الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              143 [ ص: 96 ] 10 - باب: وضع الماء عند الخلاء

                                                                                                                                                                                                                              143 - حدثنا عبد الله بن محمد قال: حدثنا هاشم بن القاسم قال: حدثنا ورقاء، عن عبيد الله بن أبى يزيد، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم -دخل الخلاء، فوضعت له وضوءا، قال: "من وضع هذا؟". فأخبر، فقال: " اللهم فقهه في الدين". [انظر: 75 - مسلم: 2477 - فتح: 1 \ 244]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا هاشم بن القاسم، ثنا ورقاء، عن عبيد الله بن أبي يزيد، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل الخلاء، فوضعت له وضوءا; قال: "من وضع هذا؟ ". فأخبر، فقال: "اللهم فقهه في الدين".

                                                                                                                                                                                                                              الكلام عليه من أوجه:

                                                                                                                                                                                                                              أحدها: في التعريف برجاله:

                                                                                                                                                                                                                              وقد سلف التعريف بابن عباس، وهذا من الأحاديث التي صرح فيها بالسماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                              و(عبيد الله) (ع) بن أبي يزيد مكي من الموالي تابعي روى عن ابن عباس وجماعة، وعنه شعبة وجماعة، مات سنة ست وعشرين ومائة عن ست وثمانين سنة.

                                                                                                                                                                                                                              و(ورقاء) هو ابن عمر اليشكري أبو عمرو، روى عن عبيد الله هذا وغيره، وعنه الفريابي ويحيى بن آدم، صدوق صالح، وليس في الكتب الستة ورقاء غيره، وكذا ليس في الستة عبيد الله بن أبي يزيد غير الأول،

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 97 ] نعم، في النسائي عبيد الله بن يزيد الطائفي، عن ابن عباس أيضا. وعنه سعيد بن السائب وغيره، وثق.

                                                                                                                                                                                                                              وأما هاشم (ع) بن القاسم فهو أبو النضر، ولقبه قيصر، الحافظ الثقة.

                                                                                                                                                                                                                              روى عن عكرمة وغيره، وعنه أحمد والحارث بن أبي أسامة، وهو صاحب سنة، يفتخر به أهل بغداد، مات سنة سبع ومائتين عن ثلاث وسبعين سنة، وليس في الستة هاشم بن القاسم سواه، وفي ابن ماجه وحده هاشم بن القاسم الحراني شيخه، ولا ثالث فيهما سواهما.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 98 ] وعبد الله بن محمد هو المسندي، سلف في باب: أمور الإيمان.

                                                                                                                                                                                                                              فائدة:

                                                                                                                                                                                                                              هذا الإسناد كله على شرط الستة; خلا شيخ الترمذي فقط.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 99 ] الوجه الثاني:

                                                                                                                                                                                                                              الخلاء ممدود كما سلف في الباب قبله.

                                                                                                                                                                                                                              و(الوضوء) بفتح الواو كما سلف أول الوضوء.

                                                                                                                                                                                                                              الثالث: في فوائده:

                                                                                                                                                                                                                              الأولى: جواز الاستنجاء بالماء، فإن من المعلوم أن وضع الماء عند الخلاء إنما هو للاستنجاء به عند الحدث، وهو راد على من أنكر الاستنجاء به، وقال: إنما ذلك وضوء النساء، وقال: إنما كانوا يتمسحون بالحجارة. ونقل ابن التين في "شرحه" عن مالك أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يستنج عمره بالماء. وهو عجيب منه.

                                                                                                                                                                                                                              وقد عقد البخاري قريبا بابا للاستنجاء به، وذكر فيه أنه - صلى الله عليه وسلم - استنجى به، وسنوضح الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى، وفي "صحيح ابن حبان" من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج من غائط قط إلا مس ماء.

                                                                                                                                                                                                                              وفي "جامع الترمذي" من حديثها أيضا أنها قالت: مرن أزواجكن [ ص: 100 ] أن يغتسلوا إثر الغائط والبول؛ فإنه - صلى الله عليه وسلم - كان يفعله. ثم قال: هذا حديث حسن صحيح.

                                                                                                                                                                                                                              وفي "صحيح ابن حبان" أيضا من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى حاجته، ثم استنجى من تور.

                                                                                                                                                                                                                              وفي كتاب ابن بطال أن مالكا روى في "موطئه" عن عمر: أنه كان يتوضأ بالماء وضوءا لما تحت إزاره. قال مالك: يريد الاستنجاء بالماء.

                                                                                                                                                                                                                              الثانية: خدمة العالم ومراعاته حتى حال دخوله الخلاء، والتقرب بخدمته.

                                                                                                                                                                                                                              الثالثة: الدعاء مكافأة لمن منه إحسان أو معروف؛ فإنه - صلى الله عليه وسلم - سر بابن عباس بتنبهه إلى ذلك. وقال الداودي: فيه دلالة على أنه ربما لا يستنجي عندما يأتي الخلاء; لئلا يكون ذلك سنة، لأنه لم يأمر بوضع الماء، قد اتبعه عمر بالماء فقال: "لو استنجيت كلما أتيت الخلاء لكان سنة" وفيما ذكره نظر، وما استشهد به حديث ضعيف.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية