الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولما انتهى الكلام عن الوقوف والحساب ، وتطاير الصحف والميزان للثواب أعقب ذلك بذكر الصراط فقال :


( ( كذا الصراط ثم حوض المصطفى فيا هنا لمن به نال الشفا ) )

( ( كذا ) ) أجزم بثبوت ( ( الصراط ) ) ، فإنه حق ثابت بلا شطاط ، وهو في اللغة الطريق الواضح ، ومنه قول جرير :


أمير المؤمنين على صراط     إذا اعوج الموارد مستقيم



وقول الآخر :


فصد عن نهج الطريق الواضح

والصراط بالصاد والسين المهملتين

وبالزاي على نزاع في إخلاصها ومضارعتها بين الصاد والزاي من سرطت الشيء بكسر الراء إذا ابتلعته لأنه يبتلع المارة كما أن الطريق كذلك ، أي يغيبهم ، وفي الشرع جسم ممدود على متن جهنم يرده الأولون والآخرون ، فهو قنطرة جهنم بين الجنة والنار ، وخلق من حين خلقت جهنم .

قال القرطبي في تذكرته :

اعلم رحمك الله تعالى أن في الآخرة صراطين أحدهما مجاز لأهل المحشر كلهم ثقيلهم وخفيفهم إلا من دخل الجنة بغير حساب ، وإلا من يلتقطه عنق من النار ، فإذا خلص من خلص من هذا الصراط الأكبر الذي ذكرناه ، ولا يخلص عنه إلا المؤمنون الذين علم الله منهم أن القصاص لا يستنفد حسناتهم حبسوا على صراط خاص لهم ، ولا يرجع إلى النار من هؤلاء أحد إن شاء الله تعالى لأنهم قد عبروا الصراط الأول المضروب على متن جهنم التي يسقط فيها من أبقته ذنوبه ، وزاد على الحساب [ ص: 190 ] جرمه وعيوبه ، فقد أخرج البخاري ، والإسماعيلي في مشيخته واللفظ له ، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه الآية : ( ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين ) قال :

" يخلص المؤمنون من النار ، فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار ، فيقتص بعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا ، حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة ، فوالذي نفس محمد بيده لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله في الدنيا "
قال قتادة : كان يقال : ما يشبه بهم إلا أهل الجمعة انصرفوا من جمعتهم ، قال القرطبي : هذا في حق من لم يدخل النار من عصاة الموحدين ، أما من دخلها ثم أخرج فإنهم لا يحبسون ، بل إذا خرجوا بثوا على أنهار الجنة .

وقال الحافظ ابن حجر : قوله :

يخلص المؤمنون من النار : أي ينجون من السقوط فيها بمجاوزة الصراط فيها ، قال :

واختلف في القنطرة المذكورة ، فقيل : إنها من تتمة الصراط ، وهي طرفه الذي يلي الجنة ، وقيل إنها صراط آخر ، وبه جزم القرطبي .

قال الحافظ جلال الدين السيوطي في كتابه البدور السافرة في علوم الآخرة : والأول يعني أنه طرف الصراط الذي يلي الجنة هو المختار الذي دلت عليه أحاديث القناطر والحساب على الصراط . انتهى

التالي السابق


الخدمات العلمية