الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          قالوا أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين يأتوك بكل سحار عليم فجمع السحرة لميقات يوم معلوم وقيل للناس هل أنتم مجتمعون لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أإن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين " ؛ قالوا أرجه وأخاه ؛ أي: أرجئه وأخاه؛ وحذفت الهمزة في آخر الكلمة تخفيفا؛ والهاء ضمير يعود على موسى - عليه السلام -؛ والمعنى: أرجئه وأرجئ أخاه أمدا؛ وقيل: إنه حبسهما؛ وليس عندنا ما يدل على ذلك؛ إنما الذي يدل عليه القول هو أنه أجلهما أمدا معلوما ليختبر الدليل الذي قدماه؛ ولا نحسب أنه كان عنده قوة على الحبس؛ فقد اضطرب أمره؛ وتحير تدبيره؛ وكان في فزع؛ قد فوجئ بأسبابه؛ فاختل ميزان طاغوته؛ هذه هي الوصية الأولى التي تقدموا بها؛ [ ص: 5352 ] والثانية هي قولهم: وابعث في المدائن حاشرين ؛ " المدائن " ؛ جمع " مدينة " ؛ و " حاشرين " ؛ جمع " حاشر " ؛ أي: جامع للناس يجمعهم في ميقات يوم معلوم؛ وسمي " حاشرا " ؛ للدلالة على أنه يجمع أكبر عدد؛ ويحشرهم حشرا؛ يأتوك بكل سحار عليم ؛ يأتوك ؛ جواب الأمر؛ فهو مجزوم لذلك؛ وفعل الشرط؛ " ابعث " ؛ و " السحار " ؛ صيغة مبالغة من " السحر " ؛ أي أنهم بارعون في السحر؛ لا يغلبون؛ علماء بأسبابه؛ وما يكون فيه؛ بحيث لا يغيب عنهم باب من أبوابه؛ ولا طريق من طرائقه؛ ولا منهاج من مناهجه؛ فجمع السحرة لميقات يوم معلوم ؛ الفاء للترتيب والتعقيب النسبي؛ أي: فجمع السحرة باتخاذ الطريق الذي رسموه؛ والمنهاج الذي حفظوه؛ واللام بمعنى " في " ؛ وهي كاللام في قوله (تعالى): أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل

                                                          وهذا الميقات المعلوم كان باقتراح موسى - عليه السلام -؛ كما قال (تعالى) - في سورة " طـه " -: فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى

                                                          وإن هذا يدل على أنه لم يكن مسجونا؛ كما ادعى بعض المفسرين؛ وقيل للناس هل أنتم مجتمعون ؛ القائل للناس مجهول؛ غير مذكور؛ فمن هو القائل؟ أهو فرعون؛ أم هم الحاشرون الذين بعثوا ليجمعوا الناس؟ وكان هذا الاستفهام للتأكد من اجتماعهم أجمعين؛ وأنه لم يتخلف أحد؛ وللدلالة على العناية بالاجتماع؛ لخطر موضعه؛ ولشدة حاجة فرعون إليه.

                                                          وقال الداعي غير المذكور؛ أو الذي جهل: لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين ؛ " لعل " ؛ للرجاء؛ وهو يدل على أنهم غير متأكدين من علمهم؛ كما أنه وجد أيضا أمر آخر يدل على الشك في القلب؛ وهو التعبير في التعليق بـ " إن " ؛ الدالة على الشك؛ لا بـ " إذا " ؛ الدالة على التحقيق؛ وفي تعبيرهم: نتبع السحرة ؛ يشير إلى أنهم يسيرون وراءهم في حكمهم إن غلبوا.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية