الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                باب في الكنازين للأموال والتغليظ عليهم

                                                                                                                992 وحدثني زهير بن حرب حدثنا إسمعيل بن إبراهيم عن الجريري عن أبي العلاء عن الأحنف بن قيس قال قدمت المدينة فبينا أنا في حلقة فيها ملأ من قريش إذ جاء رجل أخشن الثياب أخشن الجسد أخشن الوجه فقام عليهم فقال بشر الكانزين برضف يحمى عليه في نار جهنم فيوضع على حلمة ثدي أحدهم حتى يخرج من نغض كتفيه ويوضع على نغض كتفيه حتى يخرج من حلمة ثدييه يتزلزل قال فوضع القوم رءوسهم فما رأيت أحدا منهم رجع إليه شيئا قال فأدبر واتبعته حتى جلس إلى سارية فقلت ما رأيت هؤلاء إلا كرهوا ما قلت لهم قال إن هؤلاء لا يعقلون شيئا إن خليلي أبا القاسم صلى الله عليه وسلم دعاني فأجبته فقال أترى أحدا فنظرت ما علي من الشمس وأنا أظن أنه يبعثني في حاجة له فقلت أراه فقال ما يسرني أن لي مثله ذهبا أنفقه كله إلا ثلاثة دنانير ثم هؤلاء يجمعون الدنيا لا يعقلون شيئا قال قلت ما لك ولإخوتك من قريش لا تعتريهم وتصيب منهم قال لا وربك لا أسألهم عن دنيا ولا أستفتيهم عن دين حتى ألحق بالله ورسوله

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله : ( فبينا أنا في حلقة فيها ملأ من قريش ) الملأ : الأشراف ، ويقال أيضا للجماعة ، والحلقة بإسكان اللام ، وحكى الجوهري لغية رديئة في فتحها .

                                                                                                                وقوله : ( بينا أنا في حلقة ) أي بين أوقات قعودي في الحلقة .

                                                                                                                قوله : ( إذ جاء رجل أخشن الثياب أخشن الجسد أخشن الوجه ) هو بالخاء والشين المعجمتين في الألفاظ الثلاثة ، ونقله القاضي هكذا عن الجمهور ، وهو من الخشونة قال : وعند ابن الحذاء في الأخير خاصة حسن الوجه من الحسن ، ورواه القابسي في البخاري حسن الشعر والثياب والهيئة ، من الحسن ، ولغيره : خشن من الخشونة وهو أصوب .

                                                                                                                قوله : ( فقام عليهم ) أي وقف .

                                                                                                                قوله : ( عن أبي ذر قال : بشر الكانزين برضف يحمى عليه في نار جهنم فيوضع على حلمة ثدي أحدهم حتى يخرج من نغض كتفيه ، ويوضع على نغض كتفيه حتى يخرج من حلمة ثدييه يتزلزل ) أما قوله : ( بشر الكانزين ) فظاهره أنه أراد الاحتجاج لمذهبه في أن الكنز كل ما فضل عن حاجة الإنسان ، هذا هو المعروف من مذهب أبي ذر ، وروي عنه غيره ، والصحيح الذي عليه الجمهور أن الكنز هو المال الذي لم تؤد زكاته ، فأما إذا أديت زكاته فليس بكنز ، سواء كثر أم قل ، وقال القاضي : الصحيح أن إنكاره إنما هو على السلاطين الذين يأخذون لأنفسهم من بيت المال ولا ينفقونه في وجوهه ، وهذا الذي قاله [ ص: 65 ] القاضي باطل ؛ لأن السلاطين في زمنه لم تكن هذه صفتهم ولم يخونوا في بيت المال ، إنما كان في زمنه أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم وتوفي في زمن عثمان سنة ثنتين وثلاثين .

                                                                                                                قوله : ( برضف ) هي الحجارة المحماة . وقوله : ( يحمى عليه ) أي يوقد عليه . وفي جهنم مذهبان لأهل العربية أحدهما : أنه اسم عجمي فلا ينصرف للعجمة والعلمية ، قال الواحدي : قال يونس وأكثر النحويين : هي أعجمية لا تنصرف للتعريف والعجمة ، وقال آخرون : هو اسم عربي سميت به لبعد قعرها ، ولم ينصرف للعلمية والتأنيث ، قال قطرب عن رؤبة يقال : بئر جهنام أي بعيدة القعر ، وقال الواحدي في موضع آخر : قال بعض أهل اللغة : هي مشتقة من الجهومة وهي الغلظ ، يقال : جهنم الوجه أي غليظه ، وسميت جهنم لغلظ أمرها في العذاب .

                                                                                                                وقوله : ( ثدي أحدهم ) فيه جواز استعمال الثدي في الرجل وهو الصحيح ، ومن أهل اللغة من أنكره وقال : لا يقال ثدي إلا للمرأة ، ويقال في الرجل : ثندؤة ، وقد سبق بيان هذا مبسوطا في كتاب الإيمان في حديث الرجل الذي قتل نفسه بسيفه فجعل ذبابه بين ثدييه ، وسبق أن الثدي يذكر ويؤنث .

                                                                                                                قوله : ( نغض كتفيه ) هو بضم النون وإسكان الغين المعجمة وبعدها ضاد معجمة ، وهو العظم الرقيق الذي على طرف الكتف ، وقيل : هو أعلى الكتف ، ويقال له أيضا : الناغض . وقوله : ( يتزلزل ) أي يتحرك ، قال القاضي : قيل معناه أنه بسبب نضجه يتحرك لكونه يهتري ، قال : والصواب أن الحركة والتزلزل إنما هو للرضف ، أي يتحرك من نغض كتفه حتى يخرج من حلمة ثديه .

                                                                                                                ووقع في بعض النسخ ( على حلمة ثدي أحدهم إلى قوله : حتى يخرج من حلمة ثدييه ) . بإفراد الثدي في الأول ، وتثنيته في الثاني ، وكلاهما صحيح .

                                                                                                                قوله : ( لا تعتريهم ) أي تأتيهم وتطلب منهم ، يقال : عروته واعتريته واعتررته إذا أتيته تطلب منه حاجة .

                                                                                                                قوله : ( لا أسألهم عن دنيا ولا أستفتيهم عن دين ) هكذا هو في الأصول ( عن دنيا ) ، وفي رواية البخاري : " لا أسألهم دنيا " بحذف ( عن ) وهو الأجود . أي لا أسألهم شيئا من متاعها .




                                                                                                                الخدمات العلمية