الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء

82 - كمسند الطيالسي وأحمدا وعده للدارمي انتقدا

.

والمسانيد كثيرة ( كمسند ) الحافظ الثقة أبي داود سليمان بن الجارود القرشي الفارسي الأصل البصري ( الطيالسي ) نسبة إلى الطيالسة التي تجعل على العمائم ، مات بالبصرة في ربيع الأول ، سنة أربع أو ثلاث ومائتين ( 203 أو 204 هـ ) عن نحو سبعين سنة .

وهذا المسند يسير بالنسبة لما كان عنده ، فقد كان يحفظ أربعين ألف حديث ، والسبب في ذلك عدم تصنيفه هو له ، إنما تولى جمعه بعض حفاظ [ ص: 117 ] الأصبهانيين من حديث يونس بن حبيب الراوي عنه .

وكمسند أبي محمد عبيد الله بن موسى العبسي الكوفي ، وأبي بكر الحميدي ، وأبي الحسن مسدد بن مسرهد ، وأبي بكر بن أبي شيبة ، وأبي يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن راهويه ، والإمام المبجل ( أحمد ) الآتي ذكره في الوفيات ، وابن أبي عمر العدني ، وأبي جعفر أحمد بن منيع ، وأبي محمد عبد بن حميد الكشي ، وغيرهم ممن عاصرهم ، أو كان بعدهم .

ولكن ( عده ) أي : ابن الصلاح في علومه ( للدارمي ) أي : لمسند الدارمي ، نسبة إلى دارم بن مالك ، بطن كبير من تميم ، وهو الحافظ أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل التميمي السمرقندي ، توفي في يوم التروية ، ودفن في يوم عرفة سنة خمس وخمسين ومائتين ( 255هـ ) ، ومولده سنة إحدى وثمانين ، في المسانيد ( انتقدا ) عليه ; فإنه على الأبواب ، كما علم مما قدمته قريبا ، على أنه يحتمل - على بعد - أن يكون أراد مسنده الذي ذكره الخطيب في تصانيفه ، فإنه قال : إنه صنف المسند والتفسير والجامع .

وكذا انتقد بعضهم على ابن الصلاح - كما قرأته بخط الشارح - تفضيل كتب السنن على " مسند أحمد " الذي هو أكبر هذه المسانيد بل مطلقا ، وأحسنها سياقا ، متمسكا بكونه لم يدخل فيه إلا ما يحتج به ، كما دل عليه عدم استيعاب ما عنده من أحاديث الصحابة فيه ، وإنما انتقاه من أكثر من سبعمائة ألف وخمسين ألف حديث ، وقال : ما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فارجعوا إليه ، [ ص: 118 ] فإن وجدتموه فيه ، وإلا فليس بحجة ، بل بالغ بعضهم فأطلق عليه الصحة .

والحق أن فيه أحاديث كثيرة ضعيفة ، وبعضها أشد في الضعف من بعض ، حتى إن ابن الجوزي أدخل كثيرا منها في " موضوعاته " ، ولكن قد تعقبه في بعضها الشارح وفي سائرها أو جلها شيخنا ، وحقق كما سمعته منه نفي الوضع عن جميع أحاديثه ، وأنه أحسن انتقاء وتحريرا من الكتب التي لم تلتزم الصحة في جمعها .

قال : وليست الأحاديث الزائدة فيه على ما في الصحيحين بأكثر ضعفا من الأحاديث الزائدة في " سنن أبي داود " والترمذي عليهما .

وبالجملة فسبيل من أراد الاحتجاج بحديث من السنن ، لا سيما ابن ماجه ومصنف ابن أبي شيبة ، وعبد الرزاق مما الأمر فيها أشد ، أو بحديث من المسانيد واحد ; إذ جميع ذلك لم يشترط من جمعه الصحة ولا الحسن خاصة .

وهذا المحتج إن كان متأهلا لمعرفة الصحيح من غيره ، فليس له أن يحتج بحديث من السنن من غير أن ينظر في اتصال إسناده ، وحال رواته .

كما أنه ليس له أن يحتج بحديث من المسانيد ، حتى يحيط علما بذلك ، وإن كان غير متأهل لدرك ذلك ، فسبيله أن ينظر في الحديث ، فإن وجد أحدا من الأئمة صححه أو حسنه ، فله أن يقلده ، وإن لم يجد ذلك ، فلا يقدم على الاحتجاج به ، فيكون كحاطب ليل ، فلعله يحتج بالباطل ، وهو لا يشعر .

التالي السابق


الخدمات العلمية