الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ ص: 5340 ] من قصة موسى - عليه السلام -

                                                          قال (تعالى): وإذ نادى ربك موسى أن ائت القوم الظالمين قوم فرعون ألا يتقون قال رب إني أخاف أن يكذبون ويضيق صدري ولا ينطلق لساني فأرسل إلى هارون ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون قال كلا فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين أن أرسل معنا بني إسرائيل قال ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين قال فعلتها إذا وأنا من الضالين ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل قال فرعون وما رب العالمين قال رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين قال لمن حوله ألا تستمعون قال ربكم ورب آبائكم الأولين قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون قال لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين قال أولو جئتك بشيء مبين قال فأت به إن كنت من الصادقين [ ص: 5341 ] فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ونـزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين قال للملإ حوله إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون قالوا أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين يأتوك بكل سحار عليم فجمع السحرة لميقات يوم معلوم وقيل للناس هل أنتم مجتمعون لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أإن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين

                                                          هذه قصة موسى وفرعون؛ والمقاولة التي جرت بين موسى الكليم؛ وفرعون الجبار العنيد؛ وإن فيها جزءا لم يذكر في قصة موسى وهارون؛ وهي المجاوبة التي كانت بين كليم الله؛ ومربيه؛ حتى بلغ رشده؛ وفيها عتب المربي ودفاع من تربى؛ ومجابهته بالحق القوي الصريح؛ وجاء ما هو مذكور في غير هذا الموضع من قصة العصا؛ ثم قصة النجاة؛ التي سنذكرها في موضعها فيما يلي؛ وإن ذكر التربية هو الذي اختصت به القصة؛ وجاء ذكر المعجزة؛ وأعمال السحرة تابعا؛ ولا يعد ذلك تكرارا لأصل القصة؛ إن كان طاغوت فرعون يذكر فيما تشبه التكرار؛ تنبيها على الظلم والطغيان؛ كما يكرر ذكر طلب التوحيد؛ والنهي عن الشرك. [ ص: 5342 ] وإذ نادى ربك موسى أن ائت القوم الظالمين قوم فرعون ألا يتقون " ؛ الواو عاطفة هذا الكلام على ما سبقه؛ أو دالة على الاستئناف؛ و " إذ " ؛ متعلقة بمحذوف؛ تقديره: " اذكر " ؛ أي: اذكر لقومك قصة موسى؛ والتعبير بـ " ربك " ؛ إشارة إلى أنه الكالئ الحامي المدبر القيوم على كل شيء؛ " أن " ؛ حرف تفسير للنداء؛ نداء الله (تعالى) - جلت قدرته -؛ فالنداء: ائت القوم الظالمين قوم فرعون " ؛ وصفوا بالظلم; لأنهم هم الذين مكنوا فرعون من ظلمه؛ فكانوا ظالمين; لأنهم الذين أقاموه؛ وأيدوه؛ وطاوعوه؛ ومهدوا؛ وصاروا آلة طيعة لتنفيذ مظالمه؛ وإنه لا يسأل العامة عن ظلم الخاصة؛ حتى يروا الظلم؛ فلا يستنكروه؛ وكذلك كان أهل مصر؛ وعبر عنهم بـ قوم فرعون ؛ لأنهم كانوا له تبعا؛ وقد فني وجودهم في وجوده؛ ألا يتقون ؛ هذه جملة مستأنفة دالة على أنهم لم يتقوا؛ وأفرطوا في اتباع فرعون؛ وكان إسرافهم على أنفسهم؛ إذ إنهم لما لم يستنكروا أوغل هو في الطغيان؛ بمقدار إسرافهم في الخضوع؛ فرد الطغاة وقاية للأنفس؛ واتقاء لله؛ و " ألا " ؛ دالة على التحريض والحث على التقوى؛ وهنا التفات من الخطاب إلى الغيبة؛ للدلالة على الغضب عليهم؛ وهناك قراءة بالخطاب: " ألا تتقون " ؛ ويكون النص محرضا لهم على التقوى.

                                                          وإن ذلك النص بعد فوات قرون؛ فيكون معناه أنهم كانوا في حال كان يجب أن يحرضوا فيها على التقوى؛ وأن موسى - عليه السلام - حرضهم عليها؛ ولم يتركهم لأنفسهم؛ وفي ذلك إشارة إلى أنه يجب أن يقمع كبراء قريش؛ وألا يستسلم الناس لهم؛ ويخنعوا لعبادة الأوثان.

                                                          وهناك قراءة بكسر نون " ألا يتقون " ؛ وتكون منيبة عن ياء المتكلم؛ أي: ألا تتقون الله رب العالمين؟!

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية