الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      معلومات الكتاب

      معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول

      الحكمي - حافظ بن أحمد الحكمي

      صفحة جزء
      [ ص: 1211 ] خاتمة في وجوب التمسك بالكتاب والسنة ، والرجوع عند الاختلاف إليهما ، فما خالفهما فهو رد .


      شرط قبول السعي أن يجتمعا فيه إصابة وإخلاص معا     لله رب العرش لا سواه
      موافق الشرع الذي ارتضاه

      .

      ( شرط ) في ( قبول ) الله تعالى ( السعي ) أي العمل من العبد ، وخبر المبتدأ ( أن يجتمعا ) الألف للإطلاق ( فيه ) أي في السعي شيئان : أحدهما إصابة ضد الخطأ ، والثاني إخلاص ضد الشرك ، ( معا ) أي لم يفترقا ، وتفسيره في البيت الذي بعده ، فتفسير الإخلاص كون العمل ( لله رب العرش ) خالصا لا شرك فيه لـ ( سواه ) وهذا هو معنى لا إله إلا الله ، وتفسير الإصابة كونه ( موافق الشرع ) الثابت عن الله ( الذي ارتضاه ) الله تعالى لعباده دينا ، وأرسل به رسله إليهم ، وأنزل به كتبه عليهم ، ولم يقبل من أحد دينا سواه ، ولا أحسن دينا ممن التزمه ، وقد سفه نفسه من رغب عنه ، وقد جمع بين هذين الشرطين في قوله تعالى : فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ( الكهف 110 ) وقد تقدم الكلام على الإخلاص مستوفى في بابه .

      وأما مسألة التمسك بالكتاب والسنة ، فنذكر فيه فصولا :

      ( الفصل الأول ) : في ذكر وجوب طاعة الله ورسوله .

      قال الله تعالى : واتقوا النار التي أعدت للكافرين وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون ( آل عمران 132 ) [ ص: 1212 ] ، وقال تعالى : قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين ( آل عمران 32 ) وقال تعالى : فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ( النساء 65 ) وقال تعالى : ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما ( النساء 69 ) وقال تعالى : وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا ( النساء 80 ) وقال تعالى : ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا ( النساء 59 ) وقال تعالى : ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين ( النساء 13 - 14 ) وقال : إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما ( النساء 105 ) وقال تعالى : وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين ( المائدة 92 ) وقال تعالى : فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين ( الأنفال 1 ) وقال تعالى : ياأيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون ( الأنفال 24 ) وقال تعالى : وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين ( الأنفال 46 ) وقال تعالى : إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون ( النور 51 - 52 ) [ ص: 1213 ] ، وقال تعالى : وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون ( النور 56 ) وقال تعالى : قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين ( النور 54 ) وقال تعالى : لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ( النور 63 ) .

      وقال تعالى : إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم ) ( النور 62 ) وقال تعالى : ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ( الأحزاب 71 ) وقال تعالى : وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا ( الأحزاب 36 ) وقال تعالى : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا ( الأحزاب 21 ) وقال : ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم ( محمد 33 ) وقال تعالى : ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون ( الأنفال 20 ) وقال تعالى : ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ومن يتول يعذبه عذابا أليما ( الفتح 17 ) وقال تعالى : وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب ( الحشر 7 ) وقال تعالى : وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين ( التغابن 12 ) وقال تعالى : فاتقوا الله ياأولي الألباب الذين آمنوا قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا يتلو عليكم آيات الله مبينات ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور ( الطلاق 11 ) وقال : [ ص: 1214 ] إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا ( الفتح 8 ) وغير ذلك من الآيات .

      وقال البخاري - رحمه الله تعالى : حدثنا محمد بن سنان ، حدثنا فليح ، حدثنا هلال بن علي ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى . قالوا : يا رسول الله ، ومن يأبى ؟ قال : من أطاعني دخل الجنة ، ومن عصاني فقد أبى .

      حدثنا محمد بن عبادة ، أخبرنا يزيد ، حدثنا سليم بن حيان ، وأثنى عليه ، حدثنا سعيد بن ميناء ، حدثنا أو سمعت جابر بن عبد الله يقول : جاءت ملائكة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم ، وهو نائم . الحديث تقدم ، وفيه : فمن أطاع محمدا ، فقد أطاع الله ، ومن عصى محمدا ، فقد عصى الله ، ومحمد فرق بين الناس .

      وله عن حذيفة قال : يا معشر القراء ، استقيموا فقد سبقتم سبقا بعيدا ، وإن أخذتم يمينا وشمالا ، لقد ضللتم ضلالا بعيدا .

      وله عن أبي موسى - رحمه الله تعالى - عنه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إنما مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قوما ، فقال : يا قوم ، إني رأيت الجيش بعيني ، وإني أنا النذير العريان ، فالنجاء ، فأطاعه طائفة من قومه ، فأدلجوا فانطلقوا على مهلهم فنجوا ، وكذبت طائفة منهم ، فأصبحوا مكانهم فصبحهم الجيش فأهلكهم ، واجتاحهم ، فذلك مثل من أطاعني فاتبع ما جئت به ، ومثل من عصاني وكذب بما جئت به من الحق .

      وفيهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : دعوني ما تركتكم ، إنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ، وإذا أمرتكم بأمر ، فأتوا منه ما استطعتم .

      [ ص: 1215 ] وفيه عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا ترخص فيه وتنزه عنه قوم ، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم ، فحمد الله ، ثم قال : ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه ، فوالله إني أعلمهم بالله ، وأشدهم له خشية .

      وفيه عن المغيرة بن شعبة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا يزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله ، وهم ظاهرون .

      وعن معاوية - رضي الله عنه - قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : من يرد الله به خيرا ، يفقهه في الدين ، وإنما أنا قاسم ، ويعطي الله - عز وجل ، ولن يزال أمر هذه الأمة مستقيما حتى تقوم الساعة ، أو حتى يأتي أمر الله ، تبارك وتعالى .

      وفي المسند ، وابن ماجه ، وغيرهما قال : كنا جلوسا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فخط خطا هكذا أمامه ، فقال : هذا سبيل الله - عز وجل ، وخطين عن يمينه ، وخطين عن شماله ، قال : هذه سبيل الشيطان ، ثم وضع يده في الخط الأوسط ، ثم تلا هذه الآية : وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ( الأنعام 153 ) .

      [ ص: 1216 ] وفي المسند ، والترمذي وحسنه ، عن النواس بن سمعان - رضي الله عنه ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ضرب الله مثلا صراطا مستقيما ، وعن جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة ، وعلى الأبواب ستور مرخاة ، وعلى باب الصراط داع يقول : يا أيها الناس ، ادخلوا الصراط المستقيم جميعا ولا تفرقوا ، وداع يدعو من فوق الصراط ، فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئا من تلك الأبواب ، قال : ويحك لا تفتحه ، فإنك إن فتحته ، تلجه ، فالصراط الإسلام ، والسوران حدود الله ، والأبواب المفتحة محارم الله ، وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله ، والداعي فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم .

      وفي جامع الترمذي ، عن العرباض بن سارية قال : وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ، ذرفت منها العيون ، ووجلت منها القلوب ، فقال رجل : إن هذه موعظة مودع ، فماذا تعهد إلينا يا رسول الله ؟ قال : أوصيكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة ، وإن عبد حبشي ، فإنه من يعش منكم ير اختلافا كثيرا ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإنها ضلالة ، فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، عضوا عليها بالنواجذ . وقال : هذا حديث حسن صحيح . ورواه أحمد ، وزاد : وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة . وفي رواية : قلنا يا رسول الله ، إن هذه لموعظة ، فماذا تعهد إلينا ؟ قال : قد تركتكم على البيضاء ، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك .

      وفي [ ص: 1217 ] رواية : فعليكم بما عرفتم من سنتي .

      وفي صحيح مسلم ، عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون ، وأصحاب يأخذون بسنته ، ويقتدون بأمره ، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ، ويفعلون ما لا يؤمرون ، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل .

      ولأحمد ، عن مجاهد بإسناد جيد قال : كنا مع ابن عمر - رضي الله عنهما - في سفر بمكان ، فحاد عنه فسئل لم فعلت ؟ فقال : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعل هذا ففعلت .

      وله عن الحسن بن جابر قال : سمعت المقدام بن معد يكرب - رضي الله عنه - يقول : حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر أشياء ، ثم قال : يوشك أحدكم أن يكذبني ، وهو متكئ على أريكته ، يحدث بحديثي فيقول بيننا وبينكم كتاب الله ، فما وجدناه فيه من حلال استحللناه ، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه ، ألا وإنما حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل ما حرم الله .

      وعنه أيضا قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه ، ألا يوشك رجل ينثني شبعان على أريكته ، يقول : عليكم القرآن ، فما وجدتم فيه من [ ص: 1218 ] حلال فأحلوه ، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه ، ألا لا يحل لكم لحم الحمار الأهلي ، ولا كل ذي ناب من السباع ، ألا ولا لقطة من مال معاهد إلا أن يستغني صاحبها ، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه ، فإذا لم يقروهم ، فعليهم أن يعقبوهم بمثل قراهم .

      ورواه أبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه ، وإسناد أحمد جيد ، وسكت عليه أبو داود ، وحسنه الترمذي ، ولأحمد ، عن أبي هريرة نحوه ، والأحاديث في هذا الباب كثيرة ، وفيما أشرنا إليه كفاية .

      التالي السابق


      الخدمات العلمية