الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب فيما يضمن من العواري

                                                                                                                                                                                        ومن المدونة قال مالك: ومن استعار ثوبا فضاع وادعى أنه سرق منه أو أحرقه أو احترق أو غير ذلك من العروض فكسره فهو ضامن، وإن أصابه أمر من الله، وله عليه بينة ولم يفرط لم يضمن .

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ - رضي الله عنه -: العواري خمسة:

                                                                                                                                                                                        أحدها: لا يبان به كالديار، والثاني: ما يبان به ولا يغاب عليه كالسفن فهذان غير مضمونين، والثالث: ما يبان به، ويغاب عليه، وهو مستقل بنفسه كالعبيد والدواب، واختلف هل هو مضمون أم لا، والرابع: ما يغاب عليه، وليس مستقلا بنفسه كالثياب والحلي، والخامس: العين والدنانير والدارهم والمكيل والموزون فهذان مضمونان، فإن استعار دارا فسقطت أو سقط منها بيت أو حائط لم يضمنه، والقول قوله أن ذلك لم يكن من فعله، وإن ادعى ذهاب شيء من ذلك النقض بعد سقوطه صدق؛ لأنه لم يدخل على ضمان، وإذا تبين أن ذلك الهدم لم ينهدم بنفسه لجدته ولا مطر ولا غيره مما يخشى أن يكون سببا لانهدامه لم يصدق أنه انهدم بنفسه، ولو لم تنهدم، وادعى تلف أبواب بيوتها أو أغلاقها لم يصدق، ويصدق في باب الدار وحلقه لأنه [ ص: 6027 ] ينام عنه ولا يدري ما حدث، وإن استعار سفينة فقال: غرقت أو أخذها اللصوص أو العدو - صدق فيما دون آلتها المراسي والقلوع، وما أشبه ذلك إلا أن يتبين صدقه في ذلك فلا يكون عليه شيء أو بتبين كذبه بأن تشهد بينة كانت معه في الوقت الذي يقول: إنها هلكت فيه أو ذهبت فيضمن.

                                                                                                                                                                                        واختلف في عارية الحيوان والعبيد والدواب وغيرها، فقال مالك: لا ضمان عليه لأنها مستقلة بنفسها إلا أن يعلم أنه هو الذي أتلفها . وهذا هو المشهور من قوله وأصحابه، وذكر عنه الشيخ أبو إسحاق بن شعبان أنه لا يصدق في ذهابه، ورأى أن الأصل تصرف الإنسان بها، وهو الغالب حتى يعلم أنها ذهبت بنفسها، وهو قول ابن القاسم في كتاب الشركة، وقد كان بعض أهل العلم يتأول قوله ذلك، ولا حاجة إلى تأويله إذا كان أحد قولي مالك، وقيل: لا يصدق فيما صغر خاصة; لأنه يخفى إذا غيب عليه، وقد يرجح هذا القول فيما يراد منه الأكل دون غيره، فعلى القول الأول لا يضمن الدابة، ويضمن سرجها ولجامها، ولا يضمن العبد ولا ما عليه من كسوة; لأن العبد حائز لما عليه، وإن ادعى موته صدق فيه، وفي كفنه فيما عليه، ولا يصدق إن ادعى زيادة ليرجع بها، وإن ادعى أن موت العبد أو الدابة في مدينة ولم يعلم الأجير أنه ولا غيره. . . . وكان في سفر في جماعة ولم يعلموا ذلك لم يصدق وإن ادعى إباق العبد وذهاب الدابة صدق بخلاف الموت، وإن ادعى إباق العبد وذهاب الدابة كان بحضرة بينة، فإن صدقته برئ من الضمان واليمين، [ ص: 6028 ] وإن كذبته وكانوا عدولا ضمن; لأنه قد تبين كذبه، وإن لم يكونوا عدولا لم يضمن ويحلف، وإن شهد شاهد عدل حلف معه المعير أنه شهد بحق وأنه لم يذهب ذلك بحضرته وغرم، وعلى أحد قولي مالك أنه لا يحلف مع الشاهد إذا شهد فيما كان غائبا عنه يحلف المستعير ويبرأ; لأنه لا علم عنده في صحة الشهادة.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية