سورة ( النور )
مدنية كما أخرج عن ابن مردويه ابن عباس رضي الله تعالى عنهم، وحكى وابن الزبير الإجماع على مدنيتها ولم يستثن الكثير من آيها شيئا، وعن أبو حيان أن آية القرطبي يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم [النور: 58] إلخ مكية، وهي اثنتان وستون آية، وقيل أربع وستون آية، ووجه اتصالها بسورة المؤمنين أنه سبحانه لما قال فيها والذين هم لفروجهم حافظون [المؤمنون: 5] ذكر في هذه أحكام من لم يحفظ فرجه من الزانية والزاني وما اتصل بذلك من شأن القذف وقصة الإفك والأمر بغض البصر الذي هو داعية الزنا والاستئذان الذي إنما جعل من أجل النظر وأمر فيها بالإنكاح حفظا للفرج وأمر من لم يقدر على النكاح بالاستعفاف ونهى عن إكراه الفتيات على الزنا.
وقال الطبرسي في ذلك: إنه تعالى لما ذكر فيما تقدم أنه لم يخلق الخلق للعبث بل للأمر والنهي ذكر جل وعلا هاهنا جملة من الأوامر والنواهي ولعل الأول أولى،
وجاء عن قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مجاهد علموا رجالكم سورة المائدة وعلموا نساءكم سورة النور»
وعن حارثة بن مضرب رضي الله تعالى عنه قال: كتب إلينا رضي الله تعالى عنه أن تعلموا سورة النساء والأحزاب والنور. عمر بن الخطاب
سورة خبر مبتدأ محذوف أي هذه سورة وأشير إليها بهذه تنزيلا لها منزلة الحاضر المشاهد، وقوله تعالى: أنزلناها مع ما عطف عليه صفات لها مؤكدة لما أفاده التنكير من الفخامة من حيث الذات بالفخامة من حيث الصفات على ما ذكره شيخ الإسلام، والقول بجواز أن تكون للتخصيص احترازا عما هو قائم بذاته تعالى ليس بشيء أصلا كما لا يخفى.
وجوز أن تكون ( سورة ) مبتدأ محذوف الخبر أي ما يتلى عليكم أو فيما أوحينا إليك سورة أنزلناها إلخ، وذكر بعضهم أنه قصد من هذه الجملة الامتنان والمدح والترغيب لا فائدة الخبر ولا لازمها وهو كون المخبر عالما بالحكم للعلم بكل ذلك، والكلام فيما إذا قصد به مثل هذا إنشاء على ما اختاره في الكشف وهو ظاهر قول الإمام المرزوقي في قوله قومي هم قتلوا أميم أخي هذا الكلام تحزن وتفجع وليس بإخبار، واختار آخرون أن الجملة خبرية مراد بها معناها إلا أنها إنما أوردت لغرض سوى إفادة الحكم أو لازمه وإليه ذهب السالكوتي، وأول كلام المروزي بأن المراد بالإخبار فيه الإعلام، وتحقيق ذلك في موضعه، واعترض شيخ الإسلام هذا الوجه بما بحث فيه.
وجوز أن تكون ( سورة ) مبتدأ والخبر قوله تعالى: ابن عطية الزانية والزاني إلخ وفيه من البعد [ ص: 75 ] ما فيه والوجه الوجيه هو الأول، وعندي في أمثال هذه الجمل أن الإثبات فيها متوجه إلى القيد، وقد ذكر ذلك الشيخ عبد القاهر وهو هنا إنزالها وفرضها، وإنزال آيات بينات فيها لأجل أن يتذكر المخاطبون أو مرجوا تذكرهم فتأمل.
وقرأ عمر بن عبد العزيز ومجاهد وعيسى بن عمر الثقفي البصري وعيسى بن عمر الهمداني الكوفي وابن أبي عبلة وأبو حيوة ومحبوب عن أبي عمرو «سورة» بالنصب على أنها مفعول فعل محذوف أي اتل، وقدر بعضهم اتلوا بضمير الجمع لأن الخطابات الآتية بعده كذلك وليس بلازم لأن الفعل متضمن معنى القول فيكون الكلام حينئذ نظير قوله تعالى: وأم الدرداء قل أطيعوا الله [آل عمران : 32] ولا شك في جوازه.
وجوز أن تكون نصبا على الإغراء أي دونك سورة، ورده الزمخشري بأنه لا يجوز حذف أداة الإغراء لضعفها في العمل لما أن عملها بالحمل على الفعل، وكلام أبو حيان ابن مالك يقتضي جوازه وزعم أنه مذهب وفيه بحث، وجوز غير واحد كون ذلك من باب الاشتغال وهو ظاهر على مذهب من لا يشترط في المنصوب على الاشتغال صحة الرفع على الابتداء وأما على مذهب من يشترط ذلك فغير ظاهر لأن «سورة» نكرة لا مسوغ لها فلا يجوز رفعها على الابتداء، ولعل من يشترط ذلك ويقول بالنصب على الاشتغال هنا يجعل النكرة موصوفة بما يدل عليه التنوين كأنه قيل: سورة عظيمة كما قيل:- شر أهر ذا ناب-. سيبويه
وقال : نصب «سورة» على أنها حال من ضمير النصب في الفراء أنزلناها والحال من الضمير يجوز أن يتقدم عليه انتهى، ولعل الضمير على هذا للأحكام المفهومة من الكلام فكأنه قيل: أنزلنا الأحكام سورة أي في حال كونها سورة من سور القرآن وإلى هذا ذهب في البحر، وربما يقال: يجوز أن يكون الضمير للسورة الموجودة في العلم من غير ملاحظة تقييدها بوصف، و «سورة» المذكورة موصوفة بما يدل عليه تنوينها فكأنه قيل: أنزلنا السورة حال كونها سورة عظيمة، ولا يخفى أن كل ذلك تكلف لا داعي إليه مع وجود الوجه الذي لا غبار عليه، وقوله تعالى: وفرضناها إما على تقدير مضاف أي فرضنا أحكامها وإما على اعتبار المجاز في الإسناد حيث أسند ما للمدلول للدال لملابسة بينهما، تشبه الظرفية، ويحتمل على بعد أن يكون في الكلام استخدام بأن يراد بسورة معناها الحقيقي وبضميرها معناها المجازي أعني الأحكام المدلول عليها بها، والفرض في الأصل قطع الشيء الصلب والتأثير فيه، والمراد به هنا الإيجاب على أتم وجه فكأنه قيل: أوجبنا ما فيها من الأحكام إيجابا قطعيا وفي ذكر ذلك براعة استهلال على ما قيل.
وقرأ عبد الله وعمر بن عبد العزيز ومجاهد وقتادة وأبو عمرو « ( وفرضناها) » بتشديد الراء لتأكيد الإيجاب، والإشارة إلى زيادة لزومه أو لتعدد الفرائض وكثرتها أو لكثرة المفروض عليهم من السلف والخلف، وفي الحواشي الشهابية قد فسر ( فرضناها ) بفصلناها ويجري فيه ما ذكر أيضا وابن كثير وأنزلنا فيها أي في هذه السورة آيات بينات يحتمل أن يراد بها الآيات التي نيطت بها الأحكام المفروضة وأمر الظرفية عليه ظاهر، ومعنى كونها بينات وضوح دلالتها على أحكامها لا على معانيها مطلقا لأنها أسوة لأكثر الآيات في ذلك، وتكرير ( أنزلنا ) مع استلزام إنزال السورة إنزالها إبراز كمال العناية بشأنها، ويحتمل أن يراد بها جميع آيات السورة والظرفية حينئذ باعتبار اشتمال الكل على كل واحد من أجزائه، ومعنى كونه بينات أنها [ ص: 76 ] لا إشكال فيها يحوج إلى تأويل كبعض الآيات، وتكرير ( أنزلنا ) مع ظهور أن إنزال جميع الآيات عين إنزال السورة لاستقلالها بعنوان رائق داع إلى تخصيص إنزالها بالذكر إبانة لخطرها ورفعا لمحلها كقوله تعالى: ونجيناهم من عذاب غليظ [هود: 58] بعد قوله سبحانه:
نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا [هود: 58] والاحتمال الأول أظهر، وقال الإمام: إنه تعالى ذكر في أول السورة أنواعا من الأحكام والحدود وفي آخرها دلائل التوحيد فقوله تعالى: ( فرضناها ) إشارة إلى الأحكام المبنية أولا، وقوله سبحانه: وأنزلنا فيها آيات بينات إشارة إلى ما بين من دلائل التوحيد ويؤيده قوله عز وجل: لعلكم تذكرون فإن الأحكام لم تكن معلومة حتى يتذكرونها انتهى، وهو عندي وجه حسن، نعم قيل فيما ذكره من التأييد نظر إذ لمن ذهب إلى الاحتمال أن يقول: المراد من التذكر غايته وهو اتقاء المحارم بالعمل بموجب تلك الآيات، ولقائل أن يقول: إن هذا محوج إلى ارتكاب المجاز في التذكر دون ما ذكره الإمام فإن التذكر عليه على معناه المتبادر ويكفي هذا القدر في كونه مؤيدا، وأصل تذكرون تتذكرون حذف إحدى التاءين وقرئ بإدغام الثانية منهما في الذال.
تفسير سورة النور
- تفسير قوله تعالى سورة أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون
- تفسير قوله تعالى الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة
- تفسير قوله تعالى الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك
- تفسير قوله تعالى والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم
- تفسير قوله تعالى إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم
- تفسير قوله تعالى والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم
- تفسير قوله تعالى والخامسة أن لعنت الله عليه إن كان من الكاذبين
- تفسير قوله تعالى ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين
- تفسير قوله تعالى والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين
- تفسير قوله تعالى ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم
- تفسير قوله تعالى إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير
- تفسير قوله تعالى لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك
- تفسير قوله تعالى لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء
- تفسير قوله تعالى ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم في ما أفضتم
- تفسير قوله تعالى إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا
- تفسير قوله تعالى ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك
- تفسير قوله تعالى يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين
- تفسير قوله تعالى ويبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم
- تفسير قوله تعالى إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم
- تفسير قوله تعالى ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رءوف رحيم
- تفسير قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان
- تفسير قوله تعالى ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين
- تفسير قوله تعالى إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا
- تفسير قوله تعالى يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون
- تفسير قوله تعالى يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين
- تفسير قوله تعالى الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين
- تفسير قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا
- تفسير قوله تعالى فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا
- تفسير قوله تعالى ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم
- تفسير قوله تعالى قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم
- تفسير قوله تعالى وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن
- تفسير قوله تعالى وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم
- تفسير قوله تعالى وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله
- تفسير قوله تعالى ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات ومثلا من الذين خلوا من قبلكم وموعظة
- تفسير قوله تعالى الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح
- تفسير قوله تعالى في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو
- تفسير قوله تعالى ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء
- تفسير قوله تعالى والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء
- تفسير قوله تعالى أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب
- من باب الإشارة
- تفسير قوله تعالى ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات
- تفسير قوله تعالى ولله ملك السماوات والأرض وإلى الله المصير
- تفسير قوله تعالى ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق
- تفسير قوله تعالى يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار
- تفسير قوله تعالى والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه
- تفسير قوله تعالى لقد أنزلنا آيات مبينات والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم
- تفسير قوله تعالى ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك
- تفسير قوله تعالى وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون
- تفسير قوله تعالى وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين
- تفسير قوله تعالى أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله
- تفسير قوله تعالى إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم
- تفسير قوله تعالى ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون
- تفسير قوله تعالى وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن قل لا تقسموا
- تفسير قوله تعالى قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل
- تفسير قوله تعالى وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض
- تفسير قوله تعالى وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون
- تفسير قوله تعالى لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض ومأواهم النار
- تفسير قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم
- تفسير قوله تعالى وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم
- تفسير قوله تعالى والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح
- تفسير قوله تعالى ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض
- تفسير قوله تعالى إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع
- تفسير قوله تعالى لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا
- تفسير قوله تعالى ألا إن لله ما في السماوات والأرض قد يعلم ما أنتم عليه
- من باب الإشارة