الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في وفاء النذر

                                                                                                          1539 حدثنا إسحق بن منصور أخبرنا يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر قال قلت يا رسول الله إني كنت نذرت أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام في الجاهلية قال أوف بنذرك قال وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وابن عباس قال أبو عيسى حديث عمر حديث حسن صحيح وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا الحديث قالوا إذا أسلم الرجل وعليه نذر طاعة فليف به وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم لا اعتكاف إلا بصوم وقال آخرون من أهل العلم ليس على المعتكف صوم إلا أن يوجب على نفسه صوما واحتجوا بحديث عمر أنه نذر أن يعتكف ليلة في الجاهلية فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالوفاء وهو قول أحمد وإسحق

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله ( أوف بنذرك ) زاد البخاري في رواية : فاعتكف ليلة .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وابن عباس ) أما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أبو داود ، وأما حديث ابن عباس فأخرجه ابن ماجه .

                                                                                                          قوله : ( وحديث عمر حديث حسن صحيح ) وأخرجه الشيخان .

                                                                                                          قوله : ( وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا الحديث ) قال الشوكاني : في حديث عمر رضي [ ص: 119 ] الله عنه دليل على أنه يجب الوفاء بالنذر من الكافر متى أسلم ، وقد ذهب إلى هذا بعض أصحاب الشافعي ، وعند الجمهور لا ينعقد نذر الكافر ، وحديث عمر حجة عليهم ، وقد أجابوا عنه بأن النبي صلى الله عليه وسلم لما عرف بأن عمر قد تبرع بفعل ذلك أذن له به لأن الاعتكاف طاعة ، ولا يخفى ما في هذا الجواب من المخالفة للصواب ، وأجاب بعضهم بأنه صلى الله عليه وسلم أمره بالوفاء استحبابا لا وجوبا ، ويرد بأن هذا الجواب لا يصلح لمن ادعى عدم الانعقاد انتهى واستدل بقوله : فاعتكف ليلة على جواز الاعتكاف بغير صوم ; لأن الليل ليس بوقت صوم ، وقد أمره صلى الله عليه وسلم أن يفي بنذره على الصفة التي أوجبها .

                                                                                                          وتعقب بأن في رواية لمسلم يوما بدل ليلة ، وقد جمع ابن حبان وغيره بأن نذر اعتكاف يوم وليلة ، فمن أطلق ليلة أراد بيومها ، ومن أطلق يوما أراد بليلته ، وقد ورد الأمر بالصوم في رواية أبي داود والنسائي بلفظ : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : " اعتكف وصم " أخرجه أبو داود والنسائي من طريق عبد الله بن بديل ولكنه ضعيف ، وقد ذكر ابن عدي والدارقطني أنه تفرد بذلك عن عمرو بن دينار . قال في الفتح : ورواية من روى يوما شاذة ، وقد وقع في رواية سليمان بن بلال عند البخاري فاعتكف ليلة ، فدل على أنه لم يزد على نذره شيئا ، وأن الاعتكاف لا صوم فيه ، وأنه لا يشترط له حد معين ( وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم لا اعتكاف إلا بصوم ) وهو قول أبي حنيفة ومالك والثوري والأوزاعي ، واستدلوا على ذلك بحديث عائشة قالت : السنة على المعتكف أن لا يعود مريضا الحديث ، وفيه : ولا اعتكاف إلا بصوم ، أخرجه أبو داود وفي الحديث كلام ( وقال آخرون من أهل العلم : ليس على المعتكف صوم إلخ ) وأجابوا عن حديث عائشة المذكور بما فيه من الكلام ، قال الشوكاني : وهذا هو الحق لا كما قال ابن القيم : إن الراجح الذي عليه جمهور السلف ، أن الصوم شرط في الاعتكاف ، وقد روي عن علي وابن مسعود أنه ليس على المعتكف صوم إلا أن يوجبه على نفسه ، ويدل على ذلك حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه " ، رواه الدارقطني ، وقال رفعه أبو بكر السوسي وغيره لا يرفعه ، وأخرجه الحاكم مرفوعا وقال : صحيح الإسناد .




                                                                                                          الخدمات العلمية