إسلام ويب - مجموع فتاوى ابن تيمية - الفقه - الصلاة - باب صلاة التطوع - مسألة هل الأفضل لمن يحفظ القرآن تلاوته أم التسبيح والذكر وما عداه- الجزء رقم23
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
وسئل عمن يحفظ القرآن : أيما أفضل له تلاوة القرآن مع أمن النسيان ؟ أو التسبيح وما عداه من الاستغفار والأذكار في سائر الأوقات ؟ مع علمه بما ورد في " الباقيات الصالحات " و " التهليل " و " لا حول ولا قوة إلا بالله " و " سيد الاستغفار " " وسبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم " .
فأجاب : الحمد لله . جواب هذه المسألة ونحوها مبني على أصلين : فالأصل الأول أن nindex.php?page=treesubj&link=24582_28894جنس تلاوة القرآن أفضل من جنس الأذكار كما أن nindex.php?page=treesubj&link=24582جنس الذكر أفضل من جنس الدعاء كما في الحديث الذي في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=599217nindex.php?page=treesubj&link=24582أفضل الكلام بعد القرآن أربع وهن من القرآن سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر } [ ص: 57 ] وفي الترمذي عن أبي سعيد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=36618من شغله قراءة القرآن عن ذكري ومسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين } " وكما في الحديث الذي في السنن في الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=599218فقال : إني لا أستطيع أن آخذ شيئا من القرآن فعلمني ما يجزئني في صلاتي . قال : قل : سبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر } ولهذا كانت القراءة في الصلاة واجبة فإن الأئمة لا تعدل عنها إلى الذكر إلا عند العجز . والبدل دون المبدل منه .
وأيضا : nindex.php?page=treesubj&link=18638فالقراءة تشترط لها الطهارة الكبرى دون الذكر والدعاء وما لم يشرع إلا على الحال الأكمل فهو أفضل كما أن الصلاة لما اشترط لها الطهارتان كانت أفضل من مجرد القراءة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=599219استقيموا ولن تحصوا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة } ولهذا نص العلماء على أن أفضل تطوع البدن الصلاة .
وأيضا فما يكتب فيه القرآن لا يمسه إلا طاهر . وقد حكي إجماع العلماء على أن القراءة أفضل ; لكن طائفة من الشيوخ رجحوا الذكر . ومنهم من زعم أنه أرجح في حق المنتهى المجتهد كما ذكر ذلك أبو حامد في كتبه ومنهم من قال : هو أرجح في حق المبتدئ السالك وهذا أقرب إلى الصواب .
[ ص: 58 ] وتحقيق ذلك يذكر في الأصل الثاني وهو : أن العمل المفضول قد يقترن به ما يصيره أفضل من ذلك وهو نوعان : ( أحدهما ما هو مشروع لجميع الناس .
( والثاني ما يختلف باختلاف أحوال الناس . أما الأول فمثل أن يقترن إما بزمان أو بمكان أو عمل يكون أفضل : مثل ما بعد الفجر والعصر ونحوهما من أوقات النهي عن الصلاة ; فإن القراءة والذكر والدعاء أفضل في هذا الزمان وكذلك الأمكنة التي نهي عن الصلاة فيها : كالحمام وأعطان الإبل والمقبرة فالذكر والدعاء فيها أفضل وكذلك الجنب : الذكر في حقه أفضل والمحدث : القراءة والذكر في حقه أفضل فإذا كره الأفضل في حال حصول مفسدة كان المفضول . هناك أفضل ; بل هو المشروع .
وكذلك حال الركوع والسجود فإنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=38769نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا أما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم } . وقد اتفق العلماء على كراهة nindex.php?page=treesubj&link=1570القراءة في الركوع والسجود وتنازعوا في بطلان الصلاة بذلك على قولين هما وجهان في مذهب الإمام أحمد وذلك تشريفا للقرآن وتعظيما له أن لا يقرأ [ ص: 59 ] في حال الخضوع والذل كما كره أن يقرأ مع الجنازة وكما كره أكثر العلماء قراءته في الحمام .
وما بعد التشهد هو حال الدعاء المشروع بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأمره . والدعاء فيه أفضل ; بل هو المشروع دون القراءة والذكر وكذلك الطواف وبعرفة ومزدلفة وعند رمي الجمار : المشروع هناك هو الذكر والدعاء . وقد تنازع العلماء في nindex.php?page=treesubj&link=3545القراءة في الطواف هل تكره أم لا تكره ؟ على قولين مشهورين .
( والنوع الثاني أن يكون العبد عاجزا عن العمل الأفضل ; إما عاجزا عن أصله كمن لا يحفظ القرآن ولا يستطيع حفظه كالأعرابي الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم أو عاجزا عن فعله على وجه الكمال مع قدرته على فعل المفضول على وجه الكمال . ومن هنا قال من قال : إن الذكر أفضل من القرآن ; فإن الواحد من هؤلاء قد يخبر عن حاله وأكثر السالكين بل العارفين منهم إنما يخبر أحدهم عما ذاقه ووجده لا يذكر أمرا عاما للخلق ; إذ المعرفة تقتضي أمورا معينة جزئية والعلم يتناول أمرا عاما كليا فالواحد من هؤلاء يجد في الذكر من اجتماع قلبه وقوة إيمانه واندفاع الوسواس عنه ومزيد السكينة والنور والهدى : ما لا يجده في قراءة القرآن ; بل إذا قرأ القرآن لا يفهمه أو لا يحضر قلبه وفهمه ويلعب عليه الوسواس [ ص: 60 ] والفكر كما أن من الناس من يجتمع قلبه في قراءة القرآن وفهمه وتدبره ما لا يجتمع في الصلاة ; بل يكون في الصلاة بخلاف ذلك وليس كل ما كان أفضل يشرع لكل أحد بل كل واحد يشرع له أن يفعل ما هو أفضل له .
فمن الناس من تكون الصدقة أفضل له من الصيام وبالعكس وإن كان جنس الصدقة أفضل . ومن الناس من يكون الحج أفضل له من الجهاد كالنساء وكمن يعجز عن الجهاد وإن كان جنس الجهاد أفضل . قال النبي صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=599220الحج جهاد كل ضعيف } ونظائر هذا متعددة .