الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          ولا يجوز أن يقيم الحد إلا الإمام أو نائبه إلا السيد ، فإن له إقامة الحد بالجلد خاصة على رقيقه القن ، وهل له القتل في الردة ، والقطع في السرقة ؛ على روايتين . ولا يملك إقامته على مكاتبه ، ولا من بعضه حر ، ولا أمته المزوجة ، وإن كان السيد فاسقا أو امرأة فله إقامته في ظاهر كلامه ، ويحتمل ألا يملكه ، ولا يملكه المكاتب ، ويحتمل أن يملكه ، وسواء ثبت ببينة أو إقرار ، وإن ثبت بعلمه ، فله إقامته ، نص عليه ، ويحتمل ألا يملكه كالإمام ، ولا يقيم الإمام الحد بعلمه .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( ولا يجوز أن يقيم الحد إلا الإمام أو نائبه ) لأنه حق لله تعالى ، ويفتقر إلى اجتهاد ، ولا يؤمن معه الحيف فوجب تفويضه إلى نائب الله في [ ص: 44 ] خلقه ، ولأنه عليه السلام كان يقيم الحدود في حياته ، وخلفاؤه من بعده ، واختار الشيخ تقي الدين : إلا لقرينة كتطلب الإمام له ليقتله ، وعلى الأول : لو أقامه غيره لم يضمنه نص عليه ، لكنه تعدى على الإمام ، وذلك لا يوجب ضمانا كالمرتد ، ولا يلزم الإمام حضور إقامته ، لقوله : واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها ، ولغيره .

                                                                                                                          فرع : من أقام على نفسه ما لزمه من حد زنا أو قذف بإذن إمام أو نائبه لم يسقط عنه ، قاله ابن حمدان ( إلا السيد ) الحر المكلف العالم ( فإن له إقامة الحد بالجلد خاصة على رقيقه القن ) أي : الكامل رقه في قول عامتهم ، لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد ولا يثرب عليها متفق عليه . وعن علي مرفوعا : أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم رواه أحمد ، وأبو داود ، والدارقطني . ولأن للسيد تأديب أمته بتزويجها ، فملك إقامة الحد عليها كالسلطان ، وبهذا فارق الصبي ، وعنه : ليس له ذلك ، لأنه يفتقر إلى اجتهاد فلم يملكه ، كالقطع وحد الحر ، وعلى الأول : له سماع بينة والعمل بها إن عرف شروطها ، وإلا سمعها الحاكم أو سيده بإذنه ، وقيل : لا يسمعه غير حاكم ، قدمه في الكافي والشرح ( وهل له القتل في الردة ، والقطع في السرقة ؛ على روايتين ) إحداهما : لا يملكه ، قدمه في الكافي ، ونصره في الشرح ، وذكر أنه قول أكثر أهل العلم ، لأنه عليه السلام إنما أمر بالجلد فلا يثبت في غيره ، ولأن في الجلد سترا على رقيقه ، لئلا يفتضح بإقامة الإمام له فتنقص قيمته ، وذلك منتف فيهما ، والثانية : له ذلك لأن عمر قطع [ ص: 45 ] عبدا له سرق ، وحفصة قتلت أمة لها سحرتها ( ولا يملك إقامته على مكاتبه ) قطع به في : المغني ، والوجيز ، والآدمي ، وابن عبدوس ، وغيرهم ، لأنه معه كالأجنبي ، وفيه وجه وذكره بعضهم المذهب ، لأنه عبد ( ولا من بعضه حر ) لأنه ليس له ولاية على كله ، والحد تصرف في الكل ( ولا أمته المزوجة ) نص عليه لقول ابن عمر ، ولا مخالف له في الصحابة ، لأنه لم يكمل ، أشبه من بعضه حر ، وفيها وجه صححه الحلواني ، ونقل مهنا : إن كانت ثيبا ، ونقل ابن منصور : إن كانت محصنة فالسلطان ، وإنه لا يبيعها حتى تحد ، ويخرج في مرهونة ومستأجرة وجهان ، وجعل في الانتصار وغيره مرهونة ومكاتبة أصلا كمزوجة ( وإن كان السيد فاسقا أو امرأة فله إقامته في ظاهر كلامه ) لأنها ولاية ثبتت بالملك أشبهت ولاية التأديب ، والمرأة تامة الملك من أهل التصرفات ، أشبهت الرجل ، ولأن فاطمة جلدت أمة لها ، وعائشة قطعت أمة لها سرقت ( ويحتمل ألا يملكه ) لأنها ولاية ، وليسا من أهلها ، فعلى هذا يختص بالذكر العدل ، وقيل : يقيمه ولي امرأة ، وهل للوصي حد رقيق موليه ؛ فيه وجهان ( ولا يملكه المكاتب ) صححه في المستوعب وغيره ، لأنه ليس من أهل الولاية ، وملكه على عبده ناقص ، بدليل أنه لا تجب عليه الزكاة ( ويحتمل أن يملكه ) لأنه يستفاد بالملك أشبه تصرفاته ( وسواء ثبت ببينة أو إقرار ) إن كان يعلم شروطه ، لأن كل واحد منهما حجة في ثبوته ، فوجب ألا يختلف حال السيد فيه ، فعلى هذا للسيد أن يسمع إقراره ويقيم الحد عليه ، ويقدم سماع البينة ( وإن ثبت بعلمه فله [ ص: 46 ] إقامته ، نص عليه ) لأنه قد ثبت عنده ، فملك إقامته كما لو أقر به ، ولأنه يملك تأديبه بعلمه ، فكذا هنا ( ويحتمل ألا يملكه كالإمام ) هذا رواية ، واختارها القاضي ، لأن ولاية الإمام للحد أقوى من ولاية السيد ، لكونها متفقا عليها ، فإذا لم يثبت الحد بالعلم ، فهاهنا ، أولى ولأن الحاكم متهم ( ولا يقيم الإمام الحد بعلمه ) لقوله تعالى : فاستشهدوا عليهن أربعة منكم ثم قال : فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون [ النور : 13 ] ولأنه متهم في حكمه بعلمه ، وذلك شبهة يدرأ بها الحد .

                                                                                                                          مسألة : نقل الميموني وجوب بيع رقيق زنى في رابعة ، قال الشيخ تقي الدين : إن عصى الرقيق علانية أقام السيد عليه الحد ، وإن عصى سرا فينبغي ألا تجب عليه إقامته ، بل يتخير بين ستره واستتابته بحسب المصلحة في ذلك ، كما تخير الشهود على إقامة الحد عند الإمام وبين الستر على المشهود عليه واستتابته بحسب المصلحة ، فإن ترجح عنده أنه يتوب ستروه ، وإن كان في ترك إقامة الحد عليه ضرر للناس ، كان الراجح رفعه إلى الإمام .



                                                                                                                          الخدمات العلمية