الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
يا نساء النبيء لستن كأحد من النساء إن اتقيتن .

أعيد خطابهن من جانب ربهن وأعيد نداؤهن للاهتمام بهذا الخبر اهتماما يخصه .

وأحد : اسم بمعنى واحد مثل قل هو الله أحد وهمزته بدل من الواو . وأصله : وحد بوزن فعل ، أي متوحد ، كما قالوا : فرد بمعنى منفرد . قال النابغة يذكر ركوبه راحلته :


كأن رحلي وقد زال النهار بنا يوم الجليل على مستأنس وحد



يريد على ثور وحشي منفرد . فلما ثقل الابتداء بالواو شاع أن يقولوا : أحد [ ص: 7 ] وأكثر ما يستعمل في سياق النفي ، قال تعالى فما منكم من أحد عنه حاجزين فإذا وقع في سياق النفي دل على نفي كل واحد من الجنس .

ونفي المشابهة هنا يراد به نفي المساواة مكنى به عن الأفضلية على غيرهن مثل نفي المساواة في قوله تعالى لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله ، فلولا قصد التفضيل ما كان لزيادة غير أولي الضرر وجد ولا لسبب نزولها داع كما تقدم في سورة النساء . فالمعنى : أنتن أفضل النساء ، وظاهره تفضيل لجملتهن على نساء هذه الأمة ، وسبب ذلك أنهن اتصلن بالنبيء - عليه الصلاة والسلام - اتصالا قريبا من كل اتصال وصرن أنيساته ملازمات شئونه ، فيختصصن باطلاع ما لم يطلع عليه غيرهن من أحواله وخلقه في المنشط والمكره ، ويتخلقن بخلقه أكثر مما يقتبس منه غيرهن ، ولأن إقباله عليهن إقبال خاص ، ألا ترى إلى قوله - صلى الله عليه وسلم - حبب إلي من دنياكم النساء والطيب وقال تعالى الطيبات للطيبين . ثم إن نساء النبيء - عليه الصلاة والسلام - يتفاضلن بينهن .

والتقيد بقوله إن اتقيتن ليس لقصد الاحتراز عن ضد ذلك ، وإنما هو إلهاب وتحريض إلى الازدياد من التقوى ، وقريب من هذا المعنى قول النبيء - صلى الله عليه وسلم - لحفصة إن عبد الله ( يعني أخاها ) رجل صالح لو كان يقوم الليل أبلغت حفصة ذلك عبد الله بن عمر فلم يترك قيام الليل بعد ذلك ؛ لأنه علم أن المقصود التحريض على القيام .

وفعل الشرط مستعمل في الدلالة على الدوام ، أي إن دمتن على التقوى فإن نساء النبيء - صلى الله عليه وسلم - متقيات من قبل ، وجواب الشرط دل عليه ما قبله .

واعلم أن ظاهر هذه الآية تفضيل أزواج النبيء - صلى الله عليه وسلم - على جميع نساء هذه الأمة . وقد اختلف في التفاضل بين الزوجات وبين بنات النبيء - صلى الله عليه وسلم - . وعن الأشعري الوقف في ذلك ، ولعل ذلك لتعارض الأدلة السمعية ولاختلاف جهات أصول التفضيل الدينية والروحية بحيث يعسر ضبطها بضوابط .

[ ص: 8 ] أشار إلى جملة منها أبو بكر بن العربي في شرح الترمذي في حديث رؤيا رجل من أصحاب النبيء - صلى الله عليه وسلم - : أنه رأى ميزانا نزل من السماء ، فوزن النبيء - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر ، فرجح النبيء - صلى الله عليه وسلم - ووزن أبو بكر وعمر فرجح أبو بكر ، ووزن عمر وعثمان فرجح عمر ، ثم رفع الميزان . والجهات التي بنى عليها أبو بكر بن العربي أكثرها من شئون الرجال . وليس يلزم أن تكون بنات النبيء - صلى الله عليه وسلم - ولا نساؤه سواء في الفضل . ومن العلماء من جزموا بتفضيل بنات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أزواجه وبخاصة فاطمة - رضي الله عنها - وهو ظاهر كلام التفتزاني في كتاب المقاصد . وهي مسألة لا يترتب على تدقيقها عمل فلا ينبغي تطويل البحث فيها .

والأحسن أن يكون الوقف على إن اتقيتن ، وقوله فلا تخضعن ابتداء تفريع وليس هو جواب الشرط .

التالي السابق


الخدمات العلمية