الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          مع لجاجتهم في الكفر والتكذيب والاستهزاء؛ يذكرهم (تعالى) بنعمه عليهم بإيجاز؛ فيقول: أولم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم ؛ الهمزة للاستفهام الإنكاري؛ بمعنى التوبيخ؛ والواو عاطفة على فعل محذوف؛ تقديره في القول: " افعلوا ذلك " ؛ ولم ينظروا؛ وهذا توبيخ على فعلهم; لأنهم استهزؤوا بالحق؛ ونعم الله تحوطهم وتستغرقهم؛ " يروا " ؛ معناه: " يرون " ؛ ولكنها هنا نظرة تأملية متتبعة؛ وليست نظرة عاجلة خاضعة؛ بل ترجع البصر حينا بعد حين; ولذا كانت التعدية للدلالة على التتبع؛ متبصرين؛ إلى الأرض؛ كيف ينبت [ ص: 5339 ] فيها النبات؛ ويستغلظ سوقه؛ ويقوى عوده حتى يصير طعاما في ذاته؛ أو حبا متراكبا؛ وهكذا؛ ولذا قال (تعالى):كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم ؛ " كم " ؛ هنا؛ هي الخبر الدال على الكثرة؛ وموضعها في الإعراب النصب؛ أي: كثيرا ما أنبتنا فيها؛ من كل زوج ؛ " من " ؛ بيانية؛ أي: أنبتنا من زوج؛ أي: شيئين متقابلين في اللون أو الذكورة والأنوثة؛ وغير ذلك من كل شيئين متقابلين في الألوان والطعوم؛ و " كريم " ؛ أي: كثير المنافع في الأكل والملبس والمأوى؛ وإن هذه الجملة السامية فيها من دلائل الإعجاز بإيجاز القصر؛ الذي تكثر فيه المعاني؛ مع قلة الألفاظ؛ فهذه الجملة شملت كل ما في معاني الإنبات؛ وثماره؛ من زرع وغراس نخيل وعنب وفواكه؛ من كل ما تشمله الألفاظ؛ وتراه الأعين.

                                                          إن في ذلك لآية ؛ الإشارة إلى الإنبات؛ أي: إن في ذلك لآية؛ أي: لعلامة تدل على قدرة القادر؛ ونراها كل يوم في حياتنا الخاصة والعامة؛ وهي حولنا تنبئنا بالعليم الخبير؛ القادر على كل شيء؛ فحولنا النخيل والأعناب؛ وحولنا الحب المتراكب؛ والزروع والحشائش التي تأكل منها أنعامنا؛ وتدر علينا الدر الوفير؛ ولكن مع هذه الآية الباهرة والدلائل القاهرة أكثرهم لا يؤمنون؛ ولذا قال (تعالى): وما كان أكثرهم مؤمنين ؛ " كان " ؛ هي الدالة على الاستمرار؛ أي: وقد استمر أكثرهم غير مؤمنين; لأنهم لم تدرك عقولهم؛ ولم يتدبروا؛ ولم يتفكروا.

                                                          وإن ربك لهو العزيز الرحيم ؛ الواو عاطفة على ما ذكر من آيات بينات؛ والتعبير بـ " ربك " ؛ للإشارة إلى معاني الخلق والربوبية والكلاءة والحفظ والرعاية والقيام على الحياة والأحياء؛ لأنه الحي القيوم؛ " لهو " ؛ اللام لام التوكيد؛ " العزيز " ؛ أي: الغالب " الرحيم " ؛ المتصف بصفة الرحمة؛ الدائم؛ فهو رحيم بهذا الخلق والتكوين؛ ورحيم بهذه الرسائل التي أرسلها على أيدي الرسل؛ ورحيم بالبعث والنشور؛ ورحيم بكل ما ورد به الرسل من معجزات دالة على رسالاتهم؛ ورحيم بالعقاب؛ والثواب؛ لأن ذلك حمل على الخير؛ وجزاء عليه.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية