الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              3132 3131 (6) باب

                                                                                              تحسين صحبة ملك اليمين، والتغليظ على سيده في لطمه، أو ضربه في غير حد ولا أدب، أو قذفه بالزنا

                                                                                              [ 1579 ] عن زاذان: أن ابن عمر دعا بغلام له، فرأى بظهره أثرا فقال له: أوجعتك؟ قال: لا، قال: فأنت عتيق. قال: ثم أخذ شيئا من الأرض فقال: ما لي فيه من الأجر ما يزن هذا، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من ضرب غلاما له حدا لم يأته أو لطمه، فإن كفارته أن يعتقه.

                                                                                              رواه أحمد ( 2 \ 25 و 61)، ومسلم (1657)، وأبو داود (5168). [ 1580 ] وعن معاوية بن سويد قال: لطمت مولى لنا، فهربت ثم جئت قبل الظهر فصليت خلف أبي، فدعاه ودعاني، ثم قال: امتثل منه، فعفا ثم قال: كنا بني مقرن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس لنا إلا خادم واحدة، فلطمها أحدنا، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أعتقوها". قالوا: ليس لهم خادم غيرها، قال: "فليستخدموها، فإذا استغنوا عنها فليخلوا سبيلها".

                                                                                              رواه أحمد ( 3 \ 448 )، ومسلم (1658)، وأبو داود (5166 و 5167)، والترمذي (1542). [ ص: 347 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 347 ] (6) ومن باب: تحسين صحبة المماليك

                                                                                              كان ضرب ابن عمر رضي الله عنهما لعبده أدبا على جناية، غير أنه أفرط في أدبه بحسب الغضب البشري، حتى جاوز مقدار الأدب، ولذلك أثر الضرب في ظهره. وعندما تحقق ذلك رأى: أنه لا يخرجه مما وقع فيه إلا عتقه، فأعتقه بنية الكفارة، ثم فهم أن الكفارة غايتها إذا قبلت أن تكفر إثم الجناية، فيخرج الجاني رأسا برأس، لا أجر، ولا وزر، ولذلك قال ابن عمر رضي الله عنهما: ( ما لي فيه من الأجر شيء ).

                                                                                              و (قوله صلى الله عليه وسلم: ( من ضرب غلامه له حدا لم يأته، أو لطمه، فإن كفارته أن يعتقه ) ظاهر هذا الحديث والأحاديث المذكورة بعده: أن من لطم عبده، أو تعدى في ضربه وجب عليه عتقه لأجل ذلك. ولا أعلم من قال بذلك. غير أن أصول أهل الظاهر تقتضي ذلك.

                                                                                              وإنما اختلف العلماء فيمن مثل بعبده مثلة ظاهرة، مثل [ ص: 348 ] قطع يده، أو فقء عينه . فقال مالك ، والليث : يجب عليه عتقه. وهل يعتق بالحكم، أو بنفس وقوع المثلة؟ قولان لمالك . وذهب الجمهور: إلى أن ذلك لا يجب. وسبب الخلاف اختلافهم في تصحيح ما روي من ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم: (من مثل بعبده عتق عليه).

                                                                                              قلت: ومحمل الحديث الأول عند العلماء على التغليظ على من لطم عبده، أو تعدى في ضربه لينزجر السادة عن ذلك. فمن وقع منه ذلك أثم، وأمر بأن يرفع يده عن ملكه عقوبة، كما رفع يده عليه ظلما. ومحمله عندهم على الندب، وهو الصحيح؛ بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم لبني مقرن حين أمرهم بعتق الملطومة، فقالوا: ليس لنا خادم غيرها، فقال: ( استخدموها، فإذا استغنيتم عنها فخلوا سبيلها ). فلو وجب العتق بنفس اللطم لحرم الاستخدام؛ لأنها كانت تكون حرة، [ ص: 349 ] واستخدام الحر بغير رضاه حرام. فمقصود هذه الأحاديث - والله أعلم -: أن من تعدى على عبده أثم، فإن أعتقه يكفر أجر عتقه إثم تعديه، وصارت الجناية كأن لم تكن، ومع ذلك: فلا يقضى عليه بذلك؛ إذ ليس بواجب، على ما تقدم.




                                                                                              الخدمات العلمية