الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة

                                                                                                                                                                                                                                      المؤتفكات : المنقلبات ، وهي قرى قوم لوط .

                                                                                                                                                                                                                                      وتقدم للشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - تفصيل ذلك ، عند قوله تعالى في ( هود ) فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها الآية [ 11 \ 82 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي ( النجم ) عند قوله تعالى : والمؤتفكة أهوى [ 53 \ 53 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      تنبيه .

                                                                                                                                                                                                                                      نص تعالى هنا أن فرعون ومن قبله ، والمؤتفكات جاءوا بالخاطئة ، وهي : فعصوا رسول ربهم [ 69 \ 10 ] ، وكذلك عاد وثمود كذبوا بالقارعة . فالجميع اشترك في الخاطئة ، وهي عصيان الرسول فعصى فرعون الرسول [ 73 \ 16 ] ، ولكنه قد أخذهم أخذة رابية .

                                                                                                                                                                                                                                      ونوع في أخذهم ذلك : فأغرق فرعون وقوم نوح ، وأخذ ثمود بالصيحة ، وعادا بريح ، وقوم لوط بقلب قراهم ، كما أخذ جيش أبرهة بطير أبابيل ، فهل في ذلك مناسبة بين كل أمة وعقوبتها ، أم أنه للتنويع في العقوبة; لبيان قدرته تعالى وتنكيله بالعصاة لرسل الله .

                                                                                                                                                                                                                                      الواقع أن أي نوع من العقوبة فيه آية على القدرة ، وفيه تنكيل بمن وقع بهم ، ولكن تخصيص كل أمة بما وقع عليها يثير تساؤلا ، ولعل مما يشير إليه القرآن إشارة خفيفة هو [ ص: 259 ] الآتي .

                                                                                                                                                                                                                                      أما فرعون ، فقد كان يقول : أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي [ 43 \ 51 ] ، فلما كان يتطاول بها جعل الله هلاكه فيها ، أي : في جنسها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأما قوم نوح ، فلما يئس منهم بعد ألف سنة إلا خمسين عاما ، وأصبحوا لا يلدون إلا فاجرا كفارا ، فلزم تطهير الأرض منهم ، ولا يصلح لذلك إلا الطوفان .

                                                                                                                                                                                                                                      وأما ثمود ، فأخذوا بالصيحة الطاغية ، لأنهم نادوا صاحبهم فتعاطى فعقر ، فلما كان نداؤهم صاحبهم سببا في عقر الناقة ، كان هلاكهم بالصيحة الطاغية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأما عاد ، فلطغيانهم بقوتهم ، كما قال تعالى فيهم : ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد [ 89 \ 6 - 8 ] ، وسواء عماد بيوتهم وقصورهم ، فهو كناية عن طول أجسامهم ، ووفرة أموالهم ، وتوافر القوة عندهم ، فأخذوا بالريح ، وهو أرق وألطف ما يكون ، مما لم يكونوا يتوقعون منه أية مضرة ولا شدة .

                                                                                                                                                                                                                                      وكذلك جيش أبرهة ، لما جاء مدل بعدده وعدته ، وجاء معه بالفيل أقوى الحيوانات ، سلط الله عليه أضعف المخلوقات : الطيور وأرسل عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل [ 105 \ 3 - 4 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      أما قوم لوط ، فلكونهم قلبوا الأوضاع بإتيان الذكور دون الإناث ، فكان الجزاء من جنس العمل ، قلب الله عليهم قراهم . والعلم عند الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                      ولا شك أن في ذلك كله تخويفا لقريش .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية