الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 19 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ( 37 ) )

وقال إبراهيم خليل الرحمن هذا القول حين أسكن إسماعيل وأمه هاجر - فيما ذكر - مكة .

كما حدثني يعقوب بن إبراهيم والحسن بن محمد قالا ثنا إسماعيل بن إبراهيم ، عن أيوب ، قال : نبئت عن سعيد بن جبير ، أنه حدث عن ابن عباس ، قال : إن أول من سعى بين الصفا والمروة لأم إسماعيل ، وإن أول ما أحدث نساء العرب جر الذيول أن أم إسماعيل ، قال : لما فرت من سارة ، أرخت من ذيلها لتعفي أثرها ، فجاء بها إبراهيم ومعها إسماعيل حتى انتهى بهما إلى موضع البيت ، فوضعهما ثم رجع ، فاتبعته ، فقالت : إلى أي شيء تكلنا؟ إلى طعام تكلنا؟ إلى شراب تكلنا؟ فجعل لا يرد عليها شيئا ، فقالت : آلله أمرك بهذا؟ قال : نعم ، قالت : إذن لا يضيعنا . قال : فرجعت ومضى حتى إذا استوى على ثنية كداء ، أقبل على الوادي فدعا ، فقال ( ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ) قال : ومع الإنسانة شنة فيها ماء ، فنفد الماء فعطشت وانقطع لبنها ، فعطش الصبي ، فنظرت أي الجبال أدنى من الأرض ، فصعدت بالصفا ، فتسمعت هل تسمع صوتا أو ترى أنيسا؟ فلم تسمع ، فانحدرت ، فلما أتت على الوادي سعت وما تريد السعي ، كالإنسان المجهود الذي يسعى وما يريد السعي ، فنظرت أي الجبال أدنى من الأرض ، فصعدت المروة فتسمعت هل تسمع صوتا ، أو ترى أنيسا ، فسمعت صوتا ، فقالت كالإنسان الذي يكذب سمعه : صه ، حتى استيقنت ، فقالت : قد أسمعتني صوتك فأغثني ، فقد هلكت وهلك من معي ، فجاء الملك فجاء بها حتى انتهى بها إلى موضع زمزم ، فضرب بقدمه ففارت عينا ، فعجلت الإنسانة فجعلت في شنها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "رحم الله أم إسماعيل لولا أنها [ ص: 20 ] عجلت لكانت زمزم عينا معينا " . وقال لها الملك : لا تخافي الظمأ على أهل هذا البلد ، فإنما هي عين لشرب ضيفان الله ، وقال : إن أبا هذا الغلام سيجيء ، فيبنيان لله بيتا هذا موضعه ، قال : ومرت رفقة من جرهم تريد الشام ، فرأوا الطير على الجبل ، فقالوا : إن هذا الطير لعائف على ماء ، فهل علمتم بهذا الوادي من ماء؟ فقالوا : لا فأشرفوا فإذا هم بالإنسانة ، فأتوها فطلبوا إليها أن ينزلوا معها ، فأذنت لهم ، قال : وأتى عليها ما يأتي على هؤلاء الناس من الموت ، فماتت ، وتزوج إسماعيل امرأة منهم ، فجاء إبراهيم فسأل عن منزل إسماعيل حتى دل عليه ، فلم يجده ، ووجد امرأة له فظة غليظة ، فقال لها : إذا جاء زوجك فقولي له : جاء هنا شيخ من صفته كذا وكذا ، وإنه يقول لك : إني لا أرضى لك عتبة بابك فحولها ، وانطلق ، فلما جاء إسماعيل أخبرته ، فقال : ذلك أبي وأنت عتبة بأبي ، فطلقها وتزوج امرأة أخرى منهم ، وجاء إبراهيم حتى انتهى إلى منزل إسماعيل ، فلم يجده ، ووجد امرأة له سهلة طليقة ، فقال لها : أين انطلق زوجك؟ فقالت : انطلق إلى الصيد ، قال : فما طعامكم؟ قالت : اللحم والماء ، قال : اللهم بارك لهم في لحمهم ومائهم ، اللهم بارك لهم في لحمهم ومائهم ثلاثا ، وقال لها : إذا جاء زوجك فأخبريه ، قولي : جاء هنا شيخ من صفته كذا وكذا ، وإنه يقول لك : قد رضيت لك عتبة بابك ، فأثبتها ، فلما جاء إسماعيل أخبرته . قال : ثم جاء الثالثة ، فرفعا القواعد من البيت .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : ثنا يحيى بن عباد ، قال : ثنا حماد بن سلمة ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : جاء نبي الله إبراهيم بإسماعيل وهاجر ، فوضعهما بمكة في موضع زمزم ، فلما مضى نادته هاجر : يا إبراهيم إنما أسألك ثلاث مرات : من أمرك أن تضعني بأرض ليس فيها ضرع ولا زرع ، ولا أنيس ، ولا زاد ولا ماء؟ قال : ربي أمرني ، قالت : فإنه لن يضيعنا قال : فلما قفا إبراهيم قال ( ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن ) يعني من الحزن ( وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء ) [ ص: 21 ] فلما ظمئ إسماعيل جعل يدحض الأرض بعقبه ، فذهبت هاجر حتى علت الصفا ، والوادي يومئذ لاخ ، يعني عميقا ، فصعدت الصفا ، فأشرفت لتنظر هل ترى شيئا؟ فلم تر شيئا ، فانحدرت فبلغت الوادي ، فسعت فيه حتى خرجت منه ، فأتت المروة ، فصعدت فاستشرفت هل ترى شيئا ، فلم تر شيئا . ففعلت ذلك سبع مرات ، ثم جاءت من المروة إلى إسماعيل ، وهو يدحض الأرض بعقبه ، وقد نبعت العين وهي زمزم . فجعلت تفحص الأرض بيدها عن الماء ، فكلما اجتمع ماء أخذته بقدحها ، وأفرغته في سقائها . قال : فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يرحمها الله لو تركتها لكانت عينا سائحة تجري إلى يوم القيامة" . قال : وكانت جرهم يومئذ بواد قريب من مكة ، قال : ولزمت الطير الوادي حين رأت الماء ، فلما رأت جرهم الطير لزمت الوادي ، قالوا : ما لزمته إلا وفيه ماء ، فجاءوا إلى هاجر ، فقالوا : إن شئت كنا معك وآنسناك والماء ماؤك ، قالت : نعم . فكانوا معها حتى شب إسماعيل ، وماتت هاجر فتزوج إسماعيل امرأة منهم ، قال : فاستأذن إبراهيم سارة أن يأتي ، هاجر ، فأذنت له وشرطت عليه أن لا ينزل ، فقدم إبراهيم وقد ماتت هاجر ، فذهب إلى بيت إسماعيل ، فقال لامرأته : أين صاحبك؟ قالت : ليس هاهنا ذهب يتصيد ، وكان إسماعيل يخرج من الحرم فيتصيد ثم يرجع ، فقال إبراهيم : هل عندك ضيافة ، هل عندك طعام أو شراب؟ قالت : ليس عندي ، وما عندي أحد . فقال إبراهيم : إذا جاء زوجك فأقرئيه السلام وقولي له : فليغير عتبة بابه! وذهب إبراهيم ، وجاء إسماعيل ، فوجد ريح أبيه ، فقال لامرأته : هل جاءك أحد؟ فقالت : جاءني شيخ كذا وكذا ، كالمستخفة بشأنه ، قال : فما قال لك؟ قالت : قال لي : أقرئي زوجك السلام وقولي له : فليغير عتبة بابه ، فطلقها وتزوج أخرى . فلبث إبراهيم ما شاء الله أن يلبث ، ثم استأذن سارة أن يزور إسماعيل ، فأذنت له ، وشرطت عليه أن لا ينزل ، فجاء إبراهيم حتى انتهى إلى باب إسماعيل ، فقال لامرأته : أين صاحبك؟ قالت : ذهب يصيد ، وهو يجيء الآن إن شاء الله ، فانزل يرحمك الله قال لها : هل عندك ضيافة؟ قالت : نعم ، قال : هل عندك خبز أو بر أو تمر أو شعير؟ قالت : لا . فجاءت باللبن واللحم ، فدعا لهما بالبركة ، فلو [ ص: 22 ] جاءت يومئذ بخبز أو بر أو شعير أو تمر لكانت أكثر أرض الله برا وشعيرا وتمرا ، فقالت له : انزل حتى أغسل رأسك ، فلم ينزل ، فجاءته بالمقام فوضعته عن شقه الأيمن ، فوضع قدمه عليه ، فبقي أثر قدمه عليه ، فغسلت شق رأسه الأيمن ، ثم حولت المقام إلى شقه الأيسر فغسلت شقه الأيسر ، فقال لها : إذا جاء زوجك فأقرئيه السلام ، وقولي له : قد استقامت عتبة بابك ، فلما جاء إسماعيل وجد ريح أبيه ، فقال لامرأته : هل جاءك أحد؟ فقالت : نعم ، شيخ أحسن الناس وجها وأطيبه ريحا ، فقال لي كذا وكذا ، وقلت له كذا وكذا ، وغسلت رأسه ، وهذا موضع قدمه على المقام . قال : وما قال لك؟ قالت : قال لي : إذا جاء زوجك فأقرئيه السلام وقولي له : قد استقامت عتبة بابك ، قال : ذاك إبراهيم ، فلبث ما شاء الله أن يلبث ، وأمره الله ببناء البيت ، فبناه هو وإسماعيل ، فلما بنياه قيل : أذن في الناس بالحج ، فجعل لا يمر بقوم إلا قال : أيها الناس إنه قد بني لكم بيت فحجوه ، فجعل لا يسمعه أحد ، صخرة ولا شجرة ولا شيء ، إلا قال : لبيك اللهم لبيك . قال : وكان بين قوله ( ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ) وبين قوله ( الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق ) كذا وكذا عاما ، لم يحفظ عطاء .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ) وإنه بيت طهره الله من السوء ، وجعله قبلة ، وجعله حرمه ، اختاره نبي الله إبراهيم لولده .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( غير ذي زرع ) قال : مكة لم يكن بها زرع يومئذ .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني ابن كثير ، قال القاسم في حديثه : قال : أخبرني عمرو بن كثير "قال أبو جعفر " : فغيرته أنا فجعلته : قال أخبرني ابن كثير ، وأسقطت عمرا ، لأني لا أعرف إنسانا يقال له عمرو بن كثير حدث عنه ابن جريج ، وقد حدث به معمر عن كثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة ، وأخشى أن يكون حديث [ ص: 23 ] ابن جريج أيضا عن كثير بن كثير ، قال : كنت أنا وعثمان بن أبي سليمان في أناس مع سعيد بن جبير ليلا فقال سعيد بن جبير للقوم : سلوني قبل ألا تسألوني ، فسأله القوم فأكثروا ، وكان فيما سئل عنه أن قيل له : أحق ما سمعنا في المقام ، فقال سعيد : ماذا سمعتم؟ قالوا : سمعنا أن إبراهيم رسول الله حين جاء من الشام ، كان حلف لامرأته أن لا ينزل مكة حتى يرجع ، فقرب له المقام ، فنزل عليه ، فقال سعيد : ليس كذاك : حدثنا ابن عباس ، ولكنه حدثنا حين كان بين أم إسماعيل وسارة ما كان أقبل بإسماعيل ، ثم ذكر مثل حديث أيوب غير أنه زاد في حديثه ، قال : قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم : طلبوا النزول معها وقد أحبت أم إسماعيل الأنس ، فنزلوا وبعثوا إلى أهلهم فقدموا ، وطعامهم الصيد ، يخرجون من الحرم ويخرج إسماعيل معهم يتصيد ، فلما بلغ أنكحوه ، وقد توفيت أمه قبل ذلك" . قال : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لما دعا لهما أن يبارك لهم في اللحم والماء ، قال لها هل من حب أو غيره من الطعام؟ قالت : لا ولو وجد يومئذ لها حبا لدعا لها بالبركة فيه" . قال ابن عباس : ثم لبث ما شاء الله أن يلبث ، ثم جاء فوجد إسماعيل قاعدا تحت دوحة إلى ناحية البئر يبري نبلا له ، فسلم عليه ونزل إليه ، فقعد معه وقال : يا إسماعيل ، إن الله قد أمرني بأمر ، قال إسماعيل : فأطع ربك فيما أمرك ، قال إبراهيم : أمرني أن أبني له بيتا ، قال إسماعيل : ابن ، قال ابن عباس : فأشار له إبراهيم إلى أكمة بين يديه مرتفعة على ما حولها يأتيها السيل من نواحيها ، ولا يركبها . قال : فقاما يحفران عن القواعد يرفعانها ويقولان ( ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ) ربنا تقبل منا إنك سميع الدعاء ، وإسماعيل يحمل الحجارة على رقبته ، والشيخ إبراهيم يبني . فلما ارتفع البنيان وشق على الشيخ تناوله ، قرب إليه إسماعيل هذا الحجر ، فجعل يقوم عليه ويبني ، ويحوله في نواحي البيت حتى انتهى ، يقول ابن عباس : فذلك مقام إبراهيم وقيامه عليه .

حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن شريك ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ( ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع ) قال : أسكن إسماعيل وأمه مكة .

[ ص: 24 ] حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : ثنا أبو أحمد ، قال : ثنا شريك ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ( إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع ) قال : حين وضع إسماعيل .

قال أبو جعفر : فتأويل الكلام إذن : ربنا إني أسكنت بعض ولدي بواد غير ذي زرع . وفي قوله صلى الله عليه وسلم دليل على أنه لم يكن هنالك يومئذ ماء ، لأنه لو كان هنالك ماء لم يصفه بأنه غير ذي زرع عند بيتك الذي حرمته على جميع خلقك أن يستحلوه .

وكان تحريمه إياه فيما ذكر كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : ذكر لنا أن عمر بن الخطاب قال في خطبته : إن هذا البيت أول من وليه أناس من طسم ، فعصوا ربهم واستحلوا حرمته ، واستخفوا بحقه ، فأهلكهم الله . ثم وليهم أناس من جرهم فعصوا ربهم واستحلوا حرمته واستخفوا بحقه ، فأهلكهم الله . ثم وليتموه معاشر قريش ، فلا تعصوا ربه ، ولا تستحلوا حرمته ، ولا تستخفوا بحقه ، فوالله لصلاة فيه أحب إلي من مئة صلاة بغيره ، واعلموا أن المعاصي فيه على نحو من ذلك . وقال ( إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع ) ولم يأت بما وقع عليه الفعل ، وذلك أن حظ الكلام أن يقال : إني أسكنت من ذريتي جماعة ، أو رجلا أو قوما ، وذلك غير جائز مع "من" لدلالتها على المراد من الكلام ، والعرب تفعل ذلك معها كثيرا ، فتقول : قتلنا من بني فلان ، وطعمنا من الكلأ وشربنا من الماء ، ومنه قول الله تعالى ( أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله ) .

فإن قال قائل : وكيف قال إبراهيم حين أسكن ابنه مكة ( إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ) وقد رويت في الأخبار التي ذكرتها أن إبراهيم بنى البيت بعد ذلك بمدة . قيل : قد قيل في ذلك أقوال قد ذكرتها في سورة البقرة ، منها أن معناه : عند بيتك المحرم الذي كان قبل أن ترفعه من الأرض حين رفعته أيام الطوفان ، ومنها عند بيتك المحرم من استحلال حرمات الله فيه ، والاستخفاف بحقه . وقوله : ( ربنا ليقيموا الصلاة ) يقول : فعلت ذلك [ ص: 25 ] يا ربنا كي تؤدى فرائضك من الصلاة التي أوجبتها عليهم في بيتك المحرم . وقوله : ( فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم ) يخبر بذلك تعالى ذكره عن خليله إبراهيم أنه سأله في دعائه أن يجعل قلوب بعض خلقه تنزع إلى مساكن ذريته الذين أسكنهم بواد غير ذي زرع عند بيته المحرم . وذلك منه دعاء لهم بأن يرزقهم حج بيته الحرام .

كما حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام بن سلم ، عن عمرو بن أبي قيس ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير ( أفئدة من الناس تهوي إليهم ) ولو قال أفئدة الناس تهوي إليهم لحجت اليهود والنصارى والمجوس ، ولكنه قال : أفئدة من الناس تهوي إليهم فهم المسلمون .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ( فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم ) قال : لو كانت أفئدة الناس لازدحمت عليه فارس والروم ، ولكنه أفئدة من الناس .

حدثنا ابن حميد وابن وكيع ، قالا ثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ( فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم ) قال : لو قال : أفئدة الناس تهوي إليهم ، لازدحمت عليهم فارس والروم .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : ثنا علي ، يعني ابن الجعد ، قال : أخبرنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن الحكم ، قال : سألت عكرمة عن هذه الآية ( فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم ) فقال : قلوبهم تهوي إلى البيت .

حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن شعبة ، [ ص: 26 ] عن الحكم ، عن عكرمة وعطاء وطاوس ( فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم ) البيت تهوي إليه قلوبهم يأتونه .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : ثنا يحيى بن عباد ، قال : ثنا سعيد ، عن الحكم ، قال : سألت عطاء وطاوسا وعكرمة ، عن قوله ( فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم ) قالوا : الحج .

حدثنا الحسن ، قال : ثنا شبابة وعلي بن الجعد ، قالا أخبرنا سعيد ، عن الحكم ، عن عطاء وطاوس وعكرمة في قوله ( فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم ) قال : هواهم إلى مكة أن يحجوا .

حدثني المثنى ، قال : ثنا آدم ، قال : ثنا شعبة ، عن الحكم ، قال : سألت طاوسا وعكرمة وعطاء بن أبي رباح ، عن قوله ( فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم ) فقالوا : اجعل هواهم الحج .

حدثنا الحسن ، قال : ثنا يحيى بن عباد ، قال : ثنا حماد بن سلمة ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : لو كان إبراهيم قال : فاجعل أفئدة الناس تهوي إليهم لحجه اليهود والنصارى والناس كلهم ، ولكنه قال ( أفئدة من الناس تهوي إليهم ) .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم ) قال : تنزع إليهم .

حدثنا الحسن ، قال : ثنا عبد الوهاب بن عطاء ، عن سعيد ، عن قتادة ، مثله .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قالا أخبرنا معمر ، عن قتادة ، مثله .

وقال آخرون : إنما دعا لهم أن يهووا السكنى بمكة .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله ( فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم ) قال : إن إبراهيم خليل الرحمن سأل الله أن يجعل أناسا من الناس يهوون سكنى أو سكن مكة .

وقوله : ( وارزقهم من الثمرات ) يقول تعالى ذكره : وارزقهم من ثمرات النبات والأشجار ما رزقت سكان الأرياف والقرى التي هي ذوات المياه والأنهار ، وإن كنت أسكنتهم واديا غير ذي زرع ولا ماء . فرزقهم جل ثناؤه ذلك .

كما حدثنا المثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا هشام ، قال : قرأت على محمد بن مسلم الطائفي أن إبراهيم لما دعا للحرم ( وارزق أهله من الثمرات ) نقل [ ص: 27 ] الله الطائف من فلسطين .

وقوله : ( لعلهم يشكرون ) يقول : ليشكروك على ما رزقتهم وتنعم به عليهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية