الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
النوع السابع والثلاثون

معرفة المزيد في متصل الأسانيد

مثاله : ما روي عن عبد الله بن المبارك ، قال: حدثنا سفيان، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: حدثني بسر بن عبيد الله قال: سمعت أبا إدريس يقول : سمعت واثلة بن الأسقع يقول: سمعت أبا مرثد الغنوي يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها ".

فذكر سفيان في هذا الإسناد زيادة ووهم، وهكذا ذكر أبي إدريس . أما الوهم في ذكر سفيان فممن دون ابن المبارك، لأن جماعة ثقات رووه عن ابن المبارك عن ابن جابر نفسه، ومنهم من صرح فيه بلفظ الإخبار بينهما .

وأما ذكر أبي إدريس فيه : فابن المبارك منسوب فيه إلى الوهم، وذلك لأن جماعة من الثقات رووه عن ابن جابر، فلم يذكروا أبا إدريس بين بسر وواثلة ، وفيهم من صرح فيه بسماع بسر من واثلة .

قال أبو حاتم الرازي : "يرون أن ابن المبارك وهم في هذا" قال: "وكثيرا ما يحدث بسر عن أبي إدريس، فغلط ابن المبارك، وظن أن هذا مما روى عن أبي إدريس عن واثلة، وقد سمع هذا بسر من واثلة نفسه" .

قلت : قد ألف الخطيب الحافظ في هذا النوع كتابا سماه كتاب (تمييز المزيد في متصل الأسانيد) وفي كثير مما ذكره نظر، لأن الإسناد الخالي عن الراوي الزائد إن كان بلفظة " عن" في ذلك فينبغي أن يحكم بإرساله، ويجعل معللا بالإسناد الذي ذكر فيه الزائد، لما عرف في نوع المعلل، وكما يأتي ذكره إن - شاء الله تعالى - في النوع الذي يليه . وإن كان فيه تصريح بالسماع أو بالإخبار، كما في المثال الذي أوردناه، فجائز أن يكون قد سمع ذلك من رجل عنه، ثم سمعه منه نفسه، فيكون بسر في هذا الحديث قد سمعه من أبي إدريس عن واثلة، ثم لقي واثلة فسمعه منه كما جاء مثله مصرحا به في غير هذا.

اللهم إلا أن توجد قرينة تدل على كونه وهما، كنحو ما ذكره أبو حاتم في المثال المذكور . وأيضا فالظاهر ممن وقع له مثل ذلك أن يذكر السماعين، فإذا لم يجئ عنه ذكر ذلك حملناه على الزيادة المذكورة، والله أعلم .

النوع الثامن والثلاثون: معرفة المراسيل الخفي إرسالها

هذا نوع مهم عظيم الفائدة، يدرك بالاتساع في الرواية والجمع لطرق الأحاديث مع المعرفة التامة، وللخطيب الحافظ فيه كتاب (التفصيل لمبهم المراسيل).

والمذكور في هذا الباب منه ما عرف فيه الإرسال بمعرفة عدم السماع من الراوي فيه أو عدم اللقاء، كما في الحديث المروي عن العوام بن حوشب، عن عبد الله بن أبي أوفى قال: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا قال بلال : قد قامت الصلاة نهض وكبر " روي فيه عن أحمد بن حنبل أنه قال: "العوام لم يلق ابن أبي أوفى ".

ومنه ما كان الحكم بإرساله محالا على مجيئه من وجه آخر، بزيادة شخص واحد أو أكثر في الموضع المدعى فيه الإرسال، كالحديث الذي سبق ذكره في النوع العاشر : عن عبد الرزاق عن الثوري عن أبي إسحاق، فإنه حكم فيه بالانقطاع والإرسال بين عبد الرزاق والثوري، لأنه روي عن عبد الرزاق قال: حدثني النعمان بن أبي شيبة الجندي، عن الثوري، عن أبي إسحاق، وحكم أيضا فيه بالإرسال بين الثوري وأبي إسحاق، لأنه روي عن الثوري عن شريك عن أبي إسحاق .

وهذا وما سبق في النوع الذي قبله يتعرضان لأن يعترض بكل واحد منهما على الآخر على ما تقدمت الإشارة إليه، والله أعلم .

النوع التاسع والثلاثون: معرفة الصحابة رضي الله عنهم أجمعين

هذا علم كبير قد ألف الناس فيه كتبا كثيرة، ومن أحلاها وأكثرها فوائد كتاب (الاستيعاب) لابن عبد البر ، لولا ما شانه به من إيراده كثيرا مما شجر بين الصحابة، وحكاياته عن الأخباريين لا المحدثين ، وغالب على الأخباريين الإكثار والتخليط فيما يروونه .

وأنا أورد نكتا نافعة - إن شاء الله تعالى - قد كان ينبغي لمصنفي كتب الصحابة أن يتوجوها بها، مقدمين لها في فواتحها :

إحداها : اختلف أهل العلم في أن الصحابي من؟ فالمعروف من طريقة أهل الحديث أن كل مسلم رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو من الصحابة.

قال البخاري في صحيحه : "من صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - أو رآه من المسلمين، فهو من أصحابه" .

[ ص: 853 ] [ ص: 854 ] [ ص: 855 ] [ ص: 856 ]

التالي السابق


[ ص: 853 ] [ ص: 854 ] [ ص: 855 ] [ ص: 856 ] النوع التاسع والثلاثون

معرفة الصحابة.

138 - قوله: (فالمعروف من طريقة أهل الحديث أن كل مسلم رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو من الصحابة. قال البخاري في صحيحه: "من صحب النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه من المسلمين فهو صحابي من أصحابه") انتهى.

والحد الذي ذكر المصنف أنه المعروف لا يدخل فيه من لم يره صلى الله عليه وسلم لمانع كالعمى، كابن أم مكتوم مثلا، وهو داخل في الحد الذي ذكره البخاري، وفي دخول الأعمى الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم مسلما ولم يصحبه ولم يجالسه في عبارة البخاري نظر.

فالعبارة السالمة من الاعتراض أن يقال: الصحابي من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مسلما، ثم مات على الإسلام؛ ليخرج بذلك من ارتد ومات كافرا، كعبد الله بن [ ص: 857 ] خطل، وربيعة بن أمية، ومقيس بن صبابة، ونحوهم.

فلا شك أن هؤلاء لا يطلق عليهم اسم الصحابة، وهم داخلون في الحد، إلا أن نقول بأحد قولي الأشعري: إن إطلاق [ ص: 858 ] اسم الكفر والإيمان هو باعتبار الخاتمة، فإن من مات كافرا لم يزل كافرا ومن مات مسلما لم يزل مسلما، فعلى هذا لم يدخل هؤلاء في الحد.

أما من ارتد منهم ثم عاد إلى الإسلام في حياته صلى الله عليه وسلم فالصحبة عائدة إليهم بصحبتهم له ثانيا، كعبد الله بن أبي سرح.

وأما من ارتد منهم في حياته، أو بعد موته، ثم عاد إلى الإسلام بعد موته صلى الله عليه وسلم كالأشعث بن قيس - ففي عود الصحبة له نظر عند من يقول: إن الردة محبطة [ ص: 859 ] للعمل، وإن لم يتصل بها الموت، وهو قول أبي حنيفة. وفي عبارة الشافعي في الأم ما يدل عليه.

نعم الذي حكاه الرافعي، عن الشافعي أنها إنما تحبط العمل بشرط اتصالها بالموت، ووراء ذلك أمور في اشتراط أمور أخر من: التمييز أو البلوغ في الرائي، واشتراط كون الرؤية بعد النبوة أو أعم من ذلك، واشتراط كونه صلى الله عليه وسلم حيا حتى يخرج ما لو رآه بعد موته قبل الدفن، واشتراط كون الرؤية له في عالم الشهادة دون عالم الغيب.

فأما التمييز فظاهر كلامهم اشتراطه كما هو موجود في كلام يحيى بن معين، وأبي زرعة، وأبي حاتم، وأبي داود، وابن عبد البر، وغيرهم، وهم جماعة أتي بهم النبي صلى الله عليه وسلم وهم أطفال، فحنكهم، ومسح وجوههم، أو تفل في أفواههم، فلم يثتبوا لهم صحبة كمحمد بن حاطب بن الحارث، [ ص: 860 ] وعبد الرحمن بن عثمان التيمي، ومحمود بن الربيع، وعبيد الله بن معمر، وعبد الله بن الحارث بن نوفل، وعبد الله بن أبي طلحة، ومحمد بن [ ص: 861 ] ثابت بن قيس بن شماس، ويحيى بن خلاد بن رافع الزرقي، ومحمد بن طلحة بن عبيد الله، وعبد الله بن ثعلبة بن صعير، وعبد الله بن عامر بن [ ص: 862 ] كريز، وعبد الرحمن بن عبد القاري، ونحوهم.

فأما محمد بن حاطب فإنه ولد بأرض الحبشة، قال يحيى بن معين: "له رؤية ولا تذكر له صحبة".

وأما عبد الرحمن بن عثمان التيمي فقال أبو حاتم الرازي: "كان صغيرا له رؤية وليست له صحبة".

وأما محمود بن الربيع فهو الذي عقل منه صلى الله عليه وسلم مجة مجها في وجهه وهو ابن خمس سنين، كما ثبت في صحيح البخاري، وقال [ ص: 863 ] أبو حاتم: "له رؤية وليست له صحبة".

وأما عبيد الله بن معمر فقال ابن عبد البر: "ذكر بعضهم أن له صحبة، وهو غلط، بل له رؤية وهو غلام صغير".

وأما عبد الله بن الحارث بن نوفل فإنه الملقب بـ"شبة" ذكر ابن عبد البر أنه ولد على عهده صلى الله عليه وسلم، وأنه أتي به، فحنكه، ودعا له.

قال العلائي في كتاب (جامع التحصيل): "ولا صحبة له، بل ولا رؤية قطعا، وحديثه مرسل قطعا".

وأما عبد الله بن أبي طلحة فهو أخو أنس لأمه، وأتي به النبي صلى الله عليه وسلم، فحنكه، كما ثبت في الصحيح.

قال العلائي: "ولا يعرف له رؤية، [ ص: 864 ] بل هو تابعي، وحديثه مرسل".

وأما محمد بن ثابت بن قيس بن شماس فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم، فحنكه، وسماه محمدا، قال العلائي: "وليست له صحبة" فحديثه مرسل. وأما ابن حبان فذكره في الصحابة.

وأما يحيى بن خلاد بن رافع الزرقي فذكر ابن عبد البر أنه أتي به النبي صلى الله عليه وسلم، فحنكه، وسماه، قال العلائي: "وهو تابعي لا تثبت له رؤية".

وأما محمد بن طلحة بن عبيد الله فهو الملقب بالسجاد، أتى به أبوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فمسح رأسه، وسماه محمدا، وكناه أبا القاسم، قال العلائي: "ولم يذكر أحد - فيما وقفت عليه - له رؤية، بل هو تابعي".

وأما عبد الله بن ثعلبة بن صعير، وقيل: ابن أبي صعير، فروى البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح وجهه عام الفتح. قال أبو حاتم: "رأى [ ص: 865 ] النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير" قال العلائي: "قيل: إنه لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم كان ابن أربع سنين".

وأما عبد الله بن عامر بن كريز فإن النبي صلى الله عليه وسلم أتي به وهو صغير فتفل في فيه من ريقه، قال ابن عبد البر: "وما أظنه سمع منه ولا حفظ عنه، بل حديثه مرسل".

وأما عبد الرحمن بن عبد القاري فقال أبو داود: "أتي به النبي صلى الله عليه وسلم وهو طفل" قال ابن عبد البر: "ليس له سماع ولا رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو من التابعين".

وذكر أبو حاتم أن يوسف بن عبد الله بن سلام "له رؤية ولا صحبة له" انتهى. هذا مع كونه حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رآه أخذ كسرة من خبز شعير، ووضع عليها تمرة، وقال: "هذه إدام هذه" رواه أبو داود والترمذي في [ ص: 866 ] (الشمائل) وروى أبو داود أيضا من حديثه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر: "ما على أحدكم - إن وجد - أن يتخذ ثوبين لجمعته سوى ثوبي مهنته" لا جرم أن البخاري عد يوسف في الصحابة، فأنكر [ ص: 867 ] ذلك عليه أبو حاتم، وقال: "له رؤية ولا صحبة له".

وممن أثبت له بعضهم الرؤية دون الصحبة: طارق بن شهاب، فقال أبو زرعة وأبو داود: "له رؤية وليست له صحبة" انتهى.

وهذا ليس من باب الرؤية في الصغر؛ فإن طارق بن شهاب هذا قد أدرك الجاهلية، وغزا مع أبي بكر رضي الله عنه، وإنما يحمل هذا على أحد وجهين:

إما أن يكون رآه قبل أن يسلم، فلم يره في حالة إسلامه، ثم جاء فقاتل مع أبي بكر.

وإما أن يكون ذلك محمولا على أنهما لا يكتفيان في حصول الصحبة بمجرد الرؤية - كما سيأتي نقله عن أهل الأصول - وعلى هذا يحمل أيضا قول عاصم الأحول أن عبد الله بن سرجس رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، غير أنه لم يكن له [ ص: 868 ] صحبة، قال ابن عبد البر: "لا يختلفون في ذكره في الصحابة، ويقولون: له صحبة على مذهبهم في اللقاء والرؤية والسماع".

وأما عاصم الأحول فأحسبه أراد الصحبة التي يذهب إليها العلماء وأولئك قليل. انتهى.

وأما تمثيل الشيخ تاج الدين التبريزي في اختصاره لكتاب ابن الصلاح لمن رأى النبي صلى الله عليه وسلم كافرا ثم أسلم بعد وفاته كعبد الله بن سرجس، وشريح - فليس بصحيح؛ لما ثبت في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن سرجس قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وأكلت معه خبزا ولحما" وذكر الحديث في رؤيته لخاتم النبوة، واستغفار النبي صلى الله عليه وسلم له.

والصحيح أيضا أن شريحا القاضي لم ير النبي صلى الله عليه وسلم قبل النبوة ولا بعدها، [ ص: 869 ] وهو تابعي، أدرك الجاهلية، وقد عده مسلم في المخضرمين، وذكره المصنف فيهم. والله أعلم.

وأما اشتراط البلوغ في حالة الرواية فحكاه الواقدي عن أهل العلم، فقال: "رأيت أهل العلم يقولون: كل من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أدرك الحلم فأسلم، وعقل أمر الدين ورضيه، فهو عندنا ممن صحب النبي صلى الله عليه وسلم ولو ساعة من نهار" انتهى.

والصحيح أن البلوغ ليس شرطا في حد الصحابي، وإلا لخرج بذلك من أجمع العلماء على عدهم في الصحابة: كعبد الله بن الزبير، والحسن والحسين - رضي الله عنهم - وأما كون المعتبر في الرؤية وقوعها بعد النبوة فلم أر من تعرض لذلك إلا ابن منده، ذكر في الصحابة زيد بن عمرو بن نفيل، وإنما رأى النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 870 ] قبل البعثة، ومات قبلها، وقد روى النسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنه يبعث يوم القيامة أمة وحده".

وأما كون المعتبر في الرؤية وقوعها وهو حي فالظاهر اشتراطه؛ فإنه قد انقطعت النبوة بوفاته صلى الله عليه وسلم.

وأما كون رؤيته صلى الله عليه وسلم في عالم الشهادة فالظاهر اشتراطه أيضا؛ حتى لا يطلق اسم الصحبة على من رآه من الملائكة والنبيين في السماوات ليلة الإسراء.

أما الملائكة فلم يذكرهم أحد في الصحابة، وقد استشكل ابن الأثير في [ ص: 871 ] كتاب (أسد الغابة) ذكر من ذكر منهم بعض الجن الذين آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، وذكرت أسماؤهم، فإن جبريل وغيره ممن رآه من الملائكة أولى بالذكر من هؤلاء. وليس كما زعم؛ لأن الجن من جملة المكلفين، الذين شملتهم الرسالة [ ص: 872 ] والبعثة، فكان ذكر من عرف اسمه ممن رآه حسنا، بخلاف الملائكة. والله أعلم.

وأما الأنبياء الذين رآهم في السماوات ليلة الإسراء، الذين ماتوا منهم، كإبراهيم ويوسف وموسى وهارون ويحيى - لا شك أنهم لا يطلق عليهم اسم الصحبة؛ لكون رؤيتهم له بعد الموت، مع كون مقاماتهم أجل وأعظم من رتبة أكبر الصحابة.

وأما من هو حي إلى الآن لم يمت كعيسى صلى الله عليه وسلم فإنه سينزل إلى الأرض في آخر الزمان، ويراه خلق من المسلمين، فهل يوصف من رآه بأنه من التابعين؛ لكونه رأى من له رؤية من النبي صلى الله عليه وسلم أم المراد بالصحابة من لقيه من أمته الذين أرسل إليهم؛ حتى لا يدخل فيهم عيسى والخضر وإلياس على قول من يقول بحياتهما من الأئمة؟

[ ص: 873 ] [ ص: 874 ] هذا محل نظر، ولم أر من تعرض لذلك من أهل الحديث، والظاهر أن من رآه منهم في الأرض وهو حي له حكم الصحبة، فإن كان الخضر أو إلياس حيا، أو كان قد رأى عيسى في الأرض، فالظاهر إطلاق اسم الصحبة عليهم.

فأما رؤية عيسى له في السماء فقد يقال: السماء ليست محلا للتكليف ولا لثبوت الأحكام الجارية على المكلفين، فلا يثبت بذلك اسم الصحبة لمن رآه فيها.

وأما رؤيته لعيسى في الأرض فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن مسراي، فتسألني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها، فكربت كربا ما كربت مثله قط، فرفعه الله إلي أنظر إليه، ما سألوني عن شيء إلا أنبأتهم به، وقد رأيتني في [ ص: 875 ] جماعة من الأنبياء" الحديث، وفيه: "وإذا عيسى بن مريم قائم يصلي" الحديث، وفيه: "فحانت الصلاة فأممتهم، فلما فرغت من الصلاة قال قائل: يا محمد! هذا مالك خازن النار، فسلم عليه، فالتفت إليه، فبدأني بالسلام".

وظاهر هذا أنه رآه ببيت المقدس، وإذا كان كذلك فلا مانع من إطلاق الصحبة عليه؛ لأنه حين ينزل يكون مقتديا بشريعة نبينا صلى الله عليه وسلم لا بشريعته المتقدمة.

وروى أحمد في مسنده من حديث جابر مرفوعا: "لو كان موسى حيا بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني" والله أعلم.




الخدمات العلمية