الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( فصل في كيفية القسمة ) .

                                                                                        أفردها بفصل على حدة لكثرة شعبها والقسمة جمع نصيب شائع في معين قال الشارح يجب على الإمام أن يقسم الغنيمة ويخرج خمسها لقوله تعالى { فأن لله خمسه } ويقسم الأربعة الأخماس على الغانمين للنصوص الواردة فيه وعليه إجماع المسلمين ا هـ .

                                                                                        وفي التتارخانية ينبغي للإمام إذا أراد الدخول بدار الحرب أن يعرض العسكر ليعرف عددهم راجلهم وفارسهم ويكتب أسماءهم فمن كتب اسمه فارسا ثم مات فرسه بعدما جاوز الدرب استحق سهم الفارس ولو باعها لا يستحق إلا أن يستبدل فرسا آخر ( قوله للراجل سهم وللفارس سهمان ) يعني عند أبي حنيفة وقالا للفارس ثلاثة أسهم لما روى ابن عمر رضي الله عنهما { أن النبي صلى الله عليه وسلم أسهم للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهما } ولأن الاستحقاق بالكفاية وهي على ثلاثة أمثال الراجل لأنه للكر والفر والثبات والراجل للثبات لا غير ولأبي حنيفة ما روى ابن عباس رضي الله عنهما { أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى للفارس سهمين وللراجل سهما } فتعارض فعلاه فيرجع إلى قوله وقد قال عليه السلام { للفارس سهمان وللراجل سهم } كيف وقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما { أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم للفارس سهمين } وإذا تعارضت روايتاه ترجحت رواية غيره ولأن الكر والفر من جنس واحد فيكون غناؤه مثل غناء الراجل فيفضل عليه بسهم ولأنه تعذر اعتبار مقدار الزيادة لتعذر معرفته فيدار الحكم على سبب ظاهر وللفارس سببان النفس والفرس وللراجل سبب واحد فكان استحقاقه على ضعفه ، كذا في الهداية وتعقبه في العناية بأن طريقة استدلاله مخالفة لقواعد الأصول فإن الأصل أن الدليلين إذا تعارضا وتعذر التوفيق والترجيح يصار إلى ما بعده لا إلى ما قبله وهو قال فتعارض فعلاه فيرجع إلى قوله والمسلك المعهود في مثله أن يستدل بقوله ويقول فعله لا يعارض قوله لأن القول أولى بالاتفاق ا هـ .

                                                                                        وقد تقدم نظيره في باب سجود السهو وفي المحيط والفارس في السفينة في البحر يستحق سهمين وإن لم يمكنه القتال على الفرس في السفينة لأنه إن لم يباشر القتال على الفرس فقد تأهب للقتال على الفرس والمتأهب للشيء كالمباشر ا هـ .

                                                                                        أطلق في الفارس وهو من معه فرس فشمل الفرس المملوك والمستأجر والمستعار والمغصوب إذا لم يسترده فإن استرده صاحبه قبل المقاتلة فسيأتي وفي التتارخانية وهل يتصدق الغاصب بالسهم الذي كان لفرسه حكي عن الفقيه أبي جعفر أنه قال على قياس قول أبي حنيفة ومحمد يتصدق وعلى [ ص: 96 ] قياس قول أبي يوسف لا يتصدق وسئل الخجندي عمن استأجر أجيرا للخدمة في سفره ولحرس ماله فذهب على الشرط إلى دار الحرب ثم غزا هذا الأجير بفرس المستأجر وسلاحه مع الكفار وأخذ منهم غنائم كثيرة لمن تكون قال إن شرط هذا المستأجر أن ما أصاب الأجير يكون للمستأجر يكون له وإن استأجره للخدمة فحسب فالمصاب يكون بينهما ( قوله ولو له فرسان ) يعني لو كان له فرسان لا يستحق إلا سهمين فلا يسهم إلا لفرس واحدة وقال أبو يوسف يسهم لفرسين لما روي { أنه عليه السلام أسهم لفرسين } ولأن الواحدة قد يعي فيحتاج إلى الآخر ولهما { أن البراء بن أوس قاد فرسين فلم يسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا لفرس } ولأن القتال لا يتحقق بفرسين دفعة واحدة فلا يكون السبب الظاهر مفضيا إلى القتال عليهما فيسهم لواحد ولهذا لا يسهم لثلاثة أفراس وما رواه محمول على التنفيل كما أعطى سلمة بن الأكوع رضي الله عنه سهمين وهو راجل وفي النهاية وهذه المسألة نظير ما بينا في النكاح أن المرأة لا تستحق النفقة إلا لخادم واحد عن أبي حنيفة ومحمد .

                                                                                        وقال أبو يوسف تستحق النفقة لخادمين ( قوله والبراذين كالعتاق ) لأن الإرهاب مضاف إلى جنس الخيل في الكتاب قال الله تعالى { ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم } واسم الخيل ينطلق على البراذين والعراب والهجين والمقرف إطلاقا واحدا ولأن العربي إن كان في الطلب والهرب أقوى فالبرذون أصبر وألين عطفا ففي كل منهما منفعة معتبرة فاستويا والبرذون التركي من الخيل والجمع البراذين وخلافها العراب ، والأنثى برذونة وعتاق الخيل والطير كرائمها كذا في المغرب وفي شرح النقاية العتاق بكسر العين كرام الخيل العربية والبراذين خيل العجم والهجين الذي أبوه عربي وأمه عجمية والمقرف عكسه ( قوله لا الراحلة والبغل ) أي لا يكونان كالعتاق فلا يسهم لهما لأن الإرهاب لا يقع بهما إذ لا يقاتل عليهما .

                                                                                        ( قوله والعبرة للفارس والراجل عند المجاوزة ) لأن المجاوزة نفسها قتال لأنهم يلحقون الخوف بها والحالة بعدها حالة الدوام ولا معتبر بها ولأن الوقوف على حقيقة القتال متعسر وكذا على شهود الوقعة لأنه حالة التقاء الصفين فتقام المجاوزة مقامه إذ هو السبب المفضي إليه ظاهرا إذا كان على قصد القتال فيعتبر حال الشخص حالة المجاوزة فارسا أو راجلا فلو دخل دار الحرب فارسا فنفق فرسه استحق سهم الفرسان ولو كان بقتل رجل وأخذ القيمة منه فإذا بقي فرسه وقاتل راجلا لضيق المكان يستحقه بالطريق الأولى وإن دخلها راجلا فاشترى فرسا استحق سهم راجل ، وهذا إذا هلك فرسه فإن دخلها فارسا ثم باعه أو رهنه أو أجره أو وهبه فإنه لا يستحق سهم الفارس في ظاهر الرواية لأن الإقدام على هذه التصرفات يدل على أنه لم يكن من قصده بالمجاوزة القتال فارسا وكذا إذا باعه حال القتال على الأصح لدلالته على غرض التجارة إلا إذا باعه مكرها كما في التتارخانية بخلاف ما إذا باعه بعد انقضاء الحرب فإنه يستحق سهم الفارس وفي الخلاصة ولو أعاره ففيه روايتان وأما إذا دخل على فرس مغصوب أو مستعار أو مستأجر ثم استرده المالك فقاتل راجلا ففيه روايتان ولم أر ترجيحا وينبغي ترجيح استحقاق سهم الفارس لحصول الإرهاب ولا صنع له في الاسترداد فصار كالهلاك بخلاف البيع وقد كتبته قبل مراجعة ما في فتح القدير ثم رأيته قال بعد ذكر الروايتين ومقتضى كونه جاوز بفرس لقصد القتال عليه ترجيح الاستحقاق إلا أن يزاد في أجزاء السبب بفرس مملوك وهو ممنوع فإنه لو لم يسترد المعير وغيره حتى قاتل عليه كان فارسا ا هـ .

                                                                                        قالوا ويشترط أن يكون الفرس صالحا للقتال بأن يكون صحيحا كبيرا حتى لو دخل بمهر أو مريض لا يستحق سهم الفرسان لأنه لا يقصد به القتال وفي التتارخانية لو زال المرض وصار بحال يقاتل عليه قبل [ ص: 97 ] الغنيمة فالقياس أن لا يسهم له وفي الاستحسان يسهم له بخلاف ما إذا طال المكث في دار الحرب حتى بلغ المهر وصار صالحا للركوب فقاتل عليه لا يستحق سهم الفرسان ا هـ .

                                                                                        وكان الفرق هو أن الإرهاب حاصل بالكبير المريض في الجملة بخلافه في المهر وفيها لو غصب فرسه منه قبل الدخول فدخل راجلا ثم استرده فيها سهم الفارس ، وكذا لو ركب رجل عليه ودخل دار الحرب وكذا لو نفر الفرس فاتبعه ودخل راجلا وكذا إذا ضل منه فدخل راجلا ثم وجده فيها فإن صاحبه لا يحرم سهم الفرس ولو وهبها ودخل راجلا ودخل الموهوب له فارسا ثم رجع فيها استحق الموهوب له في الغنيمة سهم الفارس فيما أصابه قبل الرجوع وسهم الراجل فيما أصيب بعده والراجع راجل مطلقا كالبائع فاسدا في دار الإسلام إذا استرده في دار الحرب للفساد وكالمستحق للفرس في دار الحرب وكالراهن إذا افتكها فيها ولو باعها ثم وهب له أخرى وسلمت كان فارسا ولو استردها المؤجر أو المعير فملك غيرها بشراء أو هبة فالثانية تقوم مقام الأولى ولو كان الأول بإجارة والثاني كذلك أو بعارية والثاني كذلك فالثاني يقوم مقام الأول ولو كان الأول بإجارة والثاني عارية فإنه لا يقوم مقامه . ولو اشتراها في دار الإسلام وتقابضا في دار الحرب فهما راجلان ، ولو نقده قبل الدخول وقبضها بعده فالمشتري فارس والفرس المشترك بين رجلين يقاتل هذا مرة وهذا أخرى لا سهم له إلا إذا أجر أحدهما نصيبه من شريكه قبل الدخول فالسهم للمستأجر ا هـ .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( فصل في كيفية القسمة ) .

                                                                                        [ ص: 96 ] ( قوله ولو كان بقتل رجل وأخذ القيمة منه ) أي ولو كان موت الفرس بعد الدخول لدار الحرب بسبب قتل رجل لها وأخذ القيمة من قاتلها [ ص: 97 ] ( قوله وكان الفرق إلخ ) ذكر الفرق في شرح السير بأن المريض كان صالحا للقتال عليه إلا أنه تعذر لعارض على شرف الزوال فإذا زال صار كأن لم يكن بخلاف المهر فإنه ما كان صالحا ابتداء في دار الحرب فيكون كمن اشترى فرسا في دار الحرب ويوضح الفرق أن الصغيرة لا تستوجب النفقة على زوجها لأنها لا تصلح لخدمة الزوج والمريضة تستوجب لأنها كانت صالحة ولكن تعذر ذلك بعارض .




                                                                                        الخدمات العلمية