الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة ورزق كريم والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك لهم عذاب من رجز أليم لام التعليل تتعلق بفعل ( لتأتينكم ) دون تقييد الإتيان بخصوص المخاطبين بل المراد ما شملهم وغيرهم لأن جزاء الذين آمنوا لا علاقة له بالمخاطبين فكأنه قيل : لتأتين الساعة ليجزي الذين آمنوا ويجزي الذين سعوا في آياتنا معاجزين ، وهم المخاطبون ، وضمير ( يجزي ) عائد إلى عالم الغيب .

والمعنى : أن الحكمة في إيجاد الساعة للبعث والحشر هي جزاء الصالحين على صلاح اعتقادهم وأعمالهم ، أي جزاء صالحا مماثلا ، وجزاء المفسدين جزاء سيئا ، وعلم نوع الجزاء من وصف الفريقين من أصحابه . والإتيان باسم الإشارة لكل فريق للتنبيه على أن المشار إليه جدير بما سيرد بعد اسم الإشارة من الحكم لأجل ما قبل اسم الإشارة من الأوصاف .

فجملة أولئك لهم مغفرة ابتدائية معترضة بين المتعاطفين .

وجملة أولئك لهم عذاب من رجز ابتدائية أيضا .

[ ص: 143 ] وقوله والذين سعوا عطف على الذين آمنوا وتقدير الكلام . ليجزى الذين آمنوا والذين سعوا بما يليق بكل فريق .

والمعنى : أن عالم الإنسان يحتوي على صالحين متفاوت صلاحهم ، وفاسدين متفاوت فسادهم ، وقد انتفع الناس بصلاح الصالحين ، واستضروا بفساد المفسدين ، وربما عطل هؤلاء منافع أولئك ، وهذب أولئك من إفساد هؤلاء ، وانقضى كل فريق بما عمل ، لم يلق المحسن جزاء على إحسانه ولا المفسد جزاء إفساده ، فكانت حكمة خالق الناس مقتضية إعلامهم بما أراد منهم وتكليفهم أن يسعوا في الأرض صلاحا ، ومقتضية ادخار جزاء الفريقين كليهما ، فكان من مقتضاها إحضار الفريقين للجزاء على أعمالهم . وإذ قد شوهد أن ذلك لم يحصل في هذه الحياة علمنا أن بعد هذه الحياة حياة أبدية يقارنها الجزاء العادل ؛ لأن ذلك هو اللائق بحكمة مرشد الحكماء تعالى ، فهذا مما يدل عليه العقل السليم وقد أعلمنا خالق الخلق على ذلك بلسان رسوله ورسله - صلى الله عليه وسلم - فتوافق العقل والنقل ، وبطل الدجل والدخل .

وجعل جزاء الذين آمنوا مغفرة ، أي تجاوزوا عن آثامهم ، ورزقا كريما وهو ما يرزقون من النعيم على اختلاف درجاتهم في النعيم وابتداء مدته فإنهم آيلون إلى المغفرة والرزق الكريم .

ووصف بالكريم ، أي النفيس في نوعه كما تقدم عند قوله تعالى كتاب كريم في سورة النمل .

وقوبل الذين آمنوا وعملوا الصالحات بـ والذين سعوا في آياتنا لأن السعي في آيات الله يساوي معنى كفروا بها وبذلك يشمل عمل السيئات وهو سيئة من السيئات ، ألا ترى أنه عبر عنهم بعد ذلك بقوله وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل الخ .

ومعنى سعوا في آياتنا اجتهدوا بالصد عنها ومحاولة إبطالها : فالسعي مستعار للجد في فعل ما ، وقد تقدم بيانه عند قوله تعالى والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك أصحاب الجحيم في سورة الحج . وآيات الله هنا : القرآن كما يدل عليه قوله بعد الذي أنزل إليك من ربك هو الحق . [ ص: 144 ] و ( معاجزين ) مبالغة في معجزين ، وهو تمثيل : شبهت حالهم في مكرهم بالنبيء - صلى الله عليه وسلم - بحال من يمشي مشيا سريعا ليسبق غيره ويعجزه . والعذاب : عذاب جهنم . والرجز : أسوأ العذاب وتقدم في قوله تعالى فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون في سورة البقرة . و ( من ) بيانية فإن العذاب نفسه رجز .

وقرأ الجمهور ( معاجزين ) بصيغة المفاعلة تمثيلا لحال ظنهم النجاة والانفلات من تعذيب الله إياهم بإنكارهم البعث والرسالة بحال من يسابق غيره ويعاجزه ، أي يحاول عجزه عن لحاقه .

وقرأه ابن كثير وأبو عمرو وحده ( معجزين ) بصيغة اسم الفاعل من عجز بتشديد الجيم ، ومعناه : مثبطين الناس عن اتباع آيات الله أو معجزين من آمن بآيات الله بالطعن والجدال .

وقرأ الجمهور ( أليم ) بالجر صفة ل - رجز . وقرأه ابن كثير وحفص ويعقوب بالرفع صفة ل - ( عذاب ) ، وهما سواء في المعنى .

التالي السابق


الخدمات العلمية