الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ أحكام المرضع والحامل والشيخ الكبير ]

وأما باقي هذا الصنف وهو المرضع والحامل والشيخ الكبير فإن فيه مسألتين مشهورتين :

إحداهما : الحامل والمرضع إذا أفطرتا ماذا عليهما ؟ وهذه المسألة للعلماء فيها أربعة مذاهب :

أحدها : أنهما يطعمان ولا قضاء عليهما ، وهو مروي عن ابن عمر وابن عباس .

والقول الثاني : أنهما يقضيان فقط ولا إطعام عليهما ، وهو مقابل الأول ، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه وأبو عبيد وأبو ثور .

والثالث : أنهما يقضيان ويطعمان ، وبه قال الشافعي .

والقول الرابع : أن الحامل تقضي ولا تطعم ، والمرضع تقضي وتطعم .

وسبب اختلافهم : تردد شبههما بين الذي يجهده الصوم وبين المريض ، فمن شبههما بالمريض قال : عليهما القضاء فقط ، ومن شبههما بالذي يجهده الصوم قال عليهما الإطعام فقط بدليل قراءة من قرأ ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) الآية .

وأما من جمع عليهما الأمرين فيشبه أن يكون رأى فيهما من كل واحد شبها فقال : عليهما القضاء من جهة ما فيهما من شبه المريض ، وعليهما الفدية من جهة ما فيهما من شبه الذين يجهدهم الصيام ، ويشبه أن يكون شبههما بالمفطر الصحيح لكن يضعف هذا ، فإن الصحيح لا يباح له الفطر .

ومن فرق بين الحامل والمرضع ألحق الحامل بالمريض ، وأبقى حكم المرضع مجموعا من حكم المريض وحكم الذي يجهده الصوم ، أو شبهها بالصحيح ، ومن أفرد لهما أحد الحكمين أولى - والله أعلم - ممن جمع ، كما أن من أفردهما بالقضاء أولى ممن أفردهما بالإطعام فقط لكون القراءة غير متواترة . - فتأمل هذا فإنه بين .

[ ثانيهما ] : وأما الشيخ الكبير والعجوز اللذان لا يقدران على الصيام : فإنهم أجمعوا على أن لهما أن يفطرا ، واختلفوا في ما عليهما إذا أفطرا ، فقال قوم : عليهما الإطعام . وقال قوم ليس عليهما إطعام . وبالأول قال الشافعي وأبو حنيفة ، وبالثاني قال مالك إلا أنه استحبه .

وأكثر من رأى الإطعام عليهما يقول : مد عن كل يوم ، وقيل إن حفن حفنات كما كان أنس يصنع أجزأه .

وسبب اختلافهم : اختلافهم في القراءة التي ذكرناها - أعني : قراءة من قرأ ( وعلى الذين يطيقونه ) - فمن أوجب العمل بالقراءة التي لم تثبت في المصحف إذا وردت من طريق الآحاد العدول قال : الشيخ منهم ، ومن لم يوجب بها عملا جعل حكمه حكم المريض الذي يتمادى به المرض حتى الموت .

فهذه هي أحكام الصنف من الناس الذين يجوز لهم الفطر - أعني : أحكامهم المشهورة التي أكثرها منطوق به أو لها تعلق بالمنطوق به في الصنف الذي يجوز له الفطر .

التالي السابق


الخدمات العلمية