[ ص: 273 ] nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=7nindex.php?page=treesubj&link=29004_31802وإذ أخذنا من النبيئين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=8ليسأل الصادقين عن صدقهم وأعد للكافرين عذابا أليما .
عطف على قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=1يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين ) إلى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=3وكفى بالله وكيلا فلذلك تضمن الأمر بإقامة الدين على ما أراده الله تعالى وأوحى به إلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - وعلى نبذ سنن الكافرين الصرحاء والمنافقين من أحكام الهوى والأوهام .
فلما ذكر ذلك وعقب بمثل ثلاثة من أحكام جاهليتهم الضالة بما طال من الكلام إلى هنا - ثني عنان الكلام إلى الإعلام بأن الذي أمره الله به هو من عهود أخذها الله على النبيئين والمرسلين من أول عهود الشرائع . وتربط هذا الكلام بالكلام الذي عطف هو عليه مناسبة قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=6كان ذلك في الكتاب مسطورا . وبهذا الارتباط بين الكلامين لم يحتج إلى بيان
nindex.php?page=treesubj&link=31802الميثاق الذي أخذه الله تعالى على النبيئين ، فعلم أن المعنى : وإذ أخذنا من النبيئين ميثاقهم بتقوى الله وبنبذ طاعة الكافرين والمنافقين وباتباع ما أوحى الله به . وقوله إن الله كان عليما حكيما
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=8ليسأل الصادقين عن صدقهم وأعد للكافرين عذابا أليما . فلما أمر النبيء - صلى الله عليه وسلم - بالاقتصار على تقوى الله وبالإعراض عن دعوى الكافرين والمنافقين . أعلم بأن ذلك شأن النبيئين من قبله ، ولذلك عطف قوله " ومنك " عقب ذكر النبيئين تنبيها على أن شأن الرسل واحد وأن سنة الله فيهم متحدة ، فهذه الآية لها معنى التذييل لآية (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=1يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين ) الآيات الثلاث ولكنها جاءت معطوفة بالواو لبعد ما بينها وما بين الآيات الثلاث المتقدمة .
وقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=7وإذ أخذنا من النبيئين ميثاقهم ) الآيتين لهما موقع المقدمة لقصة الأحزاب لأن مما أخذ الله عليه ميثاق النبيئين أن ينصروا الدين الذي يرسله الله به ، وأن ينصروا دين الإسلام ، قال تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=81وإذ أخذ الله ميثاق النبيئين لما آتيناكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه )
فمحمد - صلى الله عليه وسلم - مأمور بالنصرة لدينه بمن معه من المسلمين لقوله في هذه الآية ليسأل الصادقين عن صدقهم وأعد للكافرين عذابا أليما . وقال في
[ ص: 274 ] الآية الآتية في
nindex.php?page=treesubj&link=19875الثناء على المؤمنين الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=24ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين الآية .
وقد جاء قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=7وإذ أخذنا من النبيئين ميثاقهم ) جاريا على أسلوب ابتداء كثير من قصص القرآن في افتتاحها بـ " إذ " على إضمار ( اذكر ) .
و " إذ " اسم للزمان مجرد عن معنى الظرفية . فالتقدير : واذكر وقتا ، وبإضافة إذ إلى الجملة بعده يكون المعنى : اذكر وقت أخذنا ميثاقا على النبيئين . وهذا الميثاق مجمل هنا بينته آيات كثيرة . وجماعها أن يقولوا الحق ويبلغوا ما أمروا به دون ملاينة للكافرين والمنافقين ، ولا خشية منهم ، ولا مجاراة للأهواء ، ولا مشاطرة مع أهل الضلال في الإبقاء على بعض ضلالهم . وأن الله واثقهم ووعدهم على ذلك بالنصر . ولما احتوت عليه هذه السورة من الأغراض مزيد التأثر بهذا الميثاق بالنسبة للنبيء - صلى الله عليه وسلم - وشديد المشابهة بما أخذ من المواثيق على الرسل من قبله .
ومن ذلك على سبيل المثال قوله تعالى هنا
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=4والله يقول الحق وهو يهدي السبيل وقوله في ميثاق أهل الكتاب
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=169ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق في سورة الأعراف .
وفي تعقيب أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالتقوى ومخالفة الكافرين والمنافقين والتثبيت على اتباع ما يوحي إليه ، وأمره بالتوكل على الله ، وجعلها قبل قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=9يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود إلخ . إشارة إلى أن ذلك التأييد الذي أيد الله به رسوله - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين معه إذ رد عنهم أحزاب الكفار والمنافقين بغيظهم لم ينالوا خيرا ما هو إلا أثر من آثار الميثاق الذي أخذه الله على رسوله حين بعثه .
والميثاق : اسم العهد وتحقيق الوعد ، وهو مشتق من وثق ، إذا أيقن وتحقق ، فهو منقول من اسم آلة مجازا غلب على المصدر ، وتقدم في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=27الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه في سورة البقرة .
وإضافة ميثاق إلى ضمير النبيئين من إضافة المصدر إلى فاعله على معنى اختصاص الميثاق بهم فيما ألزموا به وما وعدهم الله على الوفاء به . ويضاف أيضا
[ ص: 275 ] إلى ضمير الجلالة في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=7واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=7ومنك ومن نوح إلخ هو من ذكر بعض أفراد العام للاهتمام بهم فإن هؤلاء المذكورين أفضل الرسل ، وقد ذكر ضمير
محمد - صلى الله عليه وسلم - قبلهم إيماء إلى تفضيله على جميعهم ، ثم جعل ترتيب ذكر البقية على ترتيبهم في الوجود . ولهذه النكتة خص ضمير النبيء بإدخال حرف من عليه بخصوصه ، ثم أدخل حرف من على مجموع الباقين فكان قد خص باهتمامين : اهتمام التقديم ، واهتمام إظهار اقتران الابتداء بضمير بخصوصه غير مندمج في بقيتهم - عليهم السلام - .
وسيجيء أن ما في سورة الشورى من تقديم ما وصى به
نوحا على والذي أوحينا إليك طريق آخر هو آثر بالغرض الذي في تلك السورة من قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=13شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم الآية .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=7وأخذنا منهم ميثاقا غليظا أعادت مضمون جملة (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=7وإذ أخذنا من النبيئين ميثاقهم ) لزيادة تأكيدها ، وليبنى عليها وصف الميثاق بالغليظ ، أي عظيما جليل الشأن في جنسه فإن كل ميثاق له عظم فلما وصف هذا بـ غليظا أفاد أن له عظما خاصا ، وليعلق به لام التعليل من قوله ليسأل الصادقين .
وحقيقة الغليظ : القوي المتين الخلق ، قال تعالى : فاستغلظ فاستوى على سوقه . واستعير الغليظ للعظيم الرفيع في جنسه لأن الغليظ من كل صنف هو أمكنه في صفات جنسه .
واللام في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=8ليسأل الصادقين عن صدقهم لام كي ، أي أخذنا منهم ميثاقا غليظا لنعظم جزاء للذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق ولنشدد العذاب جزاء للذين يكفرون بما جاءتهم به رسل الله ، فيكون من دواعي ذكر هذا الميثاق هنا أنه توطئة لذكر جزاء الصادقين وعذاب الكافرين زيادة على ما ذكرنا من دواعي ذلك آنفا .
وهذه علة من علل أخذ الميثاق من النبيئين وهي آخر العلل حصولا فأشعر
[ ص: 276 ] ذكرها بأن لهذا الميثاق عللا تحصل قبل أن يسأل الصادقون عن صدقهم ، وهي ما في الأعمال المأخوذ ميثاقهم عليها من جلب المصالح ودرء المفاسد ، وذلك هو ما يسأل العاملون عن عمله من خير وشر .
وضمير يسأل عائد إلى الله تعالى على طريقة الالتفات من التكلم إلى الغيبة .
والمراد بالصادقين أمم الأنبياء الذين بلغهم ما أخذ على أنبيائهم من الميثاق ، ويقابلهم الكافرون الذين كذبوا أنبياءهم أو الذين صدقوهم ثم نقضوا الميثاق من بعد ، فيشملهم اسم الكافرين .
والسؤال : كناية عن المؤاخذة لأنها من ثواب جواب السؤال أعني إسداد الثواب للصادقين وعذاب الكافرين ، وهذا نظير قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=23لا يسأل عما يفعل ، أي لا يتعقب أحد فعله ولا يؤاخذه على ما لا يلائمه ، وقول
كعب بن زهير : وقيل : إنك منسوب ومسئول .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=8وأعد للكافرين عطف على جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=8ليسأل الصادقين وغير فيها الأسلوب للدلالة على تحقيق عذاب الكافرين حتى لا يتوهم أنهم يسألون سؤال من يسمع جوابهم أو معذرتهم ، ولإفادة أن إعداد عذابهم أمر مضى وتقرر في علم الله .
[ ص: 273 ] nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=7nindex.php?page=treesubj&link=29004_31802وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيئِينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذَنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=8لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا .
عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=1يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ ) إِلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=3وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا فَلِذَلِكَ تَضَمَّنَ الْأَمْرَ بِإِقَامَةِ الدِّينِ عَلَى مَا أَرَادَهُ اللهُ تَعَالَى وَأَوْحَى بِهِ إِلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى نَبْذِ سُنَنِ الْكَافِرِينَ الصُّرَحَاءِ وَالْمُنَافِقِينَ مِنْ أَحْكَامِ الْهَوَى وَالْأَوْهَامِ .
فَلَمَّا ذَكَرَ ذَلِكَ وَعَقَّبَ بِمِثْلِ ثَلَاثَةٍ مِنْ أَحْكَامِ جَاهِلِيَّتِهِمُ الضَّالَّةِ بِمَا طَالَ مِنَ الْكَلَامِ إِلَى هُنَا - ثُنِيَ عِنَانُ الْكَلَامِ إِلَى الْإِعْلَامِ بِأَنَّ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ هُوَ مِنْ عُهُودٍ أَخَذَهَا اللَّهُ عَلَى النَّبِيئِينَ وَالْمُرْسَلِينَ مِنْ أَوَّلِ عُهُودِ الشَّرَائِعِ . وَتَرْبُطُ هَذَا الْكَلَامَ بِالْكَلَامِ الَّذِي عُطِفَ هُوَ عَلَيْهِ مُنَاسَبَةُ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=6كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا . وَبِهَذَا الِارْتِبَاطِ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ لَمْ يُحْتَجْ إِلَى بَيَانِ
nindex.php?page=treesubj&link=31802الْمِيثَاقِ الَّذِي أَخَذَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى النَّبِيئِينَ ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمَعْنَى : وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيئِينَ مِيثَاقَهُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَبِنَبْذِ طَاعَةِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَبِاتِّبَاعِ مَا أَوْحَى اللَّهُ بِهِ . وَقَوْلُهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=8لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا . فَلَمَّا أُمِرَ النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالِاقْتِصَارِ عَلَى تَقْوَى اللَّهِ وَبِالْإِعْرَاضِ عَنْ دَعْوَى الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ . أُعْلِمَ بِأَنَّ ذَلِكَ شَأْنُ النَّبِيئِينَ مِنْ قَبْلِهِ ، وَلِذَلِكَ عَطَفَ قَوْلَهُ " وَمِنْكَ " عَقِبَ ذِكْرِ النَّبِيئِينَ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ شَأْنَ الرُّسُلِ وَاحِدٌ وَأَنَّ سُنَّةَ اللَّهِ فِيهِمْ مُتَّحِدَةٌ ، فَهَذِهِ الْآيَةُ لَهَا مَعْنَى التَّذْيِيلِ لِآيَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=1يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ ) الْآيَاتُ الثَّلَاثُ وَلَكِنَّهَا جَاءَتْ مَعْطُوفَةً بِالْوَاوِ لِبُعْدِ مَا بَيْنَهَا وَمَا بَيْنَ الْآيَاتِ الثَّلَاثِ الْمُتَقَدِّمَةِ .
وَقَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=7وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيئِينَ مِيثَاقَهُمْ ) الْآيَتَيْنِ لَهُمَا مَوْقِعُ الْمُقَدِّمَةِ لِقِصَّةِ الْأَحْزَابِ لِأَنَّ مِمَّا أَخَذَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِيثَاقَ النَّبِيئِينَ أَنْ يَنْصُرُوا الدِّينَ الَّذِي يُرْسِلُهُ اللَّهُ بِهِ ، وَأَنْ يَنْصُرُوا دِينَ الْإِسْلَامِ ، قَالَ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=81وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيئِينَ لَمَا آتَيْنَاكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ )
فَمُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَأْمُورٌ بِالنُّصْرَةِ لِدِينِهِ بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لِقَوْلِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا . وَقَالَ فِي
[ ص: 274 ] الْآيَةِ الْآتِيَةِ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=19875الثَّنَاءِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=24لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ الْآيَةَ .
وَقَدْ جَاءَ قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=7وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيئِينَ مِيثَاقَهُمْ ) جَارِيًا عَلَى أُسْلُوبِ ابْتِدَاءِ كَثِيرٍ مِنْ قَصَصِ الْقُرْآنِ فِي افْتِتَاحِهَا بِـ " إِذْ " عَلَى إِضْمَارِ ( اذْكُرْ ) .
وَ " إِذِ " اسْمٌ لِلزَّمَانِ مُجَرَّدٌ عَنْ مَعْنَى الظَّرْفِيَّةِ . فَالتَّقْدِيرُ : وَاذْكُرْ وَقْتًا ، وَبِإِضَافَةِ إِذْ إِلَى الْجُمْلَةِ بَعْدَهُ يَكُونُ الْمَعْنَى : اذْكُرْ وَقْتَ أَخْذِنَا مِيثَاقًا عَلَى النَّبِيئِينَ . وَهَذَا الْمِيثَاقُ مُجْمَلٌ هُنَا بَيَّنَتْهُ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ . وَجِمَاعُهَا أَنْ يَقُولُوا الْحَقَّ وَيُبَلِّغُوا مَا أُمِرُوا بِهِ دُونَ مُلَايَنَةٍ لِلْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ ، وَلَا خَشْيَةٍ مِنْهُمْ ، وَلَا مُجَارَاةٍ لِلْأَهْوَاءِ ، وَلَا مُشَاطَرَةٍ مَعَ أَهْلِ الضَّلَالِ فِي الْإِبْقَاءِ عَلَى بَعْضِ ضَلَالِهِمْ . وَأَنَّ اللَّهَ وَاثَقَهُمْ وَوَعَدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِالنَّصْرِ . وَلِمَا احْتَوَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ السُّورَةُ مِنَ الْأَغْرَاضِ مَزِيدُ التَّأَثُّرِ بِهَذَا الْمِيثَاقِ بِالنِّسْبَةِ لِلنَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشَدِيدُ الْمُشَابَهَةِ بِمَا أُخِذَ مِنَ الْمَوَاثِيقِ عَلَى الرُّسُلِ مِنْ قَبْلِهِ .
وَمِنْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ قَوْلُهُ تَعَالَى هُنَا
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=4وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ وَقَوْلُهُ فِي مِيثَاقِ أَهْلِ الْكِتَابِ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=169أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ .
وَفِي تَعْقِيبِ أَمْرِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالتَّقْوَى وَمُخَالَفَةِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَالتَّثْبِيتِ عَلَى اتِّبَاعِ مَا يُوحِي إِلَيْهِ ، وَأَمْرِهِ بِالتَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ ، وَجَعْلِهَا قَبْلَ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=9يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ إِلَخْ . إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ التَّأْيِيدَ الَّذِي أَيَّدَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُؤْمِنِينَ مَعَهُ إِذْ رَدَّ عَنْهُمْ أَحْزَابَ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا مَا هُوَ إِلَّا أَثَرٌ مِنْ آثَارِ الْمِيثَاقِ الَّذِي أَخَذَهُ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ حِينَ بَعَثَهُ .
وَالْمِيثَاقُ : اسْمُ الْعَهْدِ وَتَحْقِيقِ الْوَعْدِ ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ وَثِقَ ، إِذَا أَيْقَنَ وَتَحَقَّقَ ، فَهُوَ مَنْقُولٌ مِنِ اسْمِ آلَةٍ مَجَازًا غَلَبَ عَلَى الْمَصْدَرِ ، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=27الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ .
وَإِضَافَةُ مِيثَاقٍ إِلَى ضَمِيرِ النَّبِيئِينَ مِنْ إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ إِلَى فَاعِلِهِ عَلَى مَعْنَى اخْتِصَاصِ الْمِيثَاقِ بِهِمْ فِيمَا أُلْزِمُوا بِهِ وَمَا وَعَدَهُمُ اللَّهُ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ . وَيُضَافُ أَيْضًا
[ ص: 275 ] إِلَى ضَمِيرِ الْجَلَالَةِ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=7وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=7وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ إِلَخْ هُوَ مِنْ ذِكْرِ بَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ لِلِاهْتِمَامِ بِهِمْ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ أَفْضَلُ الرُّسُلِ ، وَقَدْ ذُكِرَ ضَمِيرُ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَهُمْ إِيمَاءً إِلَى تَفْضِيلِهِ عَلَى جَمِيعِهِمْ ، ثُمَّ جُعِلَ تَرْتِيبُ ذِكْرِ الْبَقِيَّةِ عَلَى تَرْتِيبِهِمْ فِي الْوُجُودِ . وَلِهَذِهِ النُّكْتَةِ خُصَّ ضَمِيرُ النَّبِيءِ بِإِدْخَالِ حَرْفِ مِنْ عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ ، ثُمَّ أُدْخِلَ حَرْفُ مِنْ عَلَى مَجْمُوعِ الْبَاقِينَ فَكَانَ قَدْ خُصَّ بِاهْتِمَامَيْنِ : اهْتِمَامِ التَّقْدِيمِ ، وَاهْتِمَامِ إِظْهَارِ اقْتِرَانِ الِابْتِدَاءِ بِضَمِيرٍ بِخُصُوصِهِ غَيْرَ مُنْدَمِجٍ فِي بَقِيَّتِهِمْ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ - .
وَسَيَجِيءُ أَنَّ مَا فِي سُورَةِ الشُّورَى مِنْ تَقْدِيمِ مَا وَصَّى بِهِ
نُوحًا عَلَى وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ طَرِيقٌ آخَرُ هُوَ آثَرُ بِالْغَرَضِ الَّذِي فِي تِلْكَ السُّورَةِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=13شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ الْآيَةَ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=7وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا أَعَادَتْ مَضْمُونَ جُمْلَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=7وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيئِينَ مِيثَاقَهُمْ ) لِزِيَادَةِ تَأْكِيدِهَا ، وَلِيُبْنَى عَلَيْهَا وَصْفُ الْمِيثَاقِ بِالْغَلِيظِ ، أَيْ عَظِيمًا جَلِيلَ الشَّأْنِ فِي جِنْسِهِ فَإِنَّ كُلَّ مِيثَاقٍ لَهُ عِظَمٌ فَلَمَّا وُصِفَ هَذَا بِـ غَلِيظًا أَفَادَ أَنَّ لَهُ عِظَمًا خَاصًّا ، وَلِيُعَلِّقَ بِهِ لَامَ التَّعْلِيلِ مِنْ قَوْلِهِ لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ .
وَحَقِيقَةُ الْغَلِيظِ : الْقَوِيُّ الْمَتِينُ الْخَلْقِ ، قَالَ تَعَالَى : فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ . وَاسْتُعِيرَ الْغَلِيظُ لِلْعَظِيمِ الرَّفِيعِ فِي جِنْسِهِ لِأَنَّ الْغَلِيظَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ هُوَ أَمْكَنُهُ فِي صِفَاتِ جِنْسِهِ .
وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=8لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ لَامُ كَيْ ، أَيْ أَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا لِنُعْظِمَ جَزَاءً لِلَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ وَلِنُشَدِّدَ الْعَذَابَ جَزَاءً لِلَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِمَا جَاءَتْهُمْ بِهِ رُسُلُ اللَّهِ ، فَيَكُونُ مِنْ دَوَاعِي ذِكْرِ هَذَا الْمِيثَاقِ هُنَا أَنَّهُ تَوْطِئَةٌ لِذِكْرِ جَزَاءِ الصَّادِقِينَ وَعَذَابِ الْكَافِرِينَ زِيَادَةً عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ دَوَاعِي ذَلِكَ آنِفًا .
وَهَذِهِ عِلَّةٌ مِنْ عِلَلِ أَخْذِ الْمِيثَاقِ مِنَ النَّبِيئِينَ وَهِيَ آخِرُ الْعِلَلِ حُصُولًا فَأَشْعَرَ
[ ص: 276 ] ذِكْرُهَا بِأَنَّ لِهَذَا الْمِيثَاقِ عِلَلًا تَحْصُلُ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَ الصَّادِقُونَ عَنْ صِدْقِهِمْ ، وَهِيَ مَا فِي الْأَعْمَالِ الْمَأْخُوذِ مِيثَاقُهُمْ عَلَيْهَا مِنْ جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ ، وَذَلِكَ هُوَ مَا يُسْأَلُ الْعَامِلُونَ عَنْ عَمَلِهِ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ .
وَضَمِيرُ يُسْأَلُ عَائِدٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى طَرِيقَةِ الِالْتِفَاتِ مِنَ التَّكَلُّمِ إِلَى الْغَيْبَةِ .
وَالْمُرَادُ بِالصَّادِقِينَ أُمَمُ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ بَلَغَهُمْ مَا أُخِذَ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ مِنَ الْمِيثَاقِ ، وَيُقَابِلُهُمُ الْكَافِرُونَ الَّذِينَ كَذَّبُوا أَنْبِيَاءَهُمْ أَوِ الَّذِينَ صَدَّقُوهُمْ ثُمَّ نَقَضُوا الْمِيثَاقَ مِنْ بَعْدِ ، فَيَشْمَلُهُمُ اسْمُ الْكَافِرِينَ .
وَالسُّؤَالُ : كِنَايَةٌ عَنِ الْمُؤَاخَذَةِ لِأَنَّهَا مِنْ ثَوَابِ جَوَابِ السُّؤَالِ أَعْنِي إِسْدَادَ الثَّوَابِ لِلصَّادِقِينَ وَعَذَابَ الْكَافِرِينَ ، وَهَذَا نَظِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=23لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ، أَيْ لَا يَتَعَقَّبُ أَحَدٌ فِعْلَهُ وَلَا يُؤَاخِذُهُ عَلَى مَا لَا يُلَائِمُهُ ، وَقَوْلُ
كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ : وَقِيلَ : إِنَّكَ مَنْسُوبٌ وَمَسْئُولُ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=8وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=8لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ وَغُيِّرَ فِيهَا الْأُسْلُوبُ لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَحْقِيقِ عَذَابِ الْكَافِرِينَ حَتَّى لَا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُمْ يُسْأَلُونَ سُؤَالَ مَنْ يُسْمَعُ جَوَابُهُمْ أَوْ مَعْذِرَتُهُمْ ، وَلِإِفَادَةِ أَنَّ إِعْدَادَ عَذَابِهِمْ أَمْرٌ مَضَى وَتَقَرَّرَ فِي عِلْمِ اللَّهِ .