الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله - عز وجل -: كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ؛ قيل في معنى قوله: كنتم ؛ وجوه؛ روي عن الحسن أنه يعني: فيما تقدمت البشارة والخبر به؛ من ذكر الأمم في الكتب المتقدمة؛ قال الحسن: "نحن آخرها؛ وأكرمها على الله"؛ وحدثنا عبد الله بن محمد بن إسحاق قال: حدثنا الحسن بن أبي الربيع قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر ؛ عن بهز بن حكيم ؛ عن أبيه؛ عن جده؛ أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول - في قوله (تعالى): كنتم خير أمة أخرجت للناس - قال: "أنتم تتمون سبعين أمة؛ أنتم خيرها؛ وأكرمها على الله (تعالى)"؛ فكان معناه: "كنتم خير أمة أخبر الله (تعالى) بها أنبياءه؛ فيما أنزل إليهم من كتبه"؛ وقيل: إن دخول "كان"؛ وخروجها بمنزلة "إلا"؛ بمقدار دخولها لتأكيد وقوع الأمر لا محالة؛ إذ هو بمنزلة ما قد كان في الحقيقة؛ كما قال (تعالى): ( وكان الله غفورا رحيما ) ؛ ( وكان الله عليما حكيما ) ؛ والمعنى الحقيقي وقوع ذلك؛ وقيل: "كنتم خير أمة"؛ بمعنى: "حدثتم خير أمة"؛ فيكون "خير أمة"؛ بمعنى [ ص: 322 ] الحال؛ وقيل: "كنتم خير أمة في اللوح المحفوظ"؛ وقيل: "كنتم منذ أنتم"؛ ليدل على أنهم كذلك من أول أمرهم.

وفي هذه الآية دلالة على صحة إجماع الأمة ؛ من وجوه؛ أحدها: "كنتم خير أمة"؛ ولا يستحقون من الله صفة مدح إلا وهم قائمون بحق الله (تعالى)؛ غير ضالين؛ والثاني إخباره بأنهم يأمرون بالمعروف فيما أمروا به؛ فهو أمر الله (تعالى); لأن المعروف هو أمر الله(تعالى)؛ والثالث أنهم ينكرون المنكر؛ والمنكر هو ما نهى الله (تعالى) عنه؛ ولا يستحقون هذه الصفة إلا وهم لله رضا؛ فثبت بذلك أن ما أنكرته الأمة فهو منكر؛ وما أمرت به فهو معروف؛ وهو حكم الله (تعالى)؛ وفي ذلك ما يمنع وقوع إجماعهم على ضلال؛ ويوجب أن ما يحصل عليه إجماعهم هو حكم الله (تعالى).

التالي السابق


الخدمات العلمية