الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ولقد أخذ هود - عليه السلام - يذكرهم بنعم الله عليهم؛ وأنها توجب أن يملؤوا أنفسهم بتقواه؛ خوفا من عذابه؛ وشكرا لنعمته.

                                                          واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ؛ الواو عاطفة؛ وقد أمرهم بالتقوى عامة؛ وبالطاعة كذلك؛ وهنا يأمرهم بتقوى صاحب النعمة التي أنعمها عليهم؛ والذي أمدهم بالنعم التي كانت بها قوتهم في الأرض؛ وقدرتهم على البطش كالجبارين؛ والأمر بالتقوى يتحقق بأن تمتلئ نفوسهم بتقواه؛ وللحمل على الوقاية؛ وأن تكون قلوبهم خاشعة مملوءة بمهابته؛ ومخافته؛ لا أن يكون أمرهم بورا؛ ولا يرهبوا؛ ولا يقدروا؛ وقوله (تعالى): بما تعلمون ؛ علما محسوسا ترونه؛ وتتبحبحون فيه؛ وما اتخذتموه قوة للبطش والظلم؛ ولم تتخذوه قوة للعدل وإقامة القسطاس المستقيم؛ أمدكم بأنعام وبنين ؛ أي: أمدكم بكل أسباب القوة؛ أمدكم بالأنعام؛ وهي رمز لقوة المال؛ وفيها رغد العيش؛ ومتعة النفوس؛ كما قال (تعالى) - في سورة [ ص: 5386 ] " النحل " -: ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون ؛ و " البنون " ؛ هم قوة النفر؛ وبها يكون السلطان القوي؛ وبالمال وبالبنين تكتمل زينة الحياة الدنيا؛ كما قال (تعالى): المال والبنون زينة الحياة الدنيا

                                                          فإذا كنتم تبطشون بهذا الخير الذي أمدكم؛ فاذكروا في أوقات بطشكم من أعطاكم ما اتخذتموه سببا؛ واجعلوه سببا للتقوى؛ وشكر النعمة؛ وجنات وعيون ؛ و " الجنات " ؛ جمع " جنة " ؛ وهي تشمل النخيل والكروم؛ و " العيون " ؛ عيون الماء التي يكون بها سقيهم ورعيهم؛ ونباتهم وكلؤهم؛ التي ترعى فيها أنعامهم؛ فكل هذه نعم توجب الشكر؛ وتوجب امتلاء القلوب بتقوى من أمدهم بها؛ ومكنهم بمعايش في الأرض؛ جعلت لهم قوة؛ فلا يصح أن يبطشوا؛ بل [أن] يشكروها؛ وتمتلئ بخوف معطيها؛ لأن من يمنح يمنع؛ ولأنه يريد السعادة للناس؛ ولذا قال لهم: إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ؛ وقد ذكرهم بنعمه أولا؛ وأشار إلى أنهم اتخذوا هذه النعم ذريعة ليكونوا أقوياء باطشين؛ لا أن يكونوا شاكرين؛ وقد أنذرهم بعد بعذاب الله (تعالى) الذي ينزل بمن يظلمون ويفسدون في الأرض؛ فإنه لا يفسد الأرض غير الظلم والطغيان؛ قال الرسول الشفيق بقومه: إني أخاف ؛ مشفقا عليكم؛ منذرا لكم؛ عذاب يوم عظيم ؛ وهو يوم القيامة؛ يوم لا ينفعهم مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم؛ وقد أكد العذاب؛ بـ " إن " ؛ وبوصف العذاب بأنه عظيم؛ لا يقادر قدره؛ وكان تنكيره لبيان كبره وشدته؛ وأنه فوق التقدير والوصف.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية