الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                [ ص: 48 ] ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا وكانوا ينكحون روابهم ، وناس منهم يمقتونه من ذي مروآتهم ، ويسمونه نكاح المقت ، وكان المولود عليه يقال له المقتي ، ومن ثم قيل : ومقتا : كأنه قيل : هو فاحشة في دين الله بالغة في القبح ، قبيح ممقوت في المروءة ولا مزيد على ما يجمع القبحين ، وقرئ : "لا تحل لكم" بالتاء ، على أن ترثوا بمعنى الوراثة ، وكرها - بالفتح [ ص: 49 ] والضم - من الكراهة والإكراه ، وقرئ "بفاحشة مبينة" من أبانت بمعنى تبينت أو بينت ، كما قرئ "مبينة" بكسر الياء وفتحها ، و “ يجعل الله" بالرفع ، على أنه في موضع الحال ، "وآتيتم احداهن" : بوصل همزة إحداهن . كما قرئ "فلا إثم عليه" [البقرة : 173] . فإن قلت : تعضلوهن ، ما وجه إعرابه؟ قلت : النصب عطفا على "أن ترثوا" و "لا" لتأكيد النفي . أي : لا يحل لكم أن ترثوا النساء ولا أن تعضلوهن . فإن قلت : أي فرق بين تعدية ذهب بالباء ، وبينها بالهمزة؟ قلت : إذا عدي بالباء فمعناه الأخذ والاستصحاب ، كقوله تعالى فلما ذهبوا به [يوسف : 15] وأما الإذهاب فكالإزالة . فإن قلت : إلا أن يأتين ما هذا الاستثناء؟ قلت : هو استثناء من أعم عام الظرف أو المفعول له ، كأنه قيل : ولا تعضلوهن في جميع الأوقات إلا وقت أن يأتين بفاحشة . أو : ولا تعضلوهن لعلة من العلل إلا لأن يأتين بفاحشة . فإن قلت : من أي وجه صح قوله : فعسى أن تكرهوا : جزاء للشرط؟ قلت : من حيث إن المعنى : فإن كرهتموهن فاصبروا عليهن مع الكراهة ، فلعل لكم فيما تكرهونه خيرا كثيرا ليس فيما تحبونه، فإن قلت : كيف استثنى ما قد سلف مما نكح آباؤكم؟ قلت : كما استثنى من قوله [من الطويل] :


                                                                                                                                                                                                غير أن سيوفهم . . . ولا عيب فيهم . . .



                                                                                                                                                                                                يعني : إن أمكنكم أن تنكحوا ما قد سلف ، فانكحوه فلا يحل لكم غيره ، وذلك غير ممكن ، والغرض المبالغة في تحريمه وسد الطريق إلى إباحته ، كما يعلق بالمحال في التأييد نحو قولهم : حتى يبيض القار ، وحتى يلج الجمل في سم الخياط .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية