الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      فإن لم تجدوا فيها أحدا بأن كانت خالية من الأهل فلا تدخلوها واصبروا حتى يؤذن لكم من جهة من يملك الإذن عند وجدانكم إياه، ووجه ذلك أن الدخول في البيوت الخالية من غير إذن سبب للقيل والقال، وفيه تصرف بملك الغير بغير رضاه وهو يشبه الغضب، وهذه الآية لبيان حكم البيوت الخالية عن أهلها كما أن الآية الأولى لبيان حكم البيوت التي فيها أهلها.

                                                                                                                                                                                                                                      وجوز أن تكون هذه تأكيدا لأمر الاستئناس وأنه لا بد منه والأمر دائر عليه، والمعنى فإن لم تجدوا فيها أحدا من الآذنين أي ممن يملك الإذن فلا تدخلوها إلخ ويفيد هذا حرمة دخول ما فيه من لا يملك الإذن كعبد وصبي من دون إذن من يملكه، ومن اختار الأول قال: إن حرمة ما ذكر ثابتة بدلالة النص فتأمل. وقال سبحانه: فإن لم تجدوا إلى آخره دون فإن لم يكن فيها أحد لأن المعتبر وجد أنها خالية من الأهل مطلقا أو ممن يملك ذلك الإذن سواء كان فيها أحد في الواقع أم لم يكن كذا قيل: وعليه فالمراد من قولهم في تفسير ذلك، بأن كانت خالية كونها خالية بحسب الاعتقاد، وكذا يقال في نظيره فلا تغفل، ثم إن ما أفادته الآيتان من الحكم قد خصصه الشرع فجوز الدخول لإزالة منكر توقفت على الدخول من غير إذن أهل البيت والدخول في البيت الخالي لإطفاء حريق فيه أو نحو ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      وقد ذكر الفقهاء السور التي فيها الدخول من غير إذن ممن يملك الإذن فلتراجع، وقيل: المراد بالإذن في قوله سبحانه: حتى يؤذن لكم ما يعم الإذن دلالة وشرعا ولذا وقع بصيغة المجهول وحينئذ لا حاجة إلى [ ص: 137 ] القول بالتخصيص وفيه خفاء وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا أي إن أمرتم من جهة أهل البيت بالرجوع سواء كان الآمر من يملك الإذن أم لا فارجعوا ولا تلحوا هو أي الرجوع أزكى لكم أي أطهر مما لا يخلو عنه اللج والعناد والوقوف على الأبواب بعد القول المذكور من دنس الدناءة والرذالة أو أنفع لدينكم ودنياكم على أن أزكى من الزكاة بمعنى النمو.

                                                                                                                                                                                                                                      والظاهر أن صيغة أفعل في الوجهين للمبالغة، وقيدنا الوقوف على الأبواب بما سمعت لأنه ليس فيه دناءة مطلقا، فقد روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه كان يأتي دور الأنصار لطلب الحديث فيقعد على الباب ولا يستأذن حتى يخرج إليه فإذا خرج ورآه قال: يا ابن عم رسول الله لو أخبرتني بمكانك فيقول: هكذا أمرنا أن نطلب العلم، وكأنه رضي الله تعالى عنه عد ذلك من التواضع وهو من أقوى أسباب الفتوح لطالب العلم، وقد أعطاني الله عزوجل نصيبا وافيا منه فكنت أكثر التلامذة تواضعا وخدمة للمشايخ والحمد لله تعالى على ذلك والله بما تعملون عليم فيعلم ما تأتون وما تذرون مما كلفتموه فيجازيكم عليه.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية