الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 589 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء ( 27 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : ( يثبت الله الذين آمنوا ) ، يحقق الله أعمالهم وإيمانهم ( بالقول الثابت ) ، يقول : بالقول الحق ، وهو - فيما قيل - شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله .

وأما قوله : ( في الحياة الدنيا ) ، فإن أهل التأويل اختلفوا فيه ، فقال بعضهم : عنى بذلك أن الله يثبتهم في قبورهم قبل قيام الساعة .

ذكر من قال ذلك :

20758 - حدثني أبو السائب سلم بن جنادة قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن سعد بن عبيدة ، عن البراء بن عازب ، في قوله : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا ) ، قال : التثبيت في الحياة الدنيا إذا أتاه الملكان في القبر فقالا له : من ربك؟ فقال : ربي الله . فقالا له : ما دينك؟ قال : ديني الإسلام . فقالا له : من نبيك؟ قال : نبيي محمد صلى الله عليه وسلم . فذلك التثبيت في الحياة الدنيا . [ ص: 590 ]

20759 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا جابر بن نوح ، عن الأعمش ، عن سعد بن عبيدة ، عن البراء بن عازب ، بنحو منه في المعنى .

20760 - حدثني عبد الله بن إسحاق الناقد الواسطي قال : حدثنا وهب بن جرير قال : حدثنا شعبة ، عن علقمة بن مرثد ، عن سعد بن عبيدة ، عن البراء قال : ذكر النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن والكافر ، فقال : إن المؤمن إذا سئل في قبره قال : ربي الله ، فذلك قوله : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) . [ ص: 591 ]

20761 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا هشام بن عبد الملك قال : حدثنا شعبة قال : أخبرني علقمة بن مرثد قال : سمعت سعد بن عبيدة ، عن البراء بن عازب : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن المسلم إذا سئل في القبر فيشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله . قال : فذلك قوله : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) .

20762 - حدثني الحسين بن سلمة بن أبي كبشة ، ومحمد بن معمر البحراني واللفظ لحديث ابن أبي كبشة قالا حدثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو قال : حدثنا عباد بن راشد ، عن داود بن أبي هند ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فقال : [ ص: 592 ] يا أيها الناس ، إن هذه الأمة تبتلى في قبورها ، فإذا الإنسان دفن وتفرق عنه أصحابه ، جاءه ملك بيده مطراق فأقعده فقال : ما تقول في هذا الرجل؟ فإن كان مؤمنا قال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله . فيقول له : صدقت . فيفتح له باب إلى النار فيقال : هذا منزلك لو كفرت بربك ، فأما إذ آمنت به ، فإن الله أبدلك به هذا . ثم يفتح له باب إلى الجنة ، فيريد أن ينهض له ، فيقال له : اسكن . ثم يفسح له في قبره . وأما الكافر أو المنافق فيقال له : ما تقول في هذا الرجل؟ فيقول : ما أدري! فيقال له : لا دريت ولا تدريت ولا اهتديت! ثم يفتح له باب إلى الجنة فيقال له : هذا كان منزلك لو آمنت بربك ، فأما إذ كفرت فإن الله أبدلك هذا . ثم يفتح له باب إلى النار ، ثم يقمعه الملك بالمطراق قمعة يسمعه خلق الله كلهم إلا الثقلين . قال بعض أصحابه : يا رسول الله ، ما منا أحد يقوم على رأسه ملك بيده مطراق إلا هيل عند ذلك! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء ) . [ ص: 593 ]

20763 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن الأعمش ، عن المنهال ، عن زاذان ، عن البراء : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : وذكر قبض روح المؤمن : فتعاد روحه في جسده ، ويأتيه ملكان فيجلسانه ، يعني في قبره ، فيقولان : من ربك؟ فيقول : ربي الله . فيقولان : ما دينك؟ فيقول ديني الإسلام . فيقولان له : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول : هو رسول الله . فيقولان : ما يدريك؟ فيقول : قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت . فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي . [ ص: 594 ] قال : فذلك قول الله عز وجل ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) .

20764 - حدثني أبو السائب قال : حدثنا أبو معاوية قال : حدثنا الأعمش ، عن المنهال ، عن زاذان ، عن البراء ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بنحوه .

20765 - حدثنا ابن حميد وابن وكيع قالا حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن المنهال ، عن زاذان ، عن البراء ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بنحوه . [ ص: 595 ]

20766 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا ابن نمير قال : حدثنا الأعمش قال : حدثنا المنهال بن عمرو ، عن زاذان ، عن البراء ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بنحوه .

20767 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا الحكم بن بشير قال : حدثنا عمرو بن قيس ، عن يونس بن خباب ، عن المنهال ، عن زاذان ، عن البراء بن عازب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، نحوه .

20768 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر وحدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا سعيد بن منصور قال : حدثنا مهدي بن ميمون جميعا عن يونس بن خباب ، عن المنهال بن عمرو ، عن زاذان ، عن البراء بن عازب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذكر قبض روح المؤمن! قال : فيأتيه آت في قبره فيقول : من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيقول : ربي الله ، وديني الإسلام ، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم . فينتهره فيقول : من ربك؟ وما دينك؟ فهي آخر فتنة تعرض على المؤمن ، فذلك حين يقول الله عز وجل : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) ، ، فيقول : ربي الله ، وديني الإسلام ، ونبيي محمد صلى الله [ ص: 596 ] عليه وسلم . فيقال له : صدقت - واللفظ لحديث ابن عبد الأعلى .

20769 - حدثنا محمد بن خلف العسقلاني قال : حدثنا آدم قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) ، قال : ذاك إذا قيل في القبر : من ربك؟ وما دينك؟ فيقول : ربي الله ، وديني الإسلام ، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم ، جاء بالبينات من عند الله فآمنت به وصدقت . فيقال له : صدقت ، على هذا عشت ، وعليه مت ، وعليه تبعث .

20770 - حدثنا مجاهد بن موسى ، والحسن بن محمد قالا حدثنا يزيد قال : أخبرنا محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : إن الميت ليسمع خفق نعالهم حين يولون عنه مدبرين . فإذا كان مؤمنا ، كانت الصلاة عند رأسه ، والزكاة عن يمينه ، وكان الصيام عن يساره ، وكان فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس عند رجليه ، فيؤتى من عند رأسه فتقول الصلاة : ما قبلي مدخل . فيؤتى عن يمينه فتقول الزكاة : ما قبلي مدخل . فيؤتى عن يساره فيقول الصيام : ما قبلي مدخل . فيؤتى من عند رجليه فيقول فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس : ما قبلي [ ص: 597 ] مدخل . فيقال له : اجلس؛ فيجلس ، قد تمثلت له الشمس قد دنت للغروب ، فيقال له : أخبرنا عما نسألك . فيقول : دعوني حتى أصلي . فيقال : إنك ستفعل ، فأخبرنا عما نسألك عنه! فيقول : وعم تسألون؟ فيقال : أرأيت هذا الرجل الذي كان فيكم ، ماذا تقول فيه ، وماذا تشهد به عليه؟ فيقول : أمحمد؟ فيقال له : نعم . فيقول أشهد أنه رسول الله ، وأنه جاء بالبينات من عند الله ، فصدقناه . فيقال له : على ذلك حييت ، وعلى ذلك مت ، وعلى ذلك تبعث إن شاء الله . ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا وينور له فيه ، ثم يفتح له باب إلى الجنة فيقال له : انظر إلى ما أعد الله لك فيها ، فيزداد غبطة وسرورا ، ثم يفتح له باب إلى النار فيقال له : انظر ما صرف الله عنك لو عصيته! فيزداد غبطة وسرورا . ثم يجعل نسمه في النسم الطيب ، وهي طير خضر تعلق بشجر الجنة ، ويعاد جسده إلى ما بدئ منه من التراب ، وذلك قول الله تعالى : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) .

20771 - حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا أبو قطن قال : حدثنا المسعودي ، عن عبد الله بن مخارق ، عن أبيه ، عن عبد الله قال : إن المؤمن [ ص: 598 ] إذا مات أجلس في قبره ، فيقال له : من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيثبته الله فيقول : ربي الله ، وديني الإسلام ، ونبيي محمد . قال : فقرأ عبد الله : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) . [ ص: 599 ]

20772 - حدثنا الحسن قال : حدثنا أبو خالد القرشي ، عن سفيان ، عن أبيه وحدثنا أحمد قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا سفيان ، عن أبيه ، عن خيثمة ، عن البراء ، في قوله : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا ) ، قال : عذاب القبر .

20773 - حدثنا الحسن قال : حدثنا عفان قال : حدثنا شعبة ، عن علقمة بن مرثد ، عن سعد بن عبيدة ، عن البراء ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، في قول الله تعالى : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) ، قال شعبة شيئا لم أحفظه ، قال : في القبر .

20774 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت ) ، إلى قوله : ( ويضل الله الظالمين ) ، قال : إن المؤمن إذا حضره الموت شهدته الملائكة ، فسلموا عليه وبشروه بالجنة ، فإذا مات مشوا في جنازته [ ص: 600 ] ثم صلوا عليه مع الناس ، فإذا دفن أجلس في قبره فيقال له : من ربك؟ فيقول : ربي الله . ويقال له : من رسولك؟ فيقول : محمد . فيقال له : ما شهادتك؟ فيقول : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله . فيوسع له في قبره مد بصره .

20775 - حدثنا الحسن قال : حدثنا حجاج قال : قال ابن جريج ، سمعت ابن طاوس يخبر عن أبيه قال : لا أعلمه إلا قال : هي في فتنة القبر ، في قوله : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت ) .

20776 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير عن العلاء بن المسيب ، عن أبيه أنه كان يقول في هذه الآية : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) ، هي في صاحب القبر .

20777 - حدثني المثنى قال : حدثنا عمرو بن عون قال : أخبرنا هشيم ، عن العوام ، عن المسيب بن رافع : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) ، قال : نزلت في صاحب القبر .

20778 - حدثنا أحمد قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا عباد بن العوام ، عن العلاء بن المسيب ، عن أبيه المسيب بن رافع ، نحوه .

20779 - حدثني المثنى قال : أخبرنا إسحاق قال : حدثنا عبد الرحمن بن سعد قال : أخبرنا أبو جعفر الرازي ، عن الربيع ، في قول الله تعالى : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) ، قال : بلغنا أن هذه الأمة تسأل في قبورها ، فيثبت الله المؤمن في قبره حين يسأل .

20780 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو ربيعة فهد قال : حدثنا أبو عوانة ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن زاذان ، عن البراء بن عازب [ ص: 601 ] قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذكر قبض روح المؤمن ، قال : فترجع روحه في جسده ، ويبعث الله إليه ملكين شديدي الانتهار ، فيجلسانه وينتهرانه ، يقولان : من ربك؟ قال : فيقول : الله . وما دينك؟ قال : الإسلام . قال : فيقولان له : ما هذا الرجل - أو النبي - الذي بعث فيكم؟ فيقول : محمد رسول الله . قال : فيقولان له : وما يدريك؟ قال : فيقول : قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت! فذلك قول الله : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) .

20781 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) ، قال : نزلت في الميت الذي يسأل في قبره عن النبي صلى الله عليه وسلم .

20782 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : في قول الله : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) ، قال : بلغنا أن هذه الأمة تسأل في قبورها ، فيثبت الله المؤمن حيث يسأل .

20783 - حدثنا أحمد قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا شريك ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن مجاهد : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا ) [ ص: 602 ] قال : هذا في القبر مخاطبته ، وفي الآخرة مثل ذلك .

وقال آخرون : معنى ذلك : يثبت الله الذين آمنوا بالإيمان في الحياة الدنيا ، وهو "القول الثابت" "وفي الآخرة" المسألة في القبر .

ذكر من قال ذلك :

20784 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا ) ، قال : لا إله إلا الله ( وفي الآخرة ) ، المسألة في القبر .

20785 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا ) ، أما "الحياة الدنيا" فيثبتهم بالخير والعمل الصالح ، وقوله : ( وفي الآخرة ) ، أي في القبر .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك ما ثبت به الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ، وهو أن معناه : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا ) ، وذلك تثبيته إياهم في الحياة الدنيا بالإيمان بالله وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم ( وفي الآخرة ) بمثل الذي ثبتهم به في الحياة الدنيا ، وذلك في قبورهم حين يسألون عن الذي هم عليه من التوحيد والإيمان برسوله صلى الله عليه وسلم .

وأما قوله : ( ويضل الله الظالمين ) ، فإنه يعني أن الله لا يوفق المنافق والكافر في الحياة الدنيا وفي الآخرة عند المساءلة في القبر ، لما هدى له من الإيمان المؤمن بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم . [ ص: 603 ]

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

20786 - حدثنا محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : أما الكافر فتنزل الملائكة إذا حضره الموت ، فيبسطون أيديهم - و "البسط" هو الضرب - يضربون وجوههم وأدبارهم عند الموت . فإذا أدخل قبره أقعد فقيل له : من ربك؟ فلم يرجع إليهم شيئا ، وأنساه الله ذكر ذلك . وإذا قيل له : من الرسول الذي بعث إليك؟ لم يهتد له ، ولم يرجع إليه شيئا ، يقول الله : ( ويضل الله الظالمين ) .

20787 - حدثني المثنى قال : حدثنا فهد بن عوف ، أبو ربيعة قال : حدثنا أبو عوانة ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن زاذان ، عن البراء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذكر الكافر حين تقبض روحه ، قال : فتعاد روحه في جسده . قال : فيأتيه ملكان شديدا الانتهار ، فيجلسانه فينتهرانه فيقولان له : من ربك؟ فيقول : لا أدري؟ قال فيقولان له : ما دينك؟ فيقول : لا أدري ، قال : فيقال له : ما هذا النبي الذي بعث فيكم؟ قال : فيقول : سمعت الناس يقولون ذلك ، لا أدري . قال : فيقولان : لا دريت . قال : وذلك قول الله : ( ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء ) .

وقوله : ( ويفعل الله ما يشاء ) ، يعني تعالى ذكره بذلك : وبيد الله الهداية والإضلال ، فلا تنكروا ، أيها الناس ، قدرته ، ولا اهتداء من كان منكم ضالا ولا ضلال من كان منكم مهتديا ، فإن بيده تصريف خلقه وتقليب قلوبهم ، يفعل فيهم ما يشاء .

التالي السابق


الخدمات العلمية