الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                      كشاف القناع عن متن الإقناع

                                                                                                                      البهوتي - منصور بن يونس البهوتي

                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      فصل : ، ويحرم فرار مسلم من كافرين ويحرم فرار ( جماعة من مثليهم ) لقوله تعالى { فإن يكن منكم مائة صابرة [ ص: 46 ] يغلبوا مائتين } قال ابن عباس من فر من اثنين فقد فر ، ومن فر من ثلاثة فما فر " ( ويلزمهم ) أي : المسلمين ( الثبات وإن ظنوا التلف ) لقوله تعالى { إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار } ; ولأنه صلى الله عليه وسلم عد الفرار من الكبائر ( إلا متحرفين لقتال ) لقوله تعالى { ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله } .

                                                                                                                      ( ومعنى التحرف ) لقتال أن ينحازوا إلى موضع يكون القتال فيه أمكن ، ( مثل أن ينحازوا من ضيق إلى سعة ، أو من معطشة إلى ماء أو من نزول إلى علو أو من استقبال شمس أو ريح إلى استدبارهما ، أو يفروا بين أيديهم لينقض صفهم ، أو تنفر خيلهم من رجالتهم ، أو ليجدوا فيهم فرصة أو يستندوا إلى جبل ونحو ذلك ) مما جرت به عادة أهل الحرب قال عمر : يا سارية الجبل " فانحازوا إليه وانتصروا على عدوهم ( أو متحيزين إلى فئة ناصرة تقاتل معهم ، ولو بعدت ) لعموم قوله تعالى { أو متحيزا إلى فئة } .

                                                                                                                      ( قال القاضي لو كانت الفئة بخراسان والفئة بالحجاز لجاز التحيز إليها ) لحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { إني فئة لكم } وكانوا بمكان بعيد منه .

                                                                                                                      وقال عمر { إنا فئة لكل مسلم } وكان بالمدينة وجيوشه بالشام والعراق وخراسان رواهما سعيد .

                                                                                                                      ( وإن زادوا على مثليهم فلهم الفرار ) قال " ابن عباس لما نزلت " { إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين } شق ذلك على المسلمين ، حين فرض الله عليهم أن لا يفر واحد من عشرة ، ثم جاء التخفيف ، فقال { الآن خفف الله عنكم } فلما خفف عنهم من العدد ، نقص من الصبر بقدر ما خفف من القدر رواه أبو داود وظاهره : أنه يجوز لهم الفرار مع أدنى زيادة ( وهو ) أي : الفرار ( أولى ) من الثبات ( إن ظنوا التلف بتركه ) أي : الفرار ، وأطلق ابن عقيل استحباب الثبات للزائد ، لما في ذلك من المصلحة ( وإن ظنوا الظفر فالثبات أولى ) [ ص: 47 ] من الفرار ( بل يستحب ) الثبات لإعلاء كلمة الله ، ولم يجب ; لأنهم لا يأمنون العطب ( كما لو ظنوا الهلاك فيهما ) أي : في الفرار والثبات ( ف ) يستحب الثبات وأن ( يقاتلوا ، ولا يستأسروا قال ) الإمام ( : أحمد : ما يعجبني أن يستأسروا وقال : يقاتل أحب إلي الأسر شديد ولا بد من الموت وقال : يقاتل ، ولو أعطوه الأمان ، قد لا يفوا ، وإن استأسروا جاز ) .

                                                                                                                      قال في البلغة وغيرها : وقال عمار " " من استأسر برئت منه الذمة " فلهذا قال : الآجري : يأثم ، وإنه قول أحمد ( فإن جاء العدو بلدا فلأهله التحصن منهم وإن كانوا ) أي : أهل الحصن ( أكثر من نصفهم ، ليلحقهم مدد أو قوة ) ولا يكون ذلك توليا ولا فرارا إنما التولي بعد اللقاء ( وإن لقوهم خارج الحصن فلهم التحيز إلى الحصن ) ليلحقهم مدد أو قوة ; لأنه بمنزلة التحرف للقتال أو التحيز لفئة .

                                                                                                                      ( وإن غزوا فذهبت دوابهم ) لشرود أو قتل ( فليس ذلك عذرا في الفرار ) إذ القتال ممكن بدونها ( وإن تحيزوا إلى جبل ليقاتلوا فيه رجالة جاز ) ; لأنه من التحرف للقتال ( وإن فروا ) أي : المسلمون ( قبل إحراز الغنيمة ، فلا شيء لهم إن أحرزها غيرهم ) ; لأن ملكها لمن أحرزها .

                                                                                                                      ( وإن قالوا ) أي : الفارون ( إنهم فروا متحرفين للقتال ، فلا شيء لهم أيضا ) ; لأنهم لم يشهدوا الواقعة حال تقضي الحرب ، والاعتبار به كما يأتي ( وإن ألقي في مركبهم ) أي : المسلمين ( نار فاشتعلت ، فعلوا ما يرون فيه السلامة ) ; لأن حفظ الروح واجب ، وغلبة الظن كاليقين في أكثر الأحكام فهنا كذلك ( من المقام أو الوقوع في الماء ) ليتخلصوا من النار ( فإن شكوا ) في أيهما السلامة ( فعلوا ما شاءوا ) ; لأنهم ابتلوا بأمرين ، ولا مزية لأحدهما على الآخر ( كما لو تيقنوا الهلاك فيهما ، أو ظنوه ظنا متساويا أو ظنوا السلامة ) فيهما ( ظنا متساويا ) قال أحمد : كيف شاء صنع .

                                                                                                                      وقال الأوزاعي : هما موتتان فاختر أيسرهما انتهى وهم ملجئون إلى الإلقاء ، فلا ينسب إليهم الفعل بوجه ، فلا يقال : ألقوا بأنفسهم إلى التهلكة .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية