الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب الحالين اللذين يجوز فيهما استقبال غير القبلة

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى الحالان اللذان يجوز فيهما استقبال غير القبلة قال الله عز وجل [ ص: 117 ] { وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة } إلى { فلتقم طائفة منهم معك } الآية قال فأمرهم الله خائفين محروسين بالصلاة فدل ذلك على أنه أمرهم بالصلاة للجهة التي وجههم لها من القبلة وقال الله عز وجل { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } إلى ركبانا فدل إرخاصه في أن يصلوا رجالا وركبانا على أن الحال التي أذن لهم فيها بأن يصلوا رجالا وركبانا من الخوف غير الحال الأولى التي أمرهم فيها أن يحرس بعضهم بعضا فعلمنا أن الخوفين مختلفان وأن الخوف الآخر الذي أذن لهم فيه أن يصلوا رجالا وركبانا لا يكون إلا أشد من الخوف الأول وذلك على أن لهم أن يصلوا حيث توجهوا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها في هذه الحال ، وقعودا على الدواب وقياما على الأقدام ، ودلت على ذلك السنة أخبرنا مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا سئل عن صلاة الخوف قال : يتقدم الإمام وطائفة ، ثم قص الحديث وقال ابن عمر في الحديث فإن كان خوف أشد من ذلك صلوا رجالا وركبانا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها قال مالك قال نافع ما أرى عبد الله ذكر ذلك إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرنا عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن سالم عن أبيه .

( قال الشافعي ) ولا يجوز في صلاة مكتوبة استقبال غير القبلة إلا عند إطلال العدو على المسلمين وذلك عند المسايفة وما أشبهها ودنو الزحف من الزحف فيجوز أن يصلوا الصلاة في ذلك الوقت رجالا وركبانا فإن قدروا على استقبال القبلة ، وإلا صلوا مستقبلي حيث يقدرون وإن لم يقدروا على ركوع ولا سجود ، أومئوا إيماء ، وكذلك إن طلبهم العدو فأطلوا عليهم صلوا متوجهين على دوابهم يومئون إيماء ولا يجوز لهم في واحد من الحالين أن يصلوا على غير وضوء ولا تيمم ولا ينقصون من عدد الصلاة شيئا ويجوز لهم أن يصلوا بتيمم وإن كان الماء قريبا ; لأنه محول بينهم وبين الماء وسواء أي عدو أطل عليهم أكفار أم لصوص أم أهل بغي أم سباع أم فحول إبل ; لأن كل ذلك يخاف إتلافه وإن طلبهم العدو فنأوا عن العدو حتى يمكنهم أن ينزلوا بلا خوف أن يرهقوا لم يكن إلا النزول والصلاة بالأرض إلى القبلة وإن خافوا الرهق صلوا ركبانا وإن صلوا ركبانا يومئون ببعض الصلاة ، ثم أمنوا العدو كان عليهم أن ينزلوا فيصلوا ما بقي من الصلاة مستقبلي القبلة ، وأحب إلي لو استأنفوا الصلاة بالأرض وليس لهم أن يقصروا الصلاة في شيء من هذه الحالات إلا أن يكونوا في سفر يقصر في مثله الصلاة فإن كان المسلمون طالبي العدو فطلبوهم طلبا لم يأمنوا رجعة العدو عليهم فيه صلوا هكذا ، وإن كانوا إذا وقفوا عن الطلب ، أو رجعوا أمنوا رجعتهم لم يكن لهم إلا أن ينزلوا فيصلوا ويدعوا الطلب فلا يكون لهم أن يطلبوهم ويدعوا الصلاة بالأرض إذا أمكنهم ; لأن الطلب نافلة فلا تترك لها الفريضة وإنما يكون ما وصفت من الرخصة في الصلاة في شدة الخوف ركبانا وغير مستقبلي القبلة إذا كان الرجل يقاتل المشركين ، أو يدفع عن نفسه مظلوما ولا يكون هذا لفئة باغية ولا رجل قاتل عاص بحال وعلى من صلاها كذا وهو ظالم بالقتال إعادة كل صلاة صلاها بهذه الحال وكذلك إن خرج يقطع سبيلا ، أو يفسد في الأرض فخاف سبعا ، أو جملا صائلا صلى يومئ وأعاد إذا أمن ولا رخصة عندنا لعاص إذا وجد السبيل إلى أداء الفريضة بحال :

التالي السابق


الخدمات العلمية