الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          طغى طغيان فرعون؛ وظهر حمقه؛ فبدل أن يذعن للحكم الذي اختاره؛ ثار عليهم؛ وقال: قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلسوف تعلمون لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم أجمعين ؛ داهية نزلت بألوهية فرعون؛ وتأثيره في قومه؛ وبطلان حجته في رد موسى؛ أمام حشد مجتمع من مدائن مصر كلها؛ ليشهدوا نصرته؛ فشهدوا بطلان حجته؛ وهزيمته؛ فاستخدم الطغيان ليحول الأذهان؛ ولتكون رهبته محل حجته؛ آمنتم له قبل أن آذن لكم ؛ إذا جعلنا همزة استفهام في القول؛ وإذا لم يكن استفهام يكون ذكر الإيمان قبل الإذن منه هو الاستنكار؛ كأنه ملك قلوبهم وأجسادهم؛ وخواطرهم ونوازع نفوسهم؛ وهذا شأن كل جبار متحكم؛ كأنه ملك الأفئدة والعقول والنفوس; لأن الذين حوله يوعزون له بذلك؛ وبأن هذا حق الله فرضته الطاعة؛ ثم الألوهية الباطلة؛ وقوله (تعالى): " له " ؛ أي: مذعنين خاضعين له؛ ولم يفرض أنه الحق بموجب علمهم؛ وتفريقهم بين باطل السحر؛ ومعجزة الحق؛ بل فرض أنه كبيرهم الذي علمهم السحر ليموه على الناس؛ فقال: إنه لكبيركم الذي علمكم السحر؛ فأنتم تتبعون معلمكم ولا تتبعونني.

                                                          ثم انتقل من التضليل إلى التهديد كشأن الطغاة دائما إذا ما حل بهم الدليل يسترون عجزهم بالتهديد؛ فيقول: فلسوف تعلمون ؛ الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها؛ واللام تفيد توكيد التهديد؛ و " سوف " ؛ لبيان تأكيد العلم في المستقبل؛ وهو علم معاينة؛ لا علم إخبار؛ ولذا ذكر مما هدد به نافذا واقعا: لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ؛ أي: يدا من جانب؛ ورجلا من جانب؛ ولأصلبنكم أجمعين ؛ إن التصليب يكون مقارنا للقتل؛ فكأنه هددهم بأمور ثلاثة؛ أولها [ ص: 5357 ] التعذيب بقطع الأيدي والأرجل من خلاف؛ وثانيها القتل؛ وثالثها التصليب; ليكونوا عبرة لغيرهم؛ إذ هم أول من شقوا عصا الطاعة؛ ونبذوا ألوهيته وراء ظهورهم.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية