الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : ولو زاد الدم على أكثر الحيض والنفاس فما زاد على عادتها استحاضة ) ; لأن ما رأته في أيامها حيض بيقين وما زاد على العشرة استحاضة بيقين وما بين ذلك متردد بين أن يلحق بما قبله فيكون حيضا فلا تصلي وبين أن يلحق بما بعده فيكون استحاضة فتصلي فلا تترك الصلاة بالشك فيلزمها قضاء ما تركت من الصلاة والمراد بالأكثر عشرة أيام وعشر ليال في الحيض حتى إذا كان عشرة أيام وتسع ليال ، ثم زاد الدم فإنه حيض حتى يزيد على ليلة الحادي عشر ، كذا في السراج الوهاج وهل تترك بمجرد رؤيتها الزيادة قيل لا إذ لم تتيقن بكونه حيضا لاحتمال الزيادة على العشرة وقيل نعم استصحابا للحال ولأن الأصل الصحة وكونه استحاضة بكونه عن داء وصححه في النهاية وغيرها وكذا في النفاس فما زاد على الأربعين ولها عادة معروفة فإنها ترد إليها أطلقه فشمل ما إذا كان ختم عادتها بالدم أو بالطهر وهذا عند أبي يوسف وعند محمد إن كان ختم عادتها بالدم فكذلك ، وإن كان بالطهر فلا ; لأن أبا يوسف يرى ختم الحيض والنفاس بالطهر إذا كان بعده دم ومحمد لا يرى ذلك وبيانه ما ذكر في الأصل إذا كانت عادتها في النفاس ثلاثين يوما فانقطع دمها على رأس عشرين يوما وطهرت عشرة أيام تمام عادتها فصلت وصامت ، ثم عاودها الدم فاستمر بها حتى جاوز الأربعين ذكر أنها مستحاضة فيما زاد على الثلاثين ولا يجزئها صومها في العشرة التي صامت فيلزمها القضاء قال الحاكم الشهيد هذا على مذهب أبي يوسف يستقيم

                                                                                        فأما على مذهب محمد ففيه نظر لما قدمناه فنفاسها عنده عشرون [ ص: 224 ] يوما فلا يلزمها قضاء ما صامت في العشرة أيام بعد العشرين ، كذا في البدائع وقيد بكونه زاد على الأكثر ; لأنه لو زاد على العادة ولم يزد على الأكثر فالكل حيض اتفاقا بشرط أن يكون بعده طهر صحيح ، وإنما قيدنا به ; لأنها لو كانت عادتها خمسة أيام مثلا من أول كل شهر فرأت ستة أيام فإن السادس حيض أيضا ، فإن طهرت بعد ذلك أربعة عشر يوما ، ثم رأت الدم فإنها ترد إلى عادتها وهي خمسة واليوم السادس استحاضة فتقضي ما تركته فيه من الصلاة ، كذا في السراج الوهاج ، وإنما الخلاف في أنه يصير عادة لها أو لا إلا إن رأت في الثاني كذلك ، وهذا بناء على نقل العادة بمرة أو لا فعندهما لا وعند أبي يوسف نعم وفي الخلاصة والكافي أن الفتوى على قول أبي يوسف ، وإنما تظهر ثمرة الاختلاف فيما لو استمر بها الدم في الشهر الثاني فعند أبي يوسف يقدر حيضها من كل شهر ما رأته آخرا وعندهما على ما كان قبله ، كذا في فتح القدير وفيه نظر ، بل ثمرة الاختلاف تظهر أيضا فيما إذا رأت في الشهر الأول زيادة على عادتها فإن الأمر موقوف عند أبي حنيفة إن رأت في الشهر الثاني مثله فهذا والأول حيض وإلا فهو استحاضة وقالا حيض ; لأن أبا يوسف يرى نقض العادة بمرة ومحمد يرى الإبدال إن أمكن كما صرح به في الكافي فيما إذا رأت يومين ويوما قبلها وفي الفتاوى الظهيرية ولو رأت صاحبة العادة قبل أيامها ما يكون حيضا وفي أيامها ما لا يكون حيضا أو رأت قبل أيامها ما لا يكون حيضا وفي أيامها ما لا يكون حيضا لكن إذا جمعا كان حيضا أو رأت قبل أيامها ما يكون حيضا ولم تر في أيامها شيئا لا يكون شيء من ذلك حيضا عند أبي حنيفة والأمر موقوف إلى الشهر الثاني ، فإن رأت في الشهر الثاني ما رأت في الشهر الأول يكون الكل حيضا وعندهما يكون حيضا غير أن عند أبي يوسف بطريق العادة وعند محمد بطريق البدل ، ولو رأت قبل أيامها ما لا يكون حيضا وفي أيامها ما يكون حيضا فالكل حيض بالاتفاق ويجعل ما قبل أيامها تبعا لأيامها

                                                                                        ولو رأت قبل أيامها ما يكون حيضا وفي أيامها ما يكون حيضا فعن أبي حنيفة روايتان وكذا الحكم في المتأخر غير أنها إذا رأت في [ ص: 225 ] أيامها ما يكون حيضا وبعد أيامها ما لا يكون حيضا يكون الكل حيضا رواية واحدة عن أبي حنيفة ، وقد بين الإبدال على قول محمد وأطال فيه فمن رامه فليراجعها وما في الظهيرية هو الانتقال من حيث المكان وما تقدم هو انتقال العادة من حيث العدد ، وعلى هذا الخلاف لو انقطع دون عادتها على ثلاثة أو أربعة ، كذا في السراج الوهاج وفي الظهيرية والعادة كما تنتقل برؤية الدم المخالف للدم المرئي في أيامها مرتين فكذلك تنتقل بطهر أيامها مرتين قيد بكونها معتادة ; لأنه لو لم يكن لها عادة معروفة بأن كانت ترى شهرا ستا وترى شهرا سبعا فاستمر بها الدم فإنها تأخذ في حق الصوم والصلاة والرجعة بالأقل وفي حق انقضاء العدة والغشيان بالأكثر فعليها إذا رأت ستة أيام في الاستمرار أن تغتسل في اليوم السابع لتمام السادس وتصلي فيه وتصوم إن كان دخل عليها شهر رمضان ; لأنه يحتمل أن يكون السابع حيضا ويحتمل أن لا يكون حيضا فوجب احتياطا

                                                                                        فإذا جاء الثامن فعليها الغسل ثانيا وتقضي اليوم الذي صامته في السابع لاحتمال كونها حائضا فيه ولا تقضي الصلاة ، وإن كانت عادتها خمسة فحاضت ستة ، ثم حاضت أخرى سبعة ، ثم حاضت أخرى ستة فعادتها ستة بالإجماع حتى يبنى الاستمرار عليها ; لأن عند أبي يوسف يبنى الاستمرار على المرة الأخيرة ، وأما عندهما فقد رأت الستة مرتين ، كذا في البدائع والمبسوط ومنهم كصاحب المحيط والمصفى جعل هذا نظير العادة الجعلية وأنها نوعان أصلية وهي أن ترى دمين متفقين وطهرين متفقين على الولاء أو أكثر وإن الخلاف جار فيها والجعلية تنتقل برؤية المخالف مرة واحدة اتفاقا وهي أن ترى أطهارا مختلفة ودماء مختلفة بأن رأت في الابتداء خمسة دما وسبعة عشر طهرا ، ثم أربعة وستة عشر ، ثم ثلاثة وخمسة عشر ، ثم استمر بها الدم فعلى قول محمد بن إبراهيم يبنى على أوسط الأعداد فتدع من أول الاستمرار أربعة وتصلي ستة عشر وذلك دأبها وعلى قول ابن مزاحم تبني على أقل المرئيين الأخيرين فتدع ثلاثة وتصلي خمسة عشر فهذه عادتها جعلية لها في زمن الاستمرار ولذلك سميت جعلية ; لأنها جعلت عادة للضرورة ولا يخفى أن ما في البدائع وغيره أولى ; لأنه أحوط ، ثم اختلفوا في العادة الجعلية إذا طرأت على العادة الأصلية هل تنتقض الأصلية قال أئمة بلخ لا ; لأنها دونها

                                                                                        وقال أئمة بخارى نعم ; لأنها لا بد أن تتكرر في الجعلية خلاف ما كان في الأصلية فإن المرأة متى كانت عادتها الأصلية في الحيض خمسة فلا تثبت العادة الجعلية إلا برؤية ستة وسبعة وثمانية ويتكرر فيها خلاف العادة الأصلية مرارا فالعادة الأصلية تنتقل بالتكرار بخلافها ، كذا في المحيط وفي المجتبى والعادة تنتقل عند أبي يوسف بأحد أمور ثلاثة بعدم رؤية مكانها مرة وبطهر صحيح صالح لنصب العادة يخالف الأول مرة ودم صالح مخالف مرة وعندهما بتكرر هذه الأمور مرتين على الولاء ا هـ .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله فلا تترك الصلاة بالشك إلخ ) يعني لا تترك قضاءها بالشك ; لأن الكلام مفروض فيما إذا رأت الزائد على العشرة وحينئذ لا يمكن سوى القضاء وليس المراد أنها لا تترك أداء الصلاة قبل ذلك بمجرد رؤيتها الزائد على العشرة ; لأن في ذلك خلافا سيذكره بعد بقوله وهل تترك إلخ وحينئذ يندفع ما يتوهم من أنه حكم أولا أنها لا تترك الصلاة وثانيا ردد ووجه الدفع أن المراد بالأول القضاء وبالثاني الأداء ، وإنما حملناه على ذلك ; لأنه المتبادر من كلام النهاية وذلك حيث قال ناقلا عن المبسوط فلا تترك الصلاة فيه بالشك ; لأن وجوب الصلاة كان ثابتا بيقين فلا تترك إلا بيقين مثله وكان إلحاقه بما بعده أولى ; لأنه ما ظهر إلا في الوقت الذي ظهر فيه الاستحاضة متصلا به ، ثم قال هذا الذي ذكره في المعتادة بما دون العشرة فجاوز الدم في المرة الثانية من العشرة ، وأما إذا كانت المرأة معتادة بما دون العشرة بأن كانت عادتها خمسة أيام مثلا فرأت في المرة الثانية في اليوم السادس أيضا دما فقد اختلف المشايخ فيه إلى آخر كلامه فظاهر قوله ; لأنه ما ظهر إلا في الوقت إلخ وقوله فرأت في اليوم السادس إلخ يفهم منه ما قلنا فتأمل [ ص: 224 ]

                                                                                        ( قوله : وإنما قيدنا به إلخ ) أي بقوله بشرط أن يكون بعد طهر صحيح . ( قوله : وإنما الخلاف إلخ ) مقابل لقوله فالكل حيض اتفاقا أي ذلك لا خلاف فيه ، وإنما الخلاف في أنه هل يصير عادة لها أو لا يصير إلا أن تراه في الشهر الثاني كذلك . ( قوله : وفيه نظر إلخ ) كذا ذكر النظر أخو المصنف صاحب النهر وأقره عليه قال بعض الفضلاء قلت : هذا غير وارد ; لأن الحصر الذي ادعاه المحقق إنما هو في ثمرة الخلاف بين أبي يوسف والطرفين وما أورده صاحب البحر هو ثمرة الاختلاف بين الإمام والصاحبين على أن قوله وإلا فهو استحاضة غير مسلم لما تقدم أن الزائد على العادة إن لم يتجاوز العشرة فالكل حيض بالاتفاق لا يقال المراد من الزيادة أن يزيد على العادة ويتجاوز الطهر ثمرة ; لأنا نقول يأباه قوله إن رأت في الشهر الثاني مثله فهذا والأول حيض ، وأما ما ذكره في الكافي فيما إذا رأت يومين فيها ويوما قبلها فقد بين وجه كونه موقوفا عند الإمام وحيضا عندهما الفقيه أبو الليث في كتابه مختلف الرواية فقال المرأة إذا رأت في أيامها ما لا يكون حيضا أي أقل من ثلاثة أيام ولياليها وقبل أيامها كذلك وبالجمع يتم ثلاثا فالأمر موقوف إن رأت في الشهر الثاني مثله فهذا والأول حيض وإلا فهو استحاضة وقالا المجموع حيض لهما أن المرئي في أيامها وإن قل أصله فيستتبع ما قبله ولأن أبا يوسف يرى نقض العادة بمرة واحدة ومحمدا يرى الإبدال إذا أمكن وله أن المرئي في أيامها ليس بنصاب فلا يستتبع ما قبله ولا وجه لنقض العادة إلا بالإعادة على ما عرف . ا هـ .

                                                                                        وقد صرح بهذه المسألة أيضا العلامة النسفي في منظومته في باب أبي حنيفة فقال ولو رأت ما لا يكون حيضا في وقتها وقبل ذاك أيضا ويبلغ الثلاث ذاك الفيض فالحال موقوف وقالا حيض قال في المصفى وتفسير التوقف أن لا تصلي ولا تصوم . ا هـ .

                                                                                        ( قوله : غير أن عند أبي يوسف إلخ ) قال في السراج إلا أن عند محمد لا يكون عادة ما لم تر في الشهر الثاني مثله وعند أبي يوسف يكون عادة ( قوله فعن أبي حنيفة روايتان ) قال في السراج وذكر الخجندي هذه المسألة فقال : أما المرئي في أيامها فحيض بالاتفاق والمرئي قبل أيامها فيه روايتان في رواية أبي يوسف هو حيض وفي رواية محمد عنه موقوف حتى ترى في الشهر الثاني مثله . ا هـ .

                                                                                        ( قوله : وكذا الحكم في المتأخر إلخ ) اعلم أن هذا هو الانتقال في المكان كما سينبه عليه ويترتب عليه عشر مسائل خمس في المتقدم على أيامها وخمس في المتأخر عنها فالخمس في المتقدم ذكرها مستوفاة ، وأما الخمس في المتأخر فبيانها على ما في السراج الوهاج إذا رأت في أيامها ما يكون وبعدها ما لا يكون فالكل حيض وإن رأت في أيامها ما يكون وبعدها ما يكون إن رأت زيادة على عادتها ولم يتجاوز العشرة فالكل حيض وإن تجاوز ردت إلى عادتها وما زاد استحاضة وإن رأت بعد أيامها ما يكون ولم تر في أيامها شيئا أو رأت في أيامها ما لا يكون وبعدها ما يكون أو رأت في أيامها ما لا يكون وبعدها ما لا يكون ، فعن أبي حنيفة رحمه الله في هذه الثلاث روايتان : أحدهما : [ ص: 225 ] أن الحكم موقوف كما قال في المتقدم على أيامها وفي رواية يكون حيضا وهو قول صاحبيه ، غير أن محمدا يقول لا يكون عادة وقال أبو يوسف يكون عادة . ا هـ .

                                                                                        وبهذا تعلم ما في كلام الشارح من الإجمال وأن الصواب استثناء المسألة الثانية مع الأولى وتقييدها بأن لا تتجاوز العشرة .

                                                                                        ( قوله : يكون الكل حيضا رواية واحدة عن الإمام ) أي بلا توقف على أن ترى مثله في الشهر الثاني وبهذا مع ما قدمناه عن السراج تعلم أن ما ذكره في وجه النظر في كلام صاحب فتح القدير ساقط أصلا فتنبه ( قوله : كذا في السراج ) أقول : ذكر في السراج أولا أن الانتقال لا يكون إلا بمرتين عند أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف يكون بمرة واحدة ، ثم قال وفائدته تظهر إذا استمر بها الدم إلى آخر ما مر عن الفتح ، ثم قال وأجمعوا على أنها إذا رأت ذلك مرتين ، ثم استمر بها الدم في الشهر الثالث فإنها ترد إلى ما توالى عليه الدم مرتين ، وكذا إذا انقطع دمها دون عادتها على ثلاثة أيام أو أربعة أيام فهو على هذا التقدير . ا هـ . فتأمله مع ما نقله المؤلف عنه .

                                                                                        . ( قوله : وأنها نوعان ) أي جعل العادة مطلقا نوعين : أصلية وهي أن ترى دمين إلخ . وجعلية وهي أن ترى أطهارا إلخ .

                                                                                        وقوله وأن الخلاف جار فيها أي الخلاف السابق بين الإمامين وأبي يوسف في نقل العادة بمرة أو لا كذا يفهم من فتح القدير




                                                                                        الخدمات العلمية