الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

قال : وهو على ثلاث درجات . كلها تسير مسير العامة . الدرجة الأولى : التوكل مع الطلب ، ومعاطاة السبب على نية شغل النفس بالسبب مخافة ، ونفع الخلق ، وترك الدعوى .

يقول : إن صاحب هذه الدرجة يتوكل على الله . ولا يترك الأسباب . بل يتعاطاها على نية شغل النفس بالسبب ، مخافة أن تفرغ فتشتغل بالهوى والحظوظ . فإن لم يشغل نفسه بما ينفعها شغلته بما يضره . لا سيما إذا كان الفراغ مع حدة الشباب ، وملك الجدة ، وميل النفس إلى الهوى ، وتوالي الغفلات . كما قيل :


إن الشباب والفراغ والجده مفسدة للمرء أي مفسده

ويكون أيضا قيامه بالسبب على نية نفع النفس ، ونفع الناس بذلك . فيحصل له نفع نفسه ونفع غيره .

وأما تضمن ذلك لترك الدعوى فإنه إذا اشتغل بالسبب تخلص من إشارة الخلق إليه ، الموجبة لحسن ظنه بنفسه ، الموجب لدعواه . فالسبب ستر لحاله ومقامه . وحجاب مسبل عليه .

ومن وجه آخر ، وهو أن يشهد به فقره وذله ، وامتهانه امتهان العبيد والفعلة . فيتخلص من رعونة دعوى النفس ، فإنه إذا امتهن نفسه بمعاطاة الأسباب سلم من هذه الأمراض .

[ ص: 130 ] فيقال : إذا كانت الأسباب مأمورا بها ففيها فائدة أجل من هذه الثلاث . وهي المقصودة بالقصد الأول ، وهذه مقصودة قصد الوسائل . وهي القيام بالعبودية والأمر الذي خلق له العبد ، وأرسلت به الرسل ، وأنزلت لأجله الكتب . وبه قامت السماوات والأرض . وله وجدت الجنة والنار .

فالقيام بالأسباب المأمور بها محض العبودية . وحق الله على عبده الذي توجهت به نحوه المطالب . وترتب عليه الثواب والعقاب . والله سبحانه أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية