لا أول لها في الماضي ، يمنعه في المستقبل ! ! فدوام الفعل عنده على الرب في المستقبل ممتنع ، كما هو ممتنع عنده عليه في الماضي ! ! شيخ وأبو الهذيل العلاف المعتزلة ، وافقه على هذا الأصل ، لكن قال : إن هذا يقتضي فناء الحركات ، فقال بفناء حركات أهل الجنة والنار ، حتى يصيروا في سكون دائم ، لا يقدر أحد منهم على حركة ! ! وقد تقدم الإشارة إلى اختلاف الناس في [ ص: 622 ] تسلسل الحوادث في الماضي والمستقبل ، وهي مسألة دوام فاعلية الرب تعالى ، وهو لم يزل ربا قادرا فعالا لما يريد ، فإنه لم يزل حيا عليما قديرا . ومن المحال أن يكون الفعل ممتنعا عليه لذاته ، ثم ينقلب فيصير ممكنا لذاته ، من غير تجدد شيء ، وليس للأول حد محدود حتى يصير الفعل ممكنا له عند ذلك الحد ، ويكون قبله ممتنعا عليه . فهذا القول تصوره كاف في الجزم بفساده . فأما أبدية الجنة ، وأنها لا تفنى ولا تبيد ، فهذا مما يعلم بالضرورة أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر به ، قال تعالى : عطاء غير مجذوذ وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك [ هود : 108 ] أي غير مقطوع ، ولا ينافي ذلك قوله : إلا ما شاء ربك .
واختلف السلف في هذا الاستثناء : فقيل : معناه إلا مدة مكثهم في النار ، وهذا يكون لمن دخل منهم إلى النار ثم أخرج منها ، لا لكلهم . وقيل : إلا مدة مقامهم في الموقف . وقيل : إلا مدة مقامهم في القبور والموقف .
وقيل : هو استثناء استثناه الرب ولا يفعله ، كما تقول : والله لأضربنك إلا أن أرى غير ذلك ، وأنت لا تراه ، بل تجزم بضربه .
وقيل : " إلا " بمعنى الواو ، وهذا على قول بعض النحاة ، وهو ضعيف . وسيبويه يجعل " إلا " بمعنى لكن ، فيكون الاستثناء منقطعا ، ورجحه ابن جرير وقال : إن الله تعالى لا خلف لوعده ، وقد وصل الاستثناء بقوله : [ ص: 623 ] " عطاء غير مجذوذ " . قالوا : ونظيره أن تقول : أسكنتك داري حولا إلا ما شئت ، أي سوى ما شئت ، أو لكن ما شئت من الزيادة عليه .
وقيل : الاستثناء لإعلامهم ، بأنهم مع خلودهم في مشيئة الله ، لا أنهم يخرجون عن مشيئته ، ولا ينافي ذلك عزيمته وجزمه لهم بالخلود ، كما في قوله تعالى : " ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلا " [ الإسراء : 86 ] وقوله تعالى : " فإن يشأ الله يختم على قلبك " [ الشورى : 24 ] وقوله : " قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به " [ يونس : 16 ] . ونظائره كثيرة ، يخبر عباده سبحانه أن الأمور كلها بمشيئته ، ما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن .
وقيل : إن ( ما ) بمعنى ( من ) أي : إلا من شاء الله دخوله النار بذنوبه من السعداء . وقيل : غير ذلك . وعلى كل تقدير ، فهذا الاستثناء من المتشابه ، وقوله : " عطاء غير مجذوذ " محكم . وكذلك قوله تعالى : " إن هذا لرزقنا ما له من نفاد " [ ص : 54 ] . وقوله : " أكلها دائم وظلها " [ الرعد : 35 ] . وقوله : وما هم منها بمخرجين [ الحجر : 48 ] .
وقد في عدة مواضع من القرآن ، وأخبر أنهم : " أكد الله خلود أهل الجنة بالتأبيد لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى " [ الدخان : 56 ] وهذا الاستثناء منقطع ، وإذا ضممته إلى الاستثناء في قوله تعالى : [ ص: 624 ] " إلا ما شاء ربك " تبين أن المراد من الآيتين استثناء الوقت الذي لم يكونوا فيه في الجنة من مدة الخلود ، كاستثناء الموتة الأولى من جملة الموت ، فهذه موتة تقدمت على حياتهم الأبدية ، وذاك مفارقة للجنة تقدمت على خلودهم فيها .
والأدلة من السنة على كثيرة : كقوله صلى الله عليه وسلم : " أبدية الجنة ودوامها . وقوله : " ينادي مناد : من يدخل الجنة ينعم ولا يبأس ، ويخلد ولا يموت . يا أهل الجنة ، إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا ، وأن تشبوا فلا تهرموا أبدا ، وأن تحيوا فلا تموتوا أبدا "
وتقدم ذكر ، ويقال : ذبح الموت بين الجنة والنار . يا أهل الجنة ، خلود فلا موت ، ويا أهل النار ، خلود فلا موت
الجنة والنار مخلوقتان وهما موجودتان الآن
وَقَوْلُهُ : ( nindex.php?page=treesubj&link=30391وَالْجَنَّةُ وَالنَّارُ مَخْلُوقَتَانِ ، لَا تَفْنَيَانِ أَبَدًا وَلَا تَبِيدَانِ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ قَبْلَ الْخَلْقِ ، وَخَلَقَ لَهُمَا أَهْلًا ، فَمَنْ شَاءَ مِنْهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ فَضْلًا مِنْهُ ، وَمَنْ شَاءَ مِنْهُمْ إِلَى النَّارِ عَدْلًا مِنْهُ ، وَكُلٌّ يَعْمَلُ لِمَا [ قَدْ ] فُرِغَ لَهُ ، وَصَائِرٌ إِلَى مَا خُلِقَ لَهُ ، وَالْخَيْرُ وَالشَّرُّ مُقَدَّرَانِ عَلَى الْعِبَادِ ) .
ش : أَمَّا قَوْلُهُ : إِنَّ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ مَخْلُوقَتَانِ ، فَاتَّفَقَ أَهْلُ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ مَخْلُوقَتَانِ مَوْجُودَتَانِ الْآنَ ، وَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ أَهْلُ السُّنَّةِ ، [ ص: 615 ] حَتَّى نَبَغَتْ نَابِغَةٌ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ ، فَأَنْكَرَتْ ذَلِكَ ، وَقَالَتْ : بَلْ يُنْشِئُهُمَا اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ! ! وَحَمَلَهُمْ عَلَى ذَلِكَ أَصْلُهُمُ الْفَاسِدُ الَّذِي وَضَعُوا بِهِ شَرِيعَةً لِمَا يَفْعَلُهُ اللَّهُ ، وَأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ كَذَا ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَفْعَلَ كَذَا ! ! وَقَاسُوهُ عَلَى خَلْقِهِ فِي أَفْعَالِهِمْ ، فَهُمْ مُشَبِّهَةٌ فِي الْأَفْعَالِ ، وَدَخَلَ التَّجَهُّمُ فِيهِمْ ، فَصَارُوا مَعَ ذَلِكَ مُعَطِّلَةً ! وَقَالُوا : خَلْقُ الْجَنَّةِ قَبْلَ الْجَزَاءِ عَبَثٌ ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ مُعَطَّلَةً مُدَدًا مُتَطَاوِلَةً ! ! فَرَدُّوا مِنَ النُّصُوصِ مَا خَالَفَ هَذِهِ الشَّرِيعَةَ الْبَاطِلَةَ الَّتِي وَضَعُوهَا لِلرَّبِّ تَعَالَى ، وَحَرَّفُوا النُّصُوصَ عَنْ مَوَاضِعِهَا ، وَضَلَّلُوا وَبَدَّعُوا مَنْ خَالَفَ شَرِيعَتَهُمْ .
فَمِنْ نُصُوصِ الْكِتَابِ : قَوْلُهُ تَعَالَى عَنِ الْجَنَّةِ : nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=133أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [ آلِ عِمْرَانَ : 133 ] . nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=21أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ [ الْحَدِيدِ : 21 ] . وَعَنِ النَّارِ : nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=131أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [ آلِ عِمْرَانَ : 131 ] . nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=21إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا لِلطَّاغِينَ مَآبًا [ النَّبَأِ : 21 - 22 ] . وَقَالَ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=13وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى [ النَّجْمِ : 13 - 15 ] . وَقَدْ رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى ، وَرَأَى عِنْدَهَا جَنَّةَ الْمَأْوَى . كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ ، مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فِي قِصَّةِ الْإِسْرَاءِ ، وَفِي آخِرِهِ : nindex.php?page=hadith&LINKID=964485ثُمَّ انْطَلَقَ بِي جَبْرَائِيلُ ، حَتَّى أَتَى سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى ، فَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ لَا أَدْرِي مَا هِيَ ، قَالَ : ثُمَّ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ ، فَإِذَا هِيَ جَنَابِذُ اللُّؤْلُؤِ ، وَإِذَا تُرَابُهَا الْمِسْكُ
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : nindex.php?page=hadith&LINKID=964486إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ [ ص: 616 ] وَالْعَشِيِّ ، إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ ، يُقَالُ : هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .
وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ nindex.php?page=showalam&ids=48الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ، وَفِيهِ : nindex.php?page=hadith&LINKID=964487يُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ : أَنْ صَدَقَ عَبْدِي ، فَافْرِشُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ ، قَالَ : فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا . . . .
وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ أَنَسٍ بِمَعْنَى حَدِيثِ الْبَرَاءِ .
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ : nindex.php?page=hadith&LINKID=964488خَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَذَكَرَتِ الْحَدِيثَ ، وَفِيهِ : وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : رَأَيْتُ فِي مَقَامِي هَذَا كُلَّ شَيْءٍ وُعِدْتُمْ بِهِ ، حَتَّى لَقَدْ رَأَيْتُنِي آخُذُ قِطْفًا مِنَ الْجَنَّةِ حِينَ رَأَيْتُمُونِي أُقَدِّمُ وَلَقَدْ رَأَيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ ، وَاللَّفْظُ nindex.php?page=showalam&ids=12070لِلْبُخَارِيِّ ، عَنْ nindex.php?page=showalam&ids=11عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : nindex.php?page=hadith&LINKID=964489انْخَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ ، وَفِيهِ : [ ص: 617 ] فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئًا فِي مَقَامِكَ ، ثُمَّ رَأَيْنَاكَ تَكَعْكَعْتَ ؟ فَقَالَ : إِنِّي رَأَيْتُ الْجَنَّةَ ، وَتَنَاوَلْتُ عُنْقُودًا ، وَلَوْ أَصَبْتُهُ لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا ، وَرَأَيْتُ النَّارَ ، فَلَمْ أَرَ مَنْظَرًا كَالْيَوْمِ قَطُّ أَفْظَعَ ، وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ ، قَالُوا : بِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : بَكُفْرِهِنَّ ، قِيلَ : أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ ؟ قَالَ : يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ ، وَيَكْفُرْنَ الْإِحْسَانَ ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ كُلَّهُ ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا ، قَالَتْ : مَا رَأَيْتُ خَيْرًا قَطُّ ! !
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ : nindex.php?page=hadith&LINKID=964490وَايْمُ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَوْ رَأَيْتُمْ مَا رَأَيْتُ ، لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا . قَالُوا : وَمَا رَأَيْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : رَأَيْتُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ .
وَفِي الْمُوَطَّأِ وَالسُّنَنِ ، مِنْ حَدِيثِ nindex.php?page=showalam&ids=331كَعْبِ ابْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : nindex.php?page=hadith&LINKID=964491إِنَّمَا نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ طَيْرٌ يَعْلَقُ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ ، حَتَّى يُرْجِعَهَا اللَّهُ إِلَى جَسَدِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .
[ ص: 618 ] وَهَذَا صَرِيحٌ فِي nindex.php?page=treesubj&link=32892دُخُولِ الرُّوحِ الْجَنَّةَ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ .
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَالسُّنَنِ وَالْمُسْنَدِ . مِنْ حَدِيثِ nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، nindex.php?page=hadith&LINKID=964492أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ ، أَرْسَلَ جِبْرِيلَ إِلَى الْجَنَّةِ ، فَقَالَ : اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيهَا ، فَذَهَبَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ لِأَهْلِهَا فِيهَا ، فَرَجَعَ فَقَالَ : وَعِزَّتِكَ ، لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا ، فَأَمَرَ بِالْجَنَّةِ ، فَحُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ ، فَقَالَ : ارْجِعْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيهَا ، قَالَ : فَنَظَرَ إِلَيْهَا ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ : وَعِزَّتِكَ ، لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لَا يَدْخُلَهَا أَحَدٌ ، قَالَ : ثُمَّ أَرْسَلَهُ إِلَى النَّارِ ، قَالَ : اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيهَا ، قَالَ : فَنَظَرَ إِلَيْهَا ، فَإِذَا هِيَ يَرْكَبُ بَعْضُهَا بَعْضًا ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ : وَعِزَّتِكَ ، لَا يَدْخُلُهَا أَحَدٌ سَمِعَ بِهَا ، فَأَمَرَ بِهَا فَحُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ ، ثُمَّ قَالَ : اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيهَا ، فَذَهَبَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا ، فَرَجَعَ فَقَالَ : وَعِزَّتِكَ ، لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لَا يَنْجُوَ مِنْهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا . وَنَظَائِرُ ذَلِكَ فِي السُّنَّةِ كَثِيرَةٌ .
وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ : إِنَّ nindex.php?page=treesubj&link=30383الْجَنَّةَ الْمَوْعُودَ بِهَا هِيَ الْجَنَّةُ الَّتِي كَانَ فِيهَا آدَمُ ثُمَّ أُخْرِجَ مِنْهَا ، فَالْقَوْلُ بِوُجُودِهَا الْآنَ ظَاهِرٌ ، وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ مَعْرُوفٌ .
وَأَمَّا شُبْهَةُ مَنْ قَالَ : إِنَّهَا لَمْ تُخْلَقْ بَعْدُ ، وَهِيَ : أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ [ ص: 619 ] مَخْلُوقَةً الْآنَ لَوَجَبَ اضْطِرَارًا أَنْ تَفْنَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَنْ يَهْلَكَ كُلُّ مَنْ فِيهَا وَيَمُوتَ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=88كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [ الْقَصَصِ : 88 ] . وَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=185كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [ آلِ عِمْرَانَ : 185 ] .
وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ ، مِنْ حَدِيثِ nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : nindex.php?page=hadith&LINKID=964493قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَقِيتُ إِبْرَاهِيمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، أَقْرِئْ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلَامَ ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الْجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ ، عَذْبَةُ الْمَاءِ ، وَأَنَّهَا قِيعَانٌ ، وَأَنَّ غِرَاسَهَا سُبْحَانَ اللَّهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ ، قَالَ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ .
وَفِيهِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ قَالَ : nindex.php?page=hadith&LINKID=964494مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ ، غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الْجَنَّةِ ، قَالَ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، قَالُوا : فَلَوْ كَانَتْ مَخْلُوقَةً مَفْرُوغًا مِنْهَا لَمْ تَكُنْ قِيعَانًا ، وَلَمْ يَكُنْ لِهَذَا الْغِرَاسِ مَعْنًى .
قَالُوا : وَكَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى عَنِ امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ أَنَّهَا قَالَتْ : nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=11رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ [ التَّحْرِيمِ : 11 ] .
[ ص: 620 ] فَالْجَوَابُ : إِنَّكُمْ إِنْ أَرَدْتُمْ بِقَوْلِكُمْ إِنَّهَا الْآنَ مَعْدُومَةٌ بِمَنْزِلَةِ النَّفْخِ فِي الصُّوَرِ وَقِيَامِ النَّاسِ مِنَ الْقُبُورِ ، فَهَذَا بَاطِلٌ ، يَرُدُّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَدِلَّةِ وَأَمْثَالِهَا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ ، وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنَّهَا لَمْ يَكْمُلْ خَلْقُ جَمِيعِ مَا أَعَدَّ اللَّهُ فِيهَا لِأَهْلِهَا ، وَأَنَّهَا لَا يَزَالُ اللَّهُ يُحْدِثُ فِيهَا شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ ، وَإِذَا دَخَلَهَا الْمُؤْمِنُونَ أَحْدَثَ اللَّهُ فِيهَا عِنْدَ دُخُولِهِمْ أُمُورًا أُخَرَ - فَهَذَا حَقٌّ لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ ، وَأَدِلَّتُكُمْ هَذِهِ إِنَّمَا تَدُلُّ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ .
وَأَمَّا احْتِجَاجُكُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=88كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [ الْقَصَصِ : 88 ] فَأُتِيتُمْ مِنْ سُوءِ فَهْمِكُمْ مَعْنَى الْآيَةِ ، وَاحْتِجَاجُكُمْ بِهَا عَلَى عَدَمِ وُجُودِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ الْآنَ - نَظِيرُ احْتِجَاجِ إِخْوَانِكُمْ عَلَى فَنَائِهِمَا وَخَرَابِهِمَا وَمَوْتِ أَهْلِهِمَا ! ! فَلَمْ تُوَفَّقُوا أَنْتُمْ وَلَا إِخْوَانُكُمْ لِفَهْمِ مَعْنَى الْآيَةِ ، وَإِنَّمَا وُفِّقَ لِذَلِكَ أَئِمَّةُ الْإِسْلَامِ . فَمِنْ كَلَامِهِمْ : أَنَّ الْمُرَادَ كُلُّ شَيْءٍ مِمَّا كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْفَنَاءَ وَالْهَلَاكَ هَالِكٌ ، وَالْجَنَّةُ وَالنَّارُ خُلِقَتَا لِلْبَقَاءِ لَا لِلْفَنَاءِ ، وَكَذَلِكَ الْعَرْشُ ، فَإِنَّهُ سَقْفُ الْجَنَّةِ . وَقِيلَ : الْمُرَادُ إِلَّا مُلْكَهُ . وَقِيلَ : إِلَّا مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُهُ . وَقِيلَ : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ : " nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=26كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ [ الرَّحْمَنِ : 26 ] ، فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ : هَلَكَ أَهْلُ الْأَرْضِ ، وَطَمِعُوا فِي الْبَقَاءِ ، فَأَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ أَهْلِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَنَّهُمْ يَمُوتُونَ ، فَقَالَ : nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=88كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [ الْقَصَصِ : 88 ] ، لِأَنَّهُ حَيٌّ لَا يَمُوتُ ، فَأَيْقَنَتِ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ ذَلِكَ بِالْمَوْتِ . وَإِنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ تَوْفِيقًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ النُّصُوصِ الْمُحْكَمَةِ ، الدَّالَّةِ عَلَى بَقَاءِ الْجَنَّةِ ، وَعَلَى بَقَاءِ النَّارِ أَيْضًا ، عَلَى مَا يُذْكَرُ عَنْ قَرِيبٍ ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَقَوْلُهُ : " nindex.php?page=treesubj&link=30431_30386لَا تَفْنَيَانِ أَبَدًا وَلَا تَبِيدَانِ " - هَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْأَئِمَّةِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ .
[ ص: 621 ] وَقَالَ بِبَقَاءِ الْجَنَّةِ وَبِفَنَاءِ النَّارِ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ ، وَالْقَوْلَانِ مَذْكُورَانِ فِي كَثِيرٍ مِنْ كُتُبِ التَّفْسِيرِ وَغَيْرِهَا .
وَقَالَ بِفَنَاءِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ nindex.php?page=showalam&ids=15658الْجَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ إِمَامُ الْمُعَطِّلَةِ ، وَلَيْسَ لَهُ سَلَفٌ قَطُّ ، لَا مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَا مِنَ التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ ، وَلَا مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ، وَلَا مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ . وَأَنْكَرَهُ عَلَيْهِ عَامَّةُ أَهْلِ السُّنَّةِ ، وَكَفَّرُوهُ بِهِ ، وَصَاحُوا بِهِ وَبِأَتْبَاعِهِ مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ . وَهَذَا قَالَهُ لِأَصْلِهِ الْفَاسِدِ الَّذِي اعْتَقَدَهُ ، وَهُوَ امْتِنَاعُ وُجُودِ مَا لَا يَتَنَاهَى مِنَ الْحَوَادِثِ ! وَهُوَ عُمْدَةُ أَهْلِ الْكَلَامِ الْمَذْمُومِ ، الَّتِي اسْتَدَلُّوا بِهَا عَلَى حُدُوثِ الْأَجْسَامِ ، وَحُدُوثِ مَا لَمْ يَخْلُ مِنَ الْحَوَادِثِ ، وَجَعَلُوا ذَلِكَ عُمْدَتَهُمْ فِي حُدُوثِ الْعَالَمِ . فَرَأَى الْجَهْمُ أَنَّ مَا يَمْنَعُ مِنْ حَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا فِي الْمَاضِي ، يَمْنَعُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ! ! فَدَوَامُ الْفِعْلِ عِنْدَهُ عَلَى الرَّبِّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مُمْتَنِعٌ ، كَمَا هُوَ مُمْتَنِعٌ عِنْدَهُ عَلَيْهِ فِي الْمَاضِي ! ! nindex.php?page=showalam&ids=11922وَأَبُو الْهُذَيْلِ الْعَلَّافُ شَيْخُ الْمُعْتَزِلَةِ ، وَافَقَهُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ ، لَكِنْ قَالَ : إِنَّ هَذَا يَقْتَضِي فَنَاءَ الْحَرَكَاتِ ، فَقَالَ بِفَنَاءِ حَرَكَاتِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ، حَتَّى يَصِيرُوا فِي سُكُونٍ دَائِمٍ ، لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى حَرَكَةٍ ! ! وَقَدْ تَقَدَّمَ الْإِشَارَةُ إِلَى اخْتِلَافِ النَّاسِ فِي [ ص: 622 ] تَسَلْسُلِ الْحَوَادِثِ فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ دَوَامِ فَاعِلِيَّةِ الرَّبِّ تَعَالَى ، وَهُوَ لَمْ يَزَلْ رَبًّا قَادِرًا فَعَّالًا لِمَا يُرِيدُ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَزَلْ حَيًّا عَلِيمًا قَدِيرًا . وَمِنَ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ مُمْتَنِعًا عَلَيْهِ لِذَاتِهِ ، ثُمَّ يَنْقَلِبُ فَيَصِيرُ مُمْكِنًا لِذَاتِهِ ، مِنْ غَيْرِ تَجَدُّدِ شَيْءٍ ، وَلَيْسَ لِلْأَوَّلِ حَدٌّ مَحْدُودٌ حَتَّى يَصِيرَ الْفِعْلُ مُمْكِنًا لَهُ عِنْدَ ذَلِكَ الْحَدِّ ، وَيَكُونُ قَبْلَهُ مُمْتَنِعًا عَلَيْهِ . فَهَذَا الْقَوْلُ تَصَوُّرُهُ كَافٍ فِي الْجَزْمِ بِفَسَادِهِ . فَأَمَّا أَبَدِيَّةُ الْجَنَّةِ ، وَأَنَّهَا لَا تَفْنَى وَلَا تَبِيدُ ، فَهَذَا مِمَّا يُعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ بِهِ ، قَالَ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=108nindex.php?page=treesubj&link=28982وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ [ هُودٍ : 108 ] أَيْ غَيْرَ مَقْطُوعٍ ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَهُ : nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=108إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ .
وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ : فَقِيلَ : مَعْنَاهُ إِلَّا مُدَّةَ مُكْثِهِمْ فِي النَّارِ ، وَهَذَا يَكُونُ لِمَنْ دَخَلَ مِنْهُمْ إِلَى النَّارِ ثُمَّ أُخْرِجَ مِنْهَا ، لَا لِكُلِّهِمْ . وَقِيلَ : إِلَّا مَدَّةَ مُقَامِهِمْ فِي الْمَوْقِفِ . وَقِيلَ : إِلَّا مُدَّةَ مُقَامِهِمْ فِي الْقُبُورِ وَالْمَوْقِفِ .
وَقِيلَ : هُوَ اسْتِثْنَاءُ اسْتَثْنَاهُ الرَّبُّ وَلَا يَفْعَلُهُ ، كَمَا تَقُولُ : وَاللَّهِ لَأَضْرِبَنَّكَ إِلَّا أَنْ أَرَى غَيْرَ ذَلِكَ ، وَأَنْتَ لَا تَرَاهُ ، بَلْ تَجْزِمُ بِضَرْبِهِ .
وَقِيلَ : " إِلَّا " بِمَعْنَى الْوَاوِ ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِ بَعْضِ النُّحَاةِ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ . وَسِيبَوَيْهِ يَجْعَلُ " إِلَّا " بِمَعْنَى لَكِنْ ، فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعًا ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا خُلْفَ لِوَعْدِهِ ، وَقَدْ وَصَلَ الِاسْتِثْنَاءَ بِقَوْلِهِ : [ ص: 623 ] " nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=108عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ " . قَالُوا : وَنَظِيرُهُ أَنْ تَقُولَ : أَسْكَنْتُكَ دَارِي حَوْلًا إِلَّا مَا شِئْتُ ، أَيْ سِوَى مَا شِئْتُ ، أَوْ لَكِنْ مَا شِئْتُ مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ .
وَقِيلَ : الِاسْتِثْنَاءُ لِإِعْلَامِهِمْ ، بِأَنَّهُمْ مَعَ خُلُودِهِمْ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ ، لَا أَنَّهُمْ يَخْرُجُونَ عَنْ مَشِيئَتِهِ ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ عَزِيمَتَهُ وَجَزْمَهُ لَهُمْ بِالْخُلُودِ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : " nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=86وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا " [ الْإِسْرَاءِ : 86 ] وَقَوْلِهِ تَعَالَى : " nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=24فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ " [ الشُّورَى : 24 ] وَقَوْلِهِ : " nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=16قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ " [ يُونُسَ : 16 ] . وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ ، يُخْبِرُ عِبَادَهُ سُبْحَانَهُ أَنَّ الْأُمُورَ كُلَّهَا بِمَشِيئَتِهِ ، مَا شَاءَ كَانَ ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ .
وَقِيلَ : إِنَّ ( مَا ) بِمَعْنَى ( مَنْ ) أَيْ : إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ دُخُولَهُ النَّارَ بِذُنُوبِهِ مِنَ السُّعَدَاءِ . وَقِيلَ : غَيْرُ ذَلِكَ . وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ ، فَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ مِنَ الْمُتَشَابِهِ ، وَقَوْلُهُ : " nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=108عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ " مُحْكَمٌ . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : " nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=54إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ " [ ص : 54 ] . وَقَوْلُهُ : " nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=35أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا " [ الرَّعْدِ : 35 ] . وَقَوْلُهُ : nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=48وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ [ الْحِجْرِ : 48 ] .
وَقَدْ nindex.php?page=treesubj&link=19889_30386أَكَّدَ اللَّهُ خُلُودَ أَهْلِ الْجَنَّةِ بِالتَّأْبِيدِ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ مِنَ الْقُرْآنِ ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ : " nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=56لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى " [ الدُّخَانِ : 56 ] وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ ، وَإِذَا ضَمَمْتَهُ إِلَى الِاسْتِثْنَاءِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : [ ص: 624 ] " nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=107إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ " تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْآيَتَيْنِ اسْتِثْنَاءُ الْوَقْتِ الَّذِي لَمْ يَكُونُوا فِيهِ فِي الْجَنَّةِ مِنَ مُدَّةِ الْخُلُودِ ، كَاسْتِثْنَاءِ الْمَوْتَةِ الْأُولَى مِنْ جُمْلَةِ الْمَوْتِ ، فَهَذِهِ مَوْتَةٌ تَقَدَّمَتْ عَلَى حَيَاتِهِمُ الْأَبَدِيَّةِ ، وَذَاكَ مُفَارَقَةٌ لِلْجَنَّةِ تَقَدَّمَتْ عَلَى خُلُودِهِمْ فِيهَا .
وَالْأَدِلَّةُ مِنَ السُّنَّةِ عَلَى nindex.php?page=treesubj&link=30386أَبَدِيَّةِ الْجَنَّةِ وَدَوَامِهَا كَثِيرِةٌ : كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " nindex.php?page=hadith&LINKID=964495مَنْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ يَنْعَمْ وَلَا يَبْأَسْ ، وَيَخْلُدُ وَلَا يَمُوتُ . وَقَوْلِهِ : " يُنَادِي مُنَادٍ : nindex.php?page=hadith&LINKID=964496يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ ، إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلَا تَسْقَمُوا أَبَدًا ، وَأَنْ تَشِبُّوا فَلَا تَهْرَمُوا أَبَدًا ، وَأَنْ تَحْيَوْا فَلَا تَمُوتُوا أَبَدًا " .
وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ nindex.php?page=treesubj&link=30299ذَبْحِ الْمَوْتِ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ، وَيُقَالُ : nindex.php?page=hadith&LINKID=964497يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ ، خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ ، خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ .
ش : أَمَّا قَوْلُهُ : إِنَّ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ مَخْلُوقَتَانِ ، فَاتَّفَقَ أَهْلُ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ مَخْلُوقَتَانِ مَوْجُودَتَانِ الْآنَ ، وَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ أَهْلُ السُّنَّةِ ، [ ص: 615 ] حَتَّى نَبَغَتْ نَابِغَةٌ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ ، فَأَنْكَرَتْ ذَلِكَ ، وَقَالَتْ : بَلْ يُنْشِئُهُمَا اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ! ! وَحَمَلَهُمْ عَلَى ذَلِكَ أَصْلُهُمُ الْفَاسِدُ الَّذِي وَضَعُوا بِهِ شَرِيعَةً لِمَا يَفْعَلُهُ اللَّهُ ، وَأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ كَذَا ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَفْعَلَ كَذَا ! ! وَقَاسُوهُ عَلَى خَلْقِهِ فِي أَفْعَالِهِمْ ، فَهُمْ مُشَبِّهَةٌ فِي الْأَفْعَالِ ، وَدَخَلَ التَّجَهُّمُ فِيهِمْ ، فَصَارُوا مَعَ ذَلِكَ مُعَطِّلَةً ! وَقَالُوا : خَلْقُ الْجَنَّةِ قَبْلَ الْجَزَاءِ عَبَثٌ ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ مُعَطَّلَةً مُدَدًا مُتَطَاوِلَةً ! ! فَرَدُّوا مِنَ النُّصُوصِ مَا خَالَفَ هَذِهِ الشَّرِيعَةَ الْبَاطِلَةَ الَّتِي وَضَعُوهَا لِلرَّبِّ تَعَالَى ، وَحَرَّفُوا النُّصُوصَ عَنْ مَوَاضِعِهَا ، وَضَلَّلُوا وَبَدَّعُوا مَنْ خَالَفَ شَرِيعَتَهُمْ .
فَمِنْ نُصُوصِ الْكِتَابِ : قَوْلُهُ تَعَالَى عَنِ الْجَنَّةِ : nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=133أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [ آلِ عِمْرَانَ : 133 ] . nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=21أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ [ الْحَدِيدِ : 21 ] . وَعَنِ النَّارِ : nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=131أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [ آلِ عِمْرَانَ : 131 ] . nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=21إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا لِلطَّاغِينَ مَآبًا [ النَّبَأِ : 21 - 22 ] . وَقَالَ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=13وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى [ النَّجْمِ : 13 - 15 ] . وَقَدْ رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى ، وَرَأَى عِنْدَهَا جَنَّةَ الْمَأْوَى . كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ ، مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فِي قِصَّةِ الْإِسْرَاءِ ، وَفِي آخِرِهِ : nindex.php?page=hadith&LINKID=964485ثُمَّ انْطَلَقَ بِي جَبْرَائِيلُ ، حَتَّى أَتَى سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى ، فَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ لَا أَدْرِي مَا هِيَ ، قَالَ : ثُمَّ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ ، فَإِذَا هِيَ جَنَابِذُ اللُّؤْلُؤِ ، وَإِذَا تُرَابُهَا الْمِسْكُ
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : nindex.php?page=hadith&LINKID=964486إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ [ ص: 616 ] وَالْعَشِيِّ ، إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ ، يُقَالُ : هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .
وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ nindex.php?page=showalam&ids=48الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ، وَفِيهِ : nindex.php?page=hadith&LINKID=964487يُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ : أَنْ صَدَقَ عَبْدِي ، فَافْرِشُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ ، قَالَ : فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا . . . .
وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ أَنَسٍ بِمَعْنَى حَدِيثِ الْبَرَاءِ .
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ : nindex.php?page=hadith&LINKID=964488خَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَذَكَرَتِ الْحَدِيثَ ، وَفِيهِ : وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : رَأَيْتُ فِي مَقَامِي هَذَا كُلَّ شَيْءٍ وُعِدْتُمْ بِهِ ، حَتَّى لَقَدْ رَأَيْتُنِي آخُذُ قِطْفًا مِنَ الْجَنَّةِ حِينَ رَأَيْتُمُونِي أُقَدِّمُ وَلَقَدْ رَأَيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ ، وَاللَّفْظُ nindex.php?page=showalam&ids=12070لِلْبُخَارِيِّ ، عَنْ nindex.php?page=showalam&ids=11عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : nindex.php?page=hadith&LINKID=964489انْخَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ ، وَفِيهِ : [ ص: 617 ] فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئًا فِي مَقَامِكَ ، ثُمَّ رَأَيْنَاكَ تَكَعْكَعْتَ ؟ فَقَالَ : إِنِّي رَأَيْتُ الْجَنَّةَ ، وَتَنَاوَلْتُ عُنْقُودًا ، وَلَوْ أَصَبْتُهُ لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا ، وَرَأَيْتُ النَّارَ ، فَلَمْ أَرَ مَنْظَرًا كَالْيَوْمِ قَطُّ أَفْظَعَ ، وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ ، قَالُوا : بِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : بَكُفْرِهِنَّ ، قِيلَ : أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ ؟ قَالَ : يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ ، وَيَكْفُرْنَ الْإِحْسَانَ ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ كُلَّهُ ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا ، قَالَتْ : مَا رَأَيْتُ خَيْرًا قَطُّ ! !
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ : nindex.php?page=hadith&LINKID=964490وَايْمُ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَوْ رَأَيْتُمْ مَا رَأَيْتُ ، لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا . قَالُوا : وَمَا رَأَيْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : رَأَيْتُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ .
وَفِي الْمُوَطَّأِ وَالسُّنَنِ ، مِنْ حَدِيثِ nindex.php?page=showalam&ids=331كَعْبِ ابْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : nindex.php?page=hadith&LINKID=964491إِنَّمَا نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ طَيْرٌ يَعْلَقُ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ ، حَتَّى يُرْجِعَهَا اللَّهُ إِلَى جَسَدِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .
[ ص: 618 ] وَهَذَا صَرِيحٌ فِي nindex.php?page=treesubj&link=32892دُخُولِ الرُّوحِ الْجَنَّةَ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ .
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَالسُّنَنِ وَالْمُسْنَدِ . مِنْ حَدِيثِ nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، nindex.php?page=hadith&LINKID=964492أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ ، أَرْسَلَ جِبْرِيلَ إِلَى الْجَنَّةِ ، فَقَالَ : اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيهَا ، فَذَهَبَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ لِأَهْلِهَا فِيهَا ، فَرَجَعَ فَقَالَ : وَعِزَّتِكَ ، لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا ، فَأَمَرَ بِالْجَنَّةِ ، فَحُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ ، فَقَالَ : ارْجِعْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيهَا ، قَالَ : فَنَظَرَ إِلَيْهَا ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ : وَعِزَّتِكَ ، لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لَا يَدْخُلَهَا أَحَدٌ ، قَالَ : ثُمَّ أَرْسَلَهُ إِلَى النَّارِ ، قَالَ : اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيهَا ، قَالَ : فَنَظَرَ إِلَيْهَا ، فَإِذَا هِيَ يَرْكَبُ بَعْضُهَا بَعْضًا ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ : وَعِزَّتِكَ ، لَا يَدْخُلُهَا أَحَدٌ سَمِعَ بِهَا ، فَأَمَرَ بِهَا فَحُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ ، ثُمَّ قَالَ : اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيهَا ، فَذَهَبَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا ، فَرَجَعَ فَقَالَ : وَعِزَّتِكَ ، لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لَا يَنْجُوَ مِنْهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا . وَنَظَائِرُ ذَلِكَ فِي السُّنَّةِ كَثِيرَةٌ .
وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ : إِنَّ nindex.php?page=treesubj&link=30383الْجَنَّةَ الْمَوْعُودَ بِهَا هِيَ الْجَنَّةُ الَّتِي كَانَ فِيهَا آدَمُ ثُمَّ أُخْرِجَ مِنْهَا ، فَالْقَوْلُ بِوُجُودِهَا الْآنَ ظَاهِرٌ ، وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ مَعْرُوفٌ .
وَأَمَّا شُبْهَةُ مَنْ قَالَ : إِنَّهَا لَمْ تُخْلَقْ بَعْدُ ، وَهِيَ : أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ [ ص: 619 ] مَخْلُوقَةً الْآنَ لَوَجَبَ اضْطِرَارًا أَنْ تَفْنَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَنْ يَهْلَكَ كُلُّ مَنْ فِيهَا وَيَمُوتَ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=88كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [ الْقَصَصِ : 88 ] . وَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=185كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [ آلِ عِمْرَانَ : 185 ] .
وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ ، مِنْ حَدِيثِ nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : nindex.php?page=hadith&LINKID=964493قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَقِيتُ إِبْرَاهِيمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، أَقْرِئْ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلَامَ ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الْجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ ، عَذْبَةُ الْمَاءِ ، وَأَنَّهَا قِيعَانٌ ، وَأَنَّ غِرَاسَهَا سُبْحَانَ اللَّهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ ، قَالَ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ .
وَفِيهِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ قَالَ : nindex.php?page=hadith&LINKID=964494مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ ، غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الْجَنَّةِ ، قَالَ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، قَالُوا : فَلَوْ كَانَتْ مَخْلُوقَةً مَفْرُوغًا مِنْهَا لَمْ تَكُنْ قِيعَانًا ، وَلَمْ يَكُنْ لِهَذَا الْغِرَاسِ مَعْنًى .
قَالُوا : وَكَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى عَنِ امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ أَنَّهَا قَالَتْ : nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=11رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ [ التَّحْرِيمِ : 11 ] .
[ ص: 620 ] فَالْجَوَابُ : إِنَّكُمْ إِنْ أَرَدْتُمْ بِقَوْلِكُمْ إِنَّهَا الْآنَ مَعْدُومَةٌ بِمَنْزِلَةِ النَّفْخِ فِي الصُّوَرِ وَقِيَامِ النَّاسِ مِنَ الْقُبُورِ ، فَهَذَا بَاطِلٌ ، يَرُدُّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَدِلَّةِ وَأَمْثَالِهَا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ ، وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنَّهَا لَمْ يَكْمُلْ خَلْقُ جَمِيعِ مَا أَعَدَّ اللَّهُ فِيهَا لِأَهْلِهَا ، وَأَنَّهَا لَا يَزَالُ اللَّهُ يُحْدِثُ فِيهَا شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ ، وَإِذَا دَخَلَهَا الْمُؤْمِنُونَ أَحْدَثَ اللَّهُ فِيهَا عِنْدَ دُخُولِهِمْ أُمُورًا أُخَرَ - فَهَذَا حَقٌّ لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ ، وَأَدِلَّتُكُمْ هَذِهِ إِنَّمَا تَدُلُّ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ .
وَأَمَّا احْتِجَاجُكُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=88كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [ الْقَصَصِ : 88 ] فَأُتِيتُمْ مِنْ سُوءِ فَهْمِكُمْ مَعْنَى الْآيَةِ ، وَاحْتِجَاجُكُمْ بِهَا عَلَى عَدَمِ وُجُودِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ الْآنَ - نَظِيرُ احْتِجَاجِ إِخْوَانِكُمْ عَلَى فَنَائِهِمَا وَخَرَابِهِمَا وَمَوْتِ أَهْلِهِمَا ! ! فَلَمْ تُوَفَّقُوا أَنْتُمْ وَلَا إِخْوَانُكُمْ لِفَهْمِ مَعْنَى الْآيَةِ ، وَإِنَّمَا وُفِّقَ لِذَلِكَ أَئِمَّةُ الْإِسْلَامِ . فَمِنْ كَلَامِهِمْ : أَنَّ الْمُرَادَ كُلُّ شَيْءٍ مِمَّا كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْفَنَاءَ وَالْهَلَاكَ هَالِكٌ ، وَالْجَنَّةُ وَالنَّارُ خُلِقَتَا لِلْبَقَاءِ لَا لِلْفَنَاءِ ، وَكَذَلِكَ الْعَرْشُ ، فَإِنَّهُ سَقْفُ الْجَنَّةِ . وَقِيلَ : الْمُرَادُ إِلَّا مُلْكَهُ . وَقِيلَ : إِلَّا مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُهُ . وَقِيلَ : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ : " nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=26كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ [ الرَّحْمَنِ : 26 ] ، فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ : هَلَكَ أَهْلُ الْأَرْضِ ، وَطَمِعُوا فِي الْبَقَاءِ ، فَأَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ أَهْلِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَنَّهُمْ يَمُوتُونَ ، فَقَالَ : nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=88كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [ الْقَصَصِ : 88 ] ، لِأَنَّهُ حَيٌّ لَا يَمُوتُ ، فَأَيْقَنَتِ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ ذَلِكَ بِالْمَوْتِ . وَإِنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ تَوْفِيقًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ النُّصُوصِ الْمُحْكَمَةِ ، الدَّالَّةِ عَلَى بَقَاءِ الْجَنَّةِ ، وَعَلَى بَقَاءِ النَّارِ أَيْضًا ، عَلَى مَا يُذْكَرُ عَنْ قَرِيبٍ ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَقَوْلُهُ : " nindex.php?page=treesubj&link=30431_30386لَا تَفْنَيَانِ أَبَدًا وَلَا تَبِيدَانِ " - هَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْأَئِمَّةِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ .
[ ص: 621 ] وَقَالَ بِبَقَاءِ الْجَنَّةِ وَبِفَنَاءِ النَّارِ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ ، وَالْقَوْلَانِ مَذْكُورَانِ فِي كَثِيرٍ مِنْ كُتُبِ التَّفْسِيرِ وَغَيْرِهَا .
وَقَالَ بِفَنَاءِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ nindex.php?page=showalam&ids=15658الْجَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ إِمَامُ الْمُعَطِّلَةِ ، وَلَيْسَ لَهُ سَلَفٌ قَطُّ ، لَا مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَا مِنَ التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ ، وَلَا مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ، وَلَا مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ . وَأَنْكَرَهُ عَلَيْهِ عَامَّةُ أَهْلِ السُّنَّةِ ، وَكَفَّرُوهُ بِهِ ، وَصَاحُوا بِهِ وَبِأَتْبَاعِهِ مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ . وَهَذَا قَالَهُ لِأَصْلِهِ الْفَاسِدِ الَّذِي اعْتَقَدَهُ ، وَهُوَ امْتِنَاعُ وُجُودِ مَا لَا يَتَنَاهَى مِنَ الْحَوَادِثِ ! وَهُوَ عُمْدَةُ أَهْلِ الْكَلَامِ الْمَذْمُومِ ، الَّتِي اسْتَدَلُّوا بِهَا عَلَى حُدُوثِ الْأَجْسَامِ ، وَحُدُوثِ مَا لَمْ يَخْلُ مِنَ الْحَوَادِثِ ، وَجَعَلُوا ذَلِكَ عُمْدَتَهُمْ فِي حُدُوثِ الْعَالَمِ . فَرَأَى الْجَهْمُ أَنَّ مَا يَمْنَعُ مِنْ حَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا فِي الْمَاضِي ، يَمْنَعُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ! ! فَدَوَامُ الْفِعْلِ عِنْدَهُ عَلَى الرَّبِّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مُمْتَنِعٌ ، كَمَا هُوَ مُمْتَنِعٌ عِنْدَهُ عَلَيْهِ فِي الْمَاضِي ! ! nindex.php?page=showalam&ids=11922وَأَبُو الْهُذَيْلِ الْعَلَّافُ شَيْخُ الْمُعْتَزِلَةِ ، وَافَقَهُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ ، لَكِنْ قَالَ : إِنَّ هَذَا يَقْتَضِي فَنَاءَ الْحَرَكَاتِ ، فَقَالَ بِفَنَاءِ حَرَكَاتِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ، حَتَّى يَصِيرُوا فِي سُكُونٍ دَائِمٍ ، لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى حَرَكَةٍ ! ! وَقَدْ تَقَدَّمَ الْإِشَارَةُ إِلَى اخْتِلَافِ النَّاسِ فِي [ ص: 622 ] تَسَلْسُلِ الْحَوَادِثِ فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ دَوَامِ فَاعِلِيَّةِ الرَّبِّ تَعَالَى ، وَهُوَ لَمْ يَزَلْ رَبًّا قَادِرًا فَعَّالًا لِمَا يُرِيدُ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَزَلْ حَيًّا عَلِيمًا قَدِيرًا . وَمِنَ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ مُمْتَنِعًا عَلَيْهِ لِذَاتِهِ ، ثُمَّ يَنْقَلِبُ فَيَصِيرُ مُمْكِنًا لِذَاتِهِ ، مِنْ غَيْرِ تَجَدُّدِ شَيْءٍ ، وَلَيْسَ لِلْأَوَّلِ حَدٌّ مَحْدُودٌ حَتَّى يَصِيرَ الْفِعْلُ مُمْكِنًا لَهُ عِنْدَ ذَلِكَ الْحَدِّ ، وَيَكُونُ قَبْلَهُ مُمْتَنِعًا عَلَيْهِ . فَهَذَا الْقَوْلُ تَصَوُّرُهُ كَافٍ فِي الْجَزْمِ بِفَسَادِهِ . فَأَمَّا أَبَدِيَّةُ الْجَنَّةِ ، وَأَنَّهَا لَا تَفْنَى وَلَا تَبِيدُ ، فَهَذَا مِمَّا يُعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ بِهِ ، قَالَ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=108nindex.php?page=treesubj&link=28982وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ [ هُودٍ : 108 ] أَيْ غَيْرَ مَقْطُوعٍ ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَهُ : nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=108إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ .
وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ : فَقِيلَ : مَعْنَاهُ إِلَّا مُدَّةَ مُكْثِهِمْ فِي النَّارِ ، وَهَذَا يَكُونُ لِمَنْ دَخَلَ مِنْهُمْ إِلَى النَّارِ ثُمَّ أُخْرِجَ مِنْهَا ، لَا لِكُلِّهِمْ . وَقِيلَ : إِلَّا مَدَّةَ مُقَامِهِمْ فِي الْمَوْقِفِ . وَقِيلَ : إِلَّا مُدَّةَ مُقَامِهِمْ فِي الْقُبُورِ وَالْمَوْقِفِ .
وَقِيلَ : هُوَ اسْتِثْنَاءُ اسْتَثْنَاهُ الرَّبُّ وَلَا يَفْعَلُهُ ، كَمَا تَقُولُ : وَاللَّهِ لَأَضْرِبَنَّكَ إِلَّا أَنْ أَرَى غَيْرَ ذَلِكَ ، وَأَنْتَ لَا تَرَاهُ ، بَلْ تَجْزِمُ بِضَرْبِهِ .
وَقِيلَ : " إِلَّا " بِمَعْنَى الْوَاوِ ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِ بَعْضِ النُّحَاةِ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ . وَسِيبَوَيْهِ يَجْعَلُ " إِلَّا " بِمَعْنَى لَكِنْ ، فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعًا ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا خُلْفَ لِوَعْدِهِ ، وَقَدْ وَصَلَ الِاسْتِثْنَاءَ بِقَوْلِهِ : [ ص: 623 ] " nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=108عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ " . قَالُوا : وَنَظِيرُهُ أَنْ تَقُولَ : أَسْكَنْتُكَ دَارِي حَوْلًا إِلَّا مَا شِئْتُ ، أَيْ سِوَى مَا شِئْتُ ، أَوْ لَكِنْ مَا شِئْتُ مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ .
وَقِيلَ : الِاسْتِثْنَاءُ لِإِعْلَامِهِمْ ، بِأَنَّهُمْ مَعَ خُلُودِهِمْ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ ، لَا أَنَّهُمْ يَخْرُجُونَ عَنْ مَشِيئَتِهِ ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ عَزِيمَتَهُ وَجَزْمَهُ لَهُمْ بِالْخُلُودِ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : " nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=86وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا " [ الْإِسْرَاءِ : 86 ] وَقَوْلِهِ تَعَالَى : " nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=24فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ " [ الشُّورَى : 24 ] وَقَوْلِهِ : " nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=16قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ " [ يُونُسَ : 16 ] . وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ ، يُخْبِرُ عِبَادَهُ سُبْحَانَهُ أَنَّ الْأُمُورَ كُلَّهَا بِمَشِيئَتِهِ ، مَا شَاءَ كَانَ ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ .
وَقِيلَ : إِنَّ ( مَا ) بِمَعْنَى ( مَنْ ) أَيْ : إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ دُخُولَهُ النَّارَ بِذُنُوبِهِ مِنَ السُّعَدَاءِ . وَقِيلَ : غَيْرُ ذَلِكَ . وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ ، فَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ مِنَ الْمُتَشَابِهِ ، وَقَوْلُهُ : " nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=108عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ " مُحْكَمٌ . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : " nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=54إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ " [ ص : 54 ] . وَقَوْلُهُ : " nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=35أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا " [ الرَّعْدِ : 35 ] . وَقَوْلُهُ : nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=48وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ [ الْحِجْرِ : 48 ] .
وَقَدْ nindex.php?page=treesubj&link=19889_30386أَكَّدَ اللَّهُ خُلُودَ أَهْلِ الْجَنَّةِ بِالتَّأْبِيدِ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ مِنَ الْقُرْآنِ ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ : " nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=56لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى " [ الدُّخَانِ : 56 ] وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ ، وَإِذَا ضَمَمْتَهُ إِلَى الِاسْتِثْنَاءِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : [ ص: 624 ] " nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=107إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ " تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْآيَتَيْنِ اسْتِثْنَاءُ الْوَقْتِ الَّذِي لَمْ يَكُونُوا فِيهِ فِي الْجَنَّةِ مِنَ مُدَّةِ الْخُلُودِ ، كَاسْتِثْنَاءِ الْمَوْتَةِ الْأُولَى مِنْ جُمْلَةِ الْمَوْتِ ، فَهَذِهِ مَوْتَةٌ تَقَدَّمَتْ عَلَى حَيَاتِهِمُ الْأَبَدِيَّةِ ، وَذَاكَ مُفَارَقَةٌ لِلْجَنَّةِ تَقَدَّمَتْ عَلَى خُلُودِهِمْ فِيهَا .
وَالْأَدِلَّةُ مِنَ السُّنَّةِ عَلَى nindex.php?page=treesubj&link=30386أَبَدِيَّةِ الْجَنَّةِ وَدَوَامِهَا كَثِيرِةٌ : كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " nindex.php?page=hadith&LINKID=964495مَنْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ يَنْعَمْ وَلَا يَبْأَسْ ، وَيَخْلُدُ وَلَا يَمُوتُ . وَقَوْلِهِ : " يُنَادِي مُنَادٍ : nindex.php?page=hadith&LINKID=964496يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ ، إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلَا تَسْقَمُوا أَبَدًا ، وَأَنْ تَشِبُّوا فَلَا تَهْرَمُوا أَبَدًا ، وَأَنْ تَحْيَوْا فَلَا تَمُوتُوا أَبَدًا " .
وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ nindex.php?page=treesubj&link=30299ذَبْحِ الْمَوْتِ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ، وَيُقَالُ : nindex.php?page=hadith&LINKID=964497يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ ، خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ ، خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ .