الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          بعد ذكر هذا الخلق؛ وهذا التكوين العجيب؛ والإشارة إلى خلق الله (تعالى) الوجود كله في أدواره المحكمة؛ أعاد بيان حال المشركين في مكة؛ التي يتعلقون بألفاظ يدورون حولها غير متعقلين؛ ولا مدركين؛ فقال - عز من قائل -: وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا ؛ لم يكونوا يذكرون الله (تعالى) بلفظ الرحمن؛ فهم لا يعرفونه إلا باسم " الله " (تعالى)؛ فلما ذكره باسم " الرحمن " ؛ استنكروا هذا الاسم؛ وكأنهم لا يقرونه؛ قالوا: وما الرحمن ؛ الواو عاطفة على محذوف؛ كأنهم يقولون: سمعنا قولك من قبل؛ وما هذا الذي تريده وتسميه " الرحمن " ؟ كأنهم يحسبون أنه شيء غير الله (تعالى)؛ أتريد أن نسجد لما تأمرنا؛ وكأنهم يقولون: تأمرنا بألا نعبد إلا الله؛ ولا نشرك به شيئا؛ وتريد أن تأمرنا أيضا بأن نسجد لهذا الرحمن؟ كأن المسألة بيننا وبينك ليس أمر التوحيد تدعو إليه؛ إنما أنت تعادي آلهتنا بآلهة أخرى؛ ومرماهم: إنك تتحكم في عبادتنا؛ ولا تخالفنا في شركنا؛ وزادهم نفورا ؛ أي: زادهم الأمر بالسجود للرحمن نفورا؛ لأن من لا يدرك يزداد نفورا بجهالته؛ وعدم معرفته؛ لأنهم ضلوا؛ وعقولهم الضالة تزداد نفورا؛ كما أن نزول السورة يزيدهم كفرا.

                                                          وقال (تعالى): وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن ؛ عبر بالفعل المبني للمجهول؛ ولم يذكر الفاعل؛ وقد علم من البعض؛ لأنهم قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - أنسجد لما [ ص: 5308 ] تأمرنا ؛ والسجود هنا: العبادة؛ والصلاة من بينها; لأن أظهر مظاهر العبادة الخضوع؛ وأظهر مظاهره السجود لله - سبحانه وتعالى.

                                                          وذكر الفعل مبنيا للمجهول؛ للإشارة إلى نفورهم من أصل تسمية الله بالرحمن؛ وكانوا يحسبونه غير الله (تعالى)؛ ويقولون: رحمن اليمامة؛ أي: إله أرض أخرى.

                                                          "

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية