الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون رد لدعواهم المحكية على أبلغ وجه، حيث سلك فيه مسلك الاستئناف المؤدي إلى زيادة تمكن الحكم في ذهن السامع، مع تأكيد الحكم، وتحقيقه (بأن، وألا) بناء [ ص: 154 ] على تركبها من همزة الاستفهام الإنكاري الذي هو نفي معنى (ولا) النافية، فهو نفي، فيفيد الإثبات بطريق برهاني أبلغ من غيره، ولإفادتها التحقيق كما قال ناصر الدين : لا يكاد تقع الجملة بعدها إلا مصدرة بما يتلقى به القسم (كان، واللام، وحرف النهي)، والذي ارتضاه الكثير أنها بسيطة لا لأنها تدخل على (أن) المشددة ولا النافية لا تدخل عليها، إذ قد يقال: انفسخ بعد التركيب حكمها الأصلي، بل لأن الأصل البساطة، ودعوى لا يكاد إلخ لا تكاد تسلم كيف، وقد دخلت على رب وحبذا، ويا النداء، في: ألا رب يوم صالح لك منهما، وألا حبذا هند وأرض بها هند، وألا يا قيس والضحاك سيرا، وضم إلى ذلك تعريف الخبر، وتوسيط الفصل، وأشار بـ(لا يشعرون) على وجه إلى أن كونهم من المفسدين قد ظهر ظهور المحسوس بالمشاعر، وإن لم يدركوه، وأتى سبحانه بالاستدراك هنا ولم يأت به بعد المخادعة، لأن المخادعة هناك لم يتقدمها ما يتوهم منه الشعور توهما يقتضي تعقيبه بالرفع، بخلاف ما هنا، فإنهم لما نهوا عما تعاطوه من الفساد الذي لا يخفى على ذوي العقول، فأجابوه بادعاء أنهم على خلافه، وأخبر سبحانه بفسادهم، كانوا حقيقين بالعلم به، مع أنهم ليسوا كذلك، فكان محلا للاستدراك، وما يقال : من أنه لا ذم على من أفسد، ولم يعلم، وإنما الذم على من أفسد عن علم، يدفعه أن المقصر في العلم مع التمكن منه مذموم بلا ريب، بل ربما يقال: إنه أسوأ حالا من غيره، وهذا كله على تقدير أن يكون مفعول لا يشعرون محذوفا مقدرا بأنهم مفسدون، ويحتمل أن يقدر أن وبال ذلك الفساد يرجع إليهم، أو أنا نعلم أنهم مفسدون، ويكون ألا إنهم هم المفسدون لإفادة لازم فائدة الخبر بناء على أنهم عالمون بالخبر جاحدون له، كما هو عادتهم المستمرة، ويبعد هذا إذا كان المنافقون أهل كتاب، ويحتمل أن لا ينوى محذوف، وهو أبلغ في الذم، وفيه مزيد تسلية له صلى الله عليه وسلم إذ من كان من أهل الجهل لا ينبغي للعالم أن يكترث بمخالفته، وفي التأويلات لعلم الهدى، إن هذه الآية حجة على المعتزلة في أن التكليف لا يتوجه بدون العلم بالمكلف به، وأن الحجة لا تلزم بدون المعرفة، فإن الله تعالى أخبر أن ما صنعوا من النفاق إفساد منهم مع عدم العلم، فلو كان حقيقة العلم شرطا للتكليف ولا علم لهم به، لم يكن صنيعهم إفسادا، لأن الإفساد ارتكاب المنهي عنه، فإذا لم يكن النهي قائما عليهم عن النفاق، لم يكن فعلهم إفسادا فحيث كان إفسادا دل على أن التكليف يعتمد قيام آلة العلم، والتمكن من المعرفة لا حقيقة المعرفة، فيكون حجة عليهم، وهذه المسألة متفرعة على مسألة مقارنة القدرة للفعل وعدمها، وأنت تعلم أنه مع قيام الاحتمال يقعد على العجز الاستدلال .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية