الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
فصل في ضابط الفواصل

ذكره الجعبري ، ولمعرفتها طريقان : توقيفي وقياسي :

( الأول ) : التوقيفي ، روى أبو داود عن أم سلمة لما سئلت عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : كان يقطع قراءته آية آية ، وقرأت ( بسم الله الرحمن الرحيم ) إلى ( الدين ) تقف على كل آية ، فمعنى يقطع قراءته آية آية ؛ أي يقف على كل آية ، وإنما كانت قراءته صلى الله عليه وسلم كذلك ليعلم رءوس الآي .

قال : ووهم فيه من سماه وقف السنة ; لأن فعله - عليه السلام - إن كان تعبدا فهو مشروع لنا ، وإن كان لغيره فلا ، فما وقف - عليه السلام - عليه دائما تحققنا أنه فاصلة ، وما وصله دائما تحققنا أنه ليس بفاصلة ، وما وقف عليه مرة ووصله أخرى احتمل الوقف أن يكون لتعريفهما ، أو لتعريف الوقف التام ، أو للاستراحة . والوصل أن يكون غير فاصلة أو فاصلة وصلها لتقدم تعريفها .

[ ص: 188 ] ( الثاني ) : القياسي ، وهو ما ألحق من المحتمل غير المنصوص بالمنصوص ، لمناسب ، ولا محذور في ذلك ; لأنه لا زيادة فيه ولا نقصان ؛ وإنما غايته أنه محل فصل أو وصل ، والوقف على كل كلمة جائز ، ووصل القرآن كله جائز ، فاحتاج القياسي إلى طريق تعرفه ، فأقول :

فاصلة الآية كقرينة السجعة في النثر ، وقافية البيت في النظم ، وما يذكر من عيوب القافية من اختلاف الحذو والإشباع والتوجيه ، فليس بعيب في الفاصلة ، وجاز الإيغال في الفاصلة والقرينة وقافية الأرجوزة من نوع إلى آخر بخلاف قافية القصيد .

ومن ثم ترى ( يرجعون ) مع ( عليم ) ( آل عمران : 72 و 73 ) و ( الميعاد ) مع ( الثواب ) ( آل عمران : 194 - 195 ) ، و ( الطارق ) مع ( الثاقب ) ( الطارق : 1 - 3 ) .

والأصل في الفاصلة والقرينة المجردة في الآية والسجعة المساواة ، ومن ثم أجمع العادون على ترك عد ( ويأت بآخرين ) ( النساء : 133 ) و ( ولا الملائكة المقربون ) بالنساء ( الآية : 172 ) و ( كذب بها الأولون ) بسبحان ( الإسراء : 59 ) و ( لتبشر به المتقين ) بمريم ( الآية : 97 ) و ( لعلهم يتقون ) بـ " طه " ( الآية : 113 ) و ( من الظلمات إلى النور ) ( الطلاق : 11 ) و ( أن الله على كل شيء قدير ) بالطلاق ( الآية : 12 ) حيث لم يشاكل طرفيه .

وعلى ترك عد ( أفغير دين الله يبغون ) بآل عمران ( الآية : 83 ) ( أفحكم الجاهلية يبغون ) بالمائدة ( الآية : 50 ) وعدوا نظائرها للمناسبة نحو ( لأولي الألباب ) بآل عمران ( الآية : 190 ) و ( على الله كذبا ) بالكهف ( الآية : 15 ) و ( والسلوى ) بـ " طه " ( الآية : 80 ) .

وقد يتوجه الأمران في كلمة فيختلف فيها ، فمنها البسملة ، وقد نزلت بعض آية في النمل ( الآية : 30 ) ، وبعضها في أثناء الفاتحة ( الآية : 2 ) ، ونزلت أولها في بعض الأحرف السبعة .

فمن قرأ بحرف نزلت فيه عدها آية ، ولم يحتج إلى إثباتها بالقياس للنص المتقدم خلافا للداني . ومن قرأ بحرف لم تنزل معه لم يعدها ، ولزمه من الإجماع على [ ص: 189 ] أنها سبع آيات أن يعد عوضها . وهو يعد ( اهدنا ) لقوله صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين .

أي قراءة الصلاة تعد منها ، ولا للعبد إلا هاتان ، و ( المستقيم ) محقق ، فقسمتا بعدها قسمين ، فكانت ( عليهم ) الأولى وهي مماثلة في الروي لما قبلها .

ومنها حروف الفواتح ، فوجه عدها استقلالها على الرفع والنصب ومناسبة الروي والردف . ووجه عدمه الاختلاف في الكمية والتعلق على الجزء .

ومنها بالبقرة : ( عذاب أليم ) ( الآية : 10 ) و ( إنما نحن مصلحون ) ( البقرة : 11 ) ، فوجه عده مناسبة الروي ، ووجه عدمه تعلقه بتاليه .

ومنها : ( إلى بني إسرائيل ) بآل عمران ( الآية : 49 ) حملا على ما في الأعراف ( الآية : 105 ) والشعراء ( الآية : 17 ) والسجدة ( الآية : 23 ) والزخرف ( الآية : 59 ) .

ومنها : ( فبشر عبادي ) بالزمر ( الآية : 17 ) لتقدير تاليه مفعولا ومبتدأ .

ومنها : و ( والطور ) و ( الرحمن ) و ( الحاقة ) و ( القارعة ) و ( والعصر ) حملا على ( والفجر ) ( والضحى ) للمناسبة ، لكن تفاوتت في الكمية .

التالي السابق


الخدمات العلمية