الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

من أساليب الإقناع في القـرآن الكريم

الدكتور / معتصم بابكر مصطفى

الفصل الأول

استراتيجيات الإقناع

تتعدد النظريات التي حاولت تفسير الظاهرة الإعلامية وتأثيراتها على الجمهور، واعتمدت في بداياتها المدخل النفسي لتفسير مكونات الظاهرة، ثم المدخل الاجتماعي، من واقع البحوث الميدانية التي حاولت الوقوف على العملية الإعلامية وتأثير الرسالة الإعلامية على الجمهور المستهدف. وحينما تيقن العلماء فشل كل من المدخل النفسي منفردا وكذلك المدخل الاجتماعي منفردا في تحليل الظاهرة تم دمج المدخلين بهدف تحديد وظائف وتأثيرات وسائل الإعلام في المجتمع؛ انطلاقا من أن الوظائف أدوار عامة تؤديها وسائل الإعلام، وأن التأثيرات عبارة عن نتائج تحديد هـذه الأدوار.

وتأثير الرسالة الإعلامية يبدأ بإقناع الجمهور بمشاهدتها أو الاستماع إليها أو قراءتها، ولفكرة الإقناع الأساسية جذور قديمة، فقبل عصر الاتصالات الجماهيرية بوقت طويل، كان مصـطلح «علم البيان» أو «الفصاحة» يستخدم للإشارة إلى فن استخدام اللغة [ ص: 32 ] للتأثير على أحكام الآخرين وسلوكهم؛ ومن خلال الزمن الذي كان فيه الصوت البشري هـو الوسيلة الوحيدة للاتصال، التي يمكن استخدامها لإقناع الناس بتغيير المعتقدات والأعمال، كانت تلك مهارة هـامة بالفعل. ومع ازدياد تطور المجتمعات ازدهر فن الإقناع الشفهي بالكلام الفصيح.

وكان الإقناع كفن يمارس منذ قرون، غير أن «علم الإقناع» الذي انبثق فيما بعد هـو نتاج القرن العشرين، ومقارنة بالعلوم الأخرى فهو حديث؛ ولذلك يرى بعض المهتـمين بالأمر أن الحكم على هـذا العلم يجب أن ينطلق من الإجابة عن السـؤال القائل: هـل أوجـد العلم إغراءات مقنعة تستطيع السيطرة على السلوك الإنساني؟ وأيا ما كانت أساليب الإقناع؛ فنا أو علما، فإنها سوف تزداد فاعليتها في السيطرة على السلوك [1] .

وعملية الإقناع تبدأ من الفكرة وطريقة التعبير عنها وأسلوب نقلها، والربط بين الفكرة والتعبير عنها وكيفية نقلها، من الأمور [ ص: 33 ] الشائعة بين دارسي الإعلام وخبرائه، وبالرجوع لآرائهم يمكن الخروج بعدة قواعد أساسية تعطي وجهة نظر سائد [2] :

القاعدة الأولى: إن الكلمات عبارة عن رموز تستعمل للتعبير عن الأشياء أو الأفكار أو المفاهيم أو التجارب أو الأحاسيس.

القاعدة الثانية: إن الكلمة الواحدة من الممكن أن تحمل معاني كثيرة ويكون لها أكثر من استعمال.

القاعدة الثالثة: عند استخدام الرموز الكلامية أو الكلمات الرمزية كدليل لاتصالاتنا العامة أو الخاصة، فإننا غالبا ما نعتمد على الشمولية دون التفاصيل.

القاعدة الرابعة: من خلال دورة معاني الكلمات بين الناس وتبادلهم لها، يتحدد المعنى الذي يتصل بالعلاقة بين الرموز أو الموضوعات أو المفاهيم التي تعود عليها.

القاعدة الخامسة: من الكلمات ما يمكن أن تكون لها معان ظاهرة وأخرى باطنة.

القاعدة السادسة: تميل الحقيقة إلى الثبات بينما تتجه اللغة للحركة الميكانيكية. [ ص: 34 ]

فهذه هـي القواعد التي تربط الفكرة بالتعبير عنها وأسلوب نقلها.

والفكرة من حيث الاصطلاح الإعلامي هـي: الشكل المحدد للتعبير عن مجموعة من المواقف المرتبطة بشخصيات حقيقية أو اختيارية، خلال ظروف اتصالية محددة [3] .

ومن ثم فإن الإقناع في السياق الحالي يشير بصورة أساسية إلى استخدام وسائل الإعلام الجماهيرية لتقديم رسائل مخططة عمدا لاستنباط سلوكيات معينة من جانب جماهير القراء أو المستمعين أو المشاهدين؛ ولذلك فإن التعديل الواقعي للسلوك هـو الهدف الذي ينبغي تحقيقه، باعتباره المتغير التابع في النظرية التي تستهدف تفسيره [4] .

وقد عرض الباحثون ثلاث استراتيجيات نظرية للإقناع، يخاطب كل منها نفس المتغير التابع، وهو السلوك العلني، وتشمل هـذه الاستراتيجيات:

1 - الاستراتيجية الدينامية النفسية.

2 - الاستراتيجية الثقافية الاجتماعية.

3 - استراتيجية إنشاء المعاني. [ ص: 35 ] وعلى الرغم من الصعوبة الماثلة للعيان في تحديد أثر الإعلام في السلوك، إلا أن المعلومات التي توفرها وسائل الإعلام تقوم بدور محفز في هـذا المجال، ويمكن القول على وجه العموم: بأن المعلومات التي يستقبلها الإنسان من وسائل الإعلام تصب في المخزون المعرفي، الذي يستقبل أيضا معلومات إضافية من مصادر أخرى وعبر قنوات أخرى، وتتفاعل تلك المعلومات مع المخزون المعرفي المتراكم، فتؤدي إلى تكوين صورة معرفية عقلية معدلة يتصرف الإنسان في ضوئها وبموجبها.

لذلك فإن التأثر بالرسائل الإعلامية يعتبر عاملا من بين مجموعة عوامل أو متغيرات، تسهم جميعا في إعادة صياغة الصورة العقلية، وهذه بدورها تدفع الإنسان لاتخاذ قرار معين، والإتيان بسلوك ينسجم مع ذلك القرار [5] ، وهذا قمة الإقناع، الذي يعرف بأنه استخدام الرموز واستغلالها بهدف دفع المتلقين للقيام بأعمال محددة تخدم المتلقي نفسه. [ ص: 36 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية